الباحث القرآني

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ قال ابن عباس: لمّا حرّم الله الربا، أباح السلم، فقال: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ أي داين بعضكم بعضا، والدين ما كان مؤجّلا والعين ما كان حاضرا، يقال: دان فلانا يدينه، إذا أعطاه الدين فهو دائن، والمعطا مدين ومديون. قوله إِذا تَدايَنْتُمْ يدخل فيه الدين والنسيئة والسلم وما كان مؤجّلا من الحقوق. فإنّما قال: بِدَيْنٍ والمداينة لا تكون إلّا بدين لأنّ المداينة قد [تكون] [[غير مقروءة في المخطوط والظاهر ما أثبتناه.]] مجازاة وتكون معاطاة فأبان ذلك وقيّده بقوله بِدَيْنٍ. وقيل: هو بمعنى التأكيد كقوله: وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ [[سورة الأنعام: 38.]] وقوله: فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ [[سورة الحجر: 30.]] . إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى أي وقت معلوم فَاكْتُبُوهُ أي اكتبوا الذي تداينتم به بيعا كان أو قرضا لئلّا يقع فيه جحود ولا نسيان ولا تدافع. واختلفوا في هذا الكتابة، هل هي واجبة أم لا؟ فقال بعضهم: فرض واجب، قال ابن جريج: من أدان فليكتب، ومن باع فليشهد. وهذا القول اختيار محمد بن جرير الطبري، يدلّ عليه ما روى الشعبي عن أبي بردة عن أبي موسى عن أبيه عن النبيّ ﷺ‎ قال: «ثلاثة يدعون الله فلا يستجاب لهم: رجل كانت عنده امرأة سيئة الخلق فلم يطلّقها. ورجل كان له دين فلم يشهد، ورجل أعطى سفيها مالا، وقد قال الله تعالى: وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ [[المستدرك: 2/ 302.]] . قال قوم: هو أمر استحباب وتخيير فإن كتب فحسن وإن ترك فلا بأس. كقوله: وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا [[سورة المائدة: 2.]] . وقوله: فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ [[سورة الجمعة: 10.]] . هو اختيار الفراء. وقال آخرون: كان كتاب الدين والإشهاد والرهن فرضا ثم نسخ ذلك بقوله تعالى: فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ [[سورة البقرة: 283.]] وهو قول الشعبي. ثم بيّن كيفيّة الكتابة فقال عزّ من قائل: وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كاتِبٌ بِالْعَدْلِ وقرأ الحسن وَلْيَكْتِبْ بكسر اللام، وهذه اللام، لام الأمر ولا يؤمر بها غير الغائب، وهي إذا كانت مفردة فليس فيها إلّا الحركة، فإذا كانت قبلها واو أو فاء أو ثم، فأكثر العرب على تسكينها طلبا للخفّة ومنهم من يكسرها على الأصل. ومعنى الآية: وَلْيَكْتُبْ كتاب الدين. بيع البائع والمشتري والطالب والمطلوب. كاتِبٌ بِالْعَدْلِ أي بالحق والإنصاف فلا يزيد فيه ولا ينقص منه ولا يقدّم الأجل ولا يؤخّره ولا يكتب به شيئا يبطل به حقّا لأحدهما لا يعلمه هو. وَلا يَأْبَ ولا يمتنع كاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَما عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وذلك إنّ الكتّاب كانوا قليلا علي عهد رسول الله ﷺ‎. واختلف العلماء في وجوب الكتابة على الكاتب والشهادة على الشاهد، فقال مجاهد والربيع: واجب على الكاتب أن يكتب إذ أمر. وقال الحسن: ذلك في الموضع الذي لا يقدر فيه على كاتب غيره فيضر صاحب الدين إن امتنع، فإذا كان كذلك فهو فريضة، وإن قدر على كاتب غيره فهو في سعة إذا قام به غيره. وقال الضحاك: كانت هذه عزيمة واجبة على الكاتب والشاهد فنسخها قوله: وَلا يُضَارَّ كاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ. السدي: هو واجب عليه في حال فراغه. وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ. المديون والمطلوب يقرّ على نفسه بلسانه ليعلم ما عليه، والإملال والإملاء لغتان فصيحتان جاء بهما القرآن. قال الله تعالى: فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا [[سورة الفرقان: 5.]] . أصل الإملال: إعادة الشيء مرّة بعد مرّة والإلحاح عليه. قال الشاعر: ألّا يا ديار الحيّ بالسبعان ... أملّ عليها بالبلى الملوان [[الصحاح: 3/ 1227.]] ثم خوّفه فقال: وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً. أي لا ينقص من الحقّ الذي عليه شيئا، يقال: بخسه حقّه وبخسه إذا أنقصه ونظائرها في القرآن كثيرة. فَإِنْ كانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ. يعني وإن كان المطلوب الذي عليه المال سَفِيهاً. جاهلا بالمال. قاله مجاهد، وقال الضحاك والسدي: طفلا صغيرا أَوْ ضَعِيفاً. أو شيخا كبيرا. السدي وابن زيد: يعني عاجزا أحمق أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ. لخرس أو عيّ أو غيبة أو عجمة أو زمانة أو حبس لا يمكنه حضور الكتاب أو جهل ماله عليه فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ. أي قيّمه ووارثه. ابن عبّاس والربيع ومقاتل: يعني فليملل وليّ الحق وصاحب الدين لأنّه أعلم بدينه بِالْعَدْلِ بالصدق والحق والإنصاف وَاسْتَشْهِدُوا. هذا السين للسؤال والطلب شَهِيدَيْنِ. شاهدين مِنْ رِجالِكُمْ. يعني الأحرار البالغين دون العبيد والصبيان ودون أحرار الكفّار. وهذا مذهب مالك والشافعي وأبي حنيفة وسفيان وأكثر الفقهاء. وأجاز شريح وابن سيرين بشهادة العبد وهو قول أنس بن مالك. وأجاز بعضهم شهادتهم في الشيء التافه. فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ. يعني فإنّ لم يكن الشاهدان رجلين فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ. أو فليشهد رجل وامرأتان. وأجمع الفقهاء على أنّ شهادة النساء جائزة مع الرجال في الأموال، واختلفوا في غير الأموال. وكان مالك والأوزاعي والشافعي وأبو عبيد وأبو ثور وأحمد لا يجزونها إلّا في الأموال. وكان أبو حنيفة وسفيان وأصحابهما يجيزون شهادتين مع الرجل في كلّ شيء ما عدا الحدود والقصاص. مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ. يعني من كان مرضيّا في ديانته وأمانته وكفائته. قال عمر بن الخطّاب رضي الله عنه: من أظهر لنا خيرا ظننا به خيرا فأجبناه عليه ومن أظهر لنا شرّا ظننا به شرّا وأبغضناه عليه، وإذا حمد الرجل جاره وقرائبه ورفيقه فلا تشكّوا في صلاحه. وقال إبراهيم النخعي: العدل: من لم يظهر منه ريبة. وقال الشعبي: العدل: من لم يطعن عليه في بطن ولا فرج. وقال الحسن: هو من لم يعلم له خزية. وقال النبيّ ﷺ‎: «لا يجوز شهادة خائن ولا خائنة ولا مجلود حدا ولا ذي غمر على أخيه ولا مجرّب عليه شهادة زور ولا التابع مع أهل البيت- يعني الخادم لهم-[ولا الظنين في ولاء ولا قرابة] » [[كنز العمال: 7/ 15 ح 17747.]] . وجملة القول فيمن تقبل شهادته: أن تجتمع فيه عشر خصال: يكون حرّا بالغا مسلما عدلا عالما بما يشهد به ولا يجز بشهادته إلى نفسه منفعة ولا يدفع عن نفسه مضرّة ولا يكون معروفا بكثرة الغلط ولا يترك المروءة ولا يكون عنده لين [ولا] يشهد عليه عبده، فإذا اجتمعت فيه هذه الخصال كان مقبول القول جائز الشهادة. وتقبل شهادة النساء على الانفراد لا رجل معهن في أربع مواضع: عيوب النساء وهو ما يكون عيبا في موضع هي عورة منها- في الحرّة في جميع بدنها إلّا وجهها وكفّيها، ومن الأمة ما بين سرّتها إلى ركبتها- وفي الرضاع، وفي الولادة، وفي الاستهلال. ولا خلاف في ذلك كلّه إلّا في الرضاع. وان أبا حنيفة ذهب إلى أنّ شهادة النساء على الانفراد لا تقبل فيه حتّى يشهد رجلان أو رجل وامرأتان. وأمّا صفة الشهادة فروى طاوس عن ابن عباس قال: سئل رسول الله ﷺ‎ عن الشهادة فقال: «ترى الشمس» ؟ قال: نعم، قال: «على مثلها فاشهد أو دع» [[كنز العمال: 7/ 23 ح 17782.]] وعن عبد الصمد بن علي بن عبد الله بن عباس عن أبيه عن جدّه أن رسول الله ﷺ‎ قال: «أكرموا الشهود فإنّ الله عزّ وجلّ يستخرج بهم الحقوق ويدفع بهم الظلم» [208] [[كنز العمال: 7/ 12 ح 17733.]] . خارجة بن نور عن عبد الرحمن بن عبيد قال: قال رسول الله ﷺ‎: «من حبس ذكر حقّ بعد ما تقبض ما فيه ثلاثا فعليه قيراط من الإثم» [209] . أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى. قرأ الأعمش وحمزة: «إِنْ» بكسر الألف (فتذكرُ) رفعا، ومعناه الجزاء والابتداء، وموضع (تَضِلَّ) جزم للجزاء إلّا أنّه لا يتبيّن في التضعيف (فَتُذَكِّرَ) رفع لأن ما بعد فاء الجزاء مبتدأ. وقراءة العامّة بنصب الألف، فالفاء على الاتصال بالكلام الأوّل وموضع (أَنْ) نصب بنزع حرف الصفة يعني لأنّ، و (تَضِلَّ) محلّه نصب بأن (فَتُذَكِّرَ) مسوّق عليه. ومعنى الآية: فرجل وامرأتان كي تذكّر إحداهما الأخرى إنّ ضلّت. وهذا من المقدّم والمؤخّر، كقولك: إنّه ليعجبني أن يسأل فيعطى، يعني: يعجبني أن تعطي السائل إذا سأل لأن العطاء تعجّب لا السؤال. قال الله: وَلَوْلا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولًا [[سورة القصص: 47.]] الآية. ومعناه: لولا أن يقولوا إذا أصابتهم مصيبة: هلّا أرسلت إلينا رسولا. ومعنى قوله (أَنْ تَضِلَّ) : أي تنسى، كقوله: لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسى [[سورة طه: 52.]] . وقوله: قالَ فَعَلْتُها إِذاً وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ [[سورة الشعراء: 20.]] وحَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُوا [[سورة النحل: 36.]] وذهاب قول العرب: ضلّ الماء في اللبن، وقال الله: وَقالُوا أَإِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ [[سورة السجدة: 10.]] وقرأ عاصم الجحدري: أن تُضلّ أحداهما بضمّ التاء وفتح الضاد على المجهول، وقرأ زيد بن أسلم: فتذكّر من المذاكرة. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب وأبو حاتم وقتيبة: فتذكر خفيفه، وقرأ الباقون مشددا. وذكّر وأذكر بمعنى واحد كما يقال: نزّل وأنزل وكرّم وأكرم، وهما معها الذكر الذي هو [ضد] النسيان قال الشاعر: تذكرنيه الشمس عند طلوعها ... وتعرض ذكراه إذا غربها أفل [[تفسير القرطبي: 14/ 118.]] قال أبو عبيد: حدثت عن سفيان بن عينية أنّه قال: هو من الذكر، يعني أنّها إذا شهدت مع أخرى صارت شهادتهما كشهادة الذكر. قلت: هذا القول لا يعجبني لأنّه معطوف على النسيان والله أعلم. وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا. قال بعضهم: هذا في محمل الشهادة وهو أمر إيجاب. قال قتادة والربيع: كان الرجل يطوف في الحيّ العظيم فيه القوم فيدعوهم إلى الشهادة فلا يتّبعه أحد منهم، فأنزل الله تعالى هذه الآية. وقال الشعبي: هو مخيّر في تحمّل الشهادة إذا وجد غيره، فإن شاء شهد وإن شاء لم يشهد، فإذا لم يوجد غيره فترك إلّا ما فرض عليه. وقال بعضهم: هذا أمر ندب وهو مخيّر في جميع الأحوال إن شاء شهد وإن شاء لم يشهد. وهو قول عطاء وعطيّة. وقال أبو بحريّة: قلت للحسن: أدعى إلى الشهادة وأنا كاره، قال: فلا تجب ولا تشهد إن شئت. وقال مغيرة: قلت لإبراهيم: إنّي أدعى إلى الشهادة وإنّي أخاف أن أنسى، قال: فلا تشهد أن تحب. وقال بعضهم: هذا في إقامة الشهادة وأدائها، ومعنى الآية: وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا لإقامة الشهادة إذا كانوا قد شهدوا قبل ذلك. وهو قول مجاهد وعطاء وعكرمة وسعيد بن جبير والضحاك والسدي، وروى سفيان عن جابر عن عامر قال الشاهد بالخيار ما لم يشهد. وقال الحسن والسدي هذه الآية في الأمرين جميعا في التحمّل والاقامة إذا كان فارغا. وَلا تَسْئَمُوا. ولا تملّوا يقال: سئمت أسأم سأما وسأمة، قال زهير: سئمت تكاليف الحياة ومن يعش ... ثمانين حولا لا أبا لك يسأم وقال لبيد: ولقد سئمت من الحياة وطولها ... وسؤال هذا الناس كيف لبيد وأن في محلّ النصب من وجهين: إن شئت جعلته مع الفعل مصدرا وأوقعت السآمة عليه، تقديره: ولا تسأموا كتابته، وإن شئت نصبت بنزع حروف الصفة، تقديره: ولا تسأموا من أن تكتبوه، والهاء راجع إلى الحق. وقرأ السلمي: ولا يسأموا بالياء. صَغِيراً. كان الحقّ أَوْ كَبِيراً. قليلا كان المال أو كثيرا، وانتصاب الصغير والكبير من وجهين: أحدهما على الحال والقطع من الهاء، والثاني أن تجعله خبرا لكان وأضمر، يعني: وَلا تَسْئَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيراً كان الحق أَوْ كَبِيراً إِلى أَجَلِهِ . إلى محلّ الحق ذلِكُمْ. الكتاب أَقْسَطُ. أعدل عِنْدَ اللَّهِ. لأنّه أمر به، واتباع أمره أعدل من تركه وَأَقْوَمُ. وأصوب لِلشَّهادَةِ وَأَدْنى. وأحرى وأقرب إلى أَلَّا تَرْتابُوا. تشكّوا في الشهادة ومبلغ الحق والأجل إذا كان مكتوبا، نظير قوله: ذلِكَ أَدْنى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهادَةِ عَلى وَجْهِها [[سورة المائدة: 107.]] وهو أفعل من الدنو، ثم استثنى فقال: إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً حاضِرَةً. قرأها عاصم بالنصب على خبر كان وأضمر الاسم، مجازه: إلّا أن تكون التجارة تجارة، والمبايعة تجارة. وأنشد الفراء: لله قومي أي قوم بحرة ... إذا كان يوما ذا كواكب أشنعا [[تفسير الطبري: 3/ 180.]] أي إذا كان اليوم يوما. وأنشد أيضا: أعينيّ هل تبكيان عفاقا ... إذا كان طعنا بينهم وعناقا [[جامع البيان: 3/ 179.]] أراد إذا كان الأمر. وقرأ الباقون بالرفع على وجهين: أحدهما: أن يكون معنى الكون الوقوع، أراد: إلّا أن تقع تجارة، وحينئذ لا خبر له. والثاني: أن يجعل الاسم في التجارة والخبر في الفعل، وهو قوله تعالى: تُدِيرُونَها بَيْنَكُمْ تقديره: إلّا أن تكون تجارة حاضرة دائرة بينكم، ومعنى الآية: إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً حاضِرَةً يدا بيد تُدِيرُونَها بَيْنَكُمْ ليس فيها أجل ولا نسيئة. فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَلَّا تَكْتُبُوها. يعني التجارة وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ. قال الضحاك: هو عزم من الله عزّ وجلّ، والاشهاد واجب في صغير الحق وكبيره نقده ونسأه ولو على باقة بقل وهو اختيار محمد بن جرير. وقال أبو سعيد الخدري: الأمر فيه إلى الامانة. قال الله فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً. وقال الآخرون: هو أمر ندب إن شاء أشهد وإن لم يشاء لم يشهد ثم قال: وَلا يُضَارَّ كاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ. هو نهي الغائب، وأصله يضارر فأدغمت الراء في الراء ونصبت لحق التضعيف لاجتماع الساكنين، والفتح أخفّ الحركات فحركت إليه. وأما تفسير الآية، فأجراها بعضهم على الفعل المعروف، وقال: أصله يضارر بكسر الراء وجعل الفاعل الكاتب والشهيد، معناه: وَلا [يُضَارَّ] كاتِبٌ فيكتب ما لم يملل عليه يزيد أو ينقص أو يحرّف، وَلا شَهِيدٌ فيشهد ما لم يشهد عليه أو يمتنع من إقامة الشهادة، وهذا قول طاوس والحسن وقتادة وابن زيد. وأجراه آخرون على الفعل المجهول وجعلوا الكاتب والشهيد مفعولين وقالوا: أصله لا يضار. ومعنى الآية: هو أن الرجل يدعوا الكاتب أو الشهيد وهما على حاجة مهمّة فيقولان: إنا مشغولان فاطلب غيرنا، فيقول الذي يدعوه: إن الله أمر كما أن تجيبا في الكتابة والشهادة ويلحّ عليهما ويشغلهما عن حاجتهما فنهى الله عزّ وجلّ [عن مضارتهما] وأمر أن يطالب غيرهما. وقال الربيع بن أنس: لما نزلت هذه الآية وَلا يَأْبَ كاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَما عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا. كان أحدهما يجيء إلى الكاتب فيقول له: أكتب، فيقول: إنّي مشغول، أو لي حاجة فانطلق إلى غيري، فيلزمه ويقول: إنّك قد أمرت بالكتابة، فلا يدعه فيضاره بذلك وهو يجد غيره. وكذلك يفعل مع الشاهد، فأنزل الله تعالى: وَلا يُضَارَّ كاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ. ودليل هذا التأويل قراءة عمر وأبيّ وابن مسعود ومجاهد: ولا يضارر كاتب ولا شهيد بإظهار التضعيف على وجه ما لم يمنع [وَلا يُضَارَّ] . وقرأ أبو جعفر: ولا يضارْ، مجزوما مخفّفا القى راء واحدة أصلا، وقرأ الحسن ولا يضارِّ بكسر الراء مشدّدا. وَإِنْ تَفْعَلُوا. ما نهيتكم عنه من الضراء فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ. خروج عن الأمر وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب