الباحث القرآني

وَإِنْ كُنْتُمْ عَلى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كاتِباً. قرأ ابن عباس وأبو العالية ومجاهد: كتابا، وقالوا: ربّما وجد الكاتب ولم يجد المداد ولا الصحيفة، وقالوا: لم تكن [قبيلة] من العرب إلّا كان فيهم كاتب ولكن كانوا لا يقدرون على القلم والدواة. وقرأ الضحاك: كتّابا على جمع الكاتب. وقرأ الباقون: كاتِباً على الواحد وهو الأنسب مع المصحف. فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ. قرأ ابن عباس وإبراهيم وزر بن حبيش ومجاهد وابن كثير وأبو عمرو: فرُهُن بضم الراء والهاء. وقرأ عكرمة والمنهال وعبد الوارث: فرُهْن بضم الراء وجزم الهاء، وقرأ الباقون: فَرِهانٌ وهو جمع الرهن، ذلك [نحو] فعل وفعال، وحبل وحبال وكبش وكباش، وكعب وكعّاب. والرهن جمع الرهان: جمع الجمع، قاله الفراء والكسائي. وقال غيرهما وأبو عبيدة: هو جمع الرهن. قالوا: ولم نجد فعلا يجمع على فعل إلّا ثمانية أحرف: خلق وخلق، وسقف وسقف، وقلب وقلب، [وجد وجد بمعنى الحظ، وثط وثط، وورد وورد،] ونسر ونسر. ورهن ورهن. قال الأخطل وعمرو بن أبي عوف: [ ... ] [[كلمة غير مقروءة.]] به حتّى يغادره العقبان والنسر. وأنشد الفراء: حتّى إذا بلّت حلاقيم الحلق ... أهوى لأدنى فقرة على شفق وقال أبو عمرو: وإنّما قرأنا (فرهن) ليكون قرفا [بينها وبين] رهان الخيل، وأنشد لقعنب ابن أم الصاحب: بانت سعاد وأمسى دونها عدن ... وغلّقت عندها من قلبك الرهن [[تفسير الطبري: 3/ 189، وتاج العروس: 9/ 222.]] أي وحب لها. والتخفيف والتثقيل في الرهن لغتان مثل كتّب وكتب ورسّل ورسل. ومعنى الآية: وَإِنْ كُنْتُمْ عَلى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كاتِباً الآن للكتابة فارتهنوا ممن تداينونه رهونا ليكون وثيقة لكم بأموالكم. وأجمعوا: إن الرهن لا يصح إلّا بالقبض، وقال مجاهد: ليس الرهن إلّا في السفر عند عدم الكاتب. وأجاز غيره في جميع الأحوال. ورهن رسول الله ﷺ‎ درعه عند يهوديّ. فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً. مدني. حرف أبيّ، فإن أمن. يعني: فإن كان الذي عليه الحق أمينا عند صاحب الحق فلم يرتهن منه شيئا لثقته وحسن ظنّه فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ. أفتعل من الأمانة، وهي الثقة كتبت همزتها واوا لاضمام ما قبلها أَمانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ. في أداء الحق. ثم رجع إلى خطاب الشهود فقال: وَلا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ. إذا دعيتم إلى إقامتها، وقرأ السلمي: ولا يكتموا بالياء ومثله يعملون. ثم ذكر وعيد كتمان الشهادة فقال عزّ من قائل: وَمَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ. فاجر قلبه وهو ابتداء وخبر. وقرأ إبراهيم بن أبي عيلة: فإنّه أثم قلبه على وزن أفعل أي جعل قلبه أثما. وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ. من بيان الشهادة وكتمانها. روى مكحول عن أبي بردة عن أبيه عن النبيّ ﷺ‎ قال: «من كتم الشهادة إذا دعي، كان كمن شهد بالزور» [[مجمع الزوائد: 4/ 200، والمعجم الأوسط: 4/ 270.]] . لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ. الآية. اختلف العلماء في هذه الآية، فقال قوم: هي خاصة. ثم اختلفوا في وجه خصوصها، فقال بعضهم: نزلت في كتمان الشهادة وإقامتها يعني: وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ. أيّها الشهود من كتمان الشهادة أَوْ تُخْفُوهُ. الكتمان يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ. وهو قول الشعبي وعكرمة ورواية مجاهد ومقسم عن ابن عباس، يدلّ عليه قوله فيما قبله: وَلا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ. وقال بعضهم: نزلت هذه الآية فيمن يتولّى الكافرين من المؤمنين. يعني: وإن تعلنوا ما في أنفسكم من ولاية الكفّار أو تستروه يحاسبكم الله. وهو قول مقاتل والواقدي. يدلّ عليه قوله في آل عمران: [قُلْ إِنْ تُخْفُوا ما فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ. من ولاية الكفّار يَعْلَمْهُ اللَّهُ] [[سورة آل عمران: 29.]] يدلّ عليه ما قبله. وقال آخرون: هذه الآية عامّة. ثم اختلفوا في وجه عمومها، فقال بعضهم: هي منسوخة. روت الرواية بألفاظ مختلفة. قال: لمّا نزلت هذه الآية جاء أبو بكر وعمر وعبد الرحمن بن عوف ومعاذ بن جبل وناس من الأنصار إلى النبيّ ﷺ‎ فجثوا على الركب وقالوا: يا رسول الله والله ما نزلت آية أشد علينا من هذه الآية وإنّا لا نسر أن يكون لأحدنا الدنيا وما فيها وإنّا لمأخوذون ما نحدّث به أنفسنا هلكنا والله، فقال النبيّ ﷺ‎: «هكذا نزلت» . قالوا: هلكنا وكلّفنا من العمل ما لا نطيق. قال: «فلعلّكم تقولون كما قال بنو إسرائيل لموسى عليه السلام سَمِعْنا وَعَصَيْنا، بل قولوا: سَمِعْنا وَأَطَعْنا» [210] . واشتد ذلك عليهم فمكثوا بذلك حولا، فأنزل الله عزّ وجلّ الفرج والراحة بقوله تعالى: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها. فنسخت الآية ما قبلها. فقال النبيّ ﷺ‎: «إنّ الله عزّ وجلّ قد تجاوز لأمّتي ما حدّثوا به أنفسهم ما لم يعملوا أو يتكلّموا به» [[أسباب النزول للواحدي: 61.]] . وهذا قول ابن مسعود وأبي هريرة وعائشة وابن عباس برواية سعيد بن جبير وعطاء، ومن التابعين وأتباعهم محمد بن سيرين ومحمد بن كعب وموسى بن عبيدة وقتادة والكلبي وشيبة. قال سعيد بن مرجانة: بينما نحن جلوس عند عبد الله بن عمر إذ تلا هذه الآية وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ. فقال ابن عمر: إن أخذنا الله بها لنهلكن، ثم بكا حتّى سمع. قال ابن مرجانة: فذكرت ذلك لابن عباس فقال: يغفر الله لأبي عبد الرحمن فقد وجد المسلمون منها حين نزلت مثل ما وجد فأنزل الله لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها. وكانت الوسوسة ممّا لا طاقة للمسلمين بها، فصار الأمر إلى القول والفعل به فنسخت تلك الآية. وقال بعضهم: هذه الآية محكمة غير منسوخة، لأن النسخ والأخبار غير جائز إلّا في خبر فيه أمر أو نهي أو شرط. ثم اختلفوا في وجه تأويلها فقال قوم من أهل المعاني: قد اثبت الله عزّ وجلّ للقلب كسبا فقال: بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ. وكلّ عامل مأخوذ بكسبه ومجازى على عمله، [فلا تظنّ] الله عزّ وجلّ بتارك عبدا يوم القيامة أسرّ أمرا أو أعلنه من حركة في جوارحه أو [همسة] في قلبه دون أن يعرّفه إياه ويخبره به، ثم يغفر ما شاء لمن يشاء ويعذّب من شاء بما يشاء. معنى الآية: وإن تظهروا ما في أنفسكم من [المعاصي] فتعملوه أي تضمروا إرادتها في أنفسكم فتخفوها يخبركم به ويحاسبكم عليه، ثم يغفر لمن يشاء ويعذّب من يشاء. وهذا معنى قول الحسن، والربيع، وقيس بن أبي حازم، ورواية الضحاك عن ابن عباس، يدلّ عليه قوله تعالى: وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلًا [[سورة الإسراء: 36.]] . وقال آخرون: معنى الآية إن الله تعالى يحاسب خلقه بجميع ما أبدوا من أعمالهم وأخفوه، ويعاقبهم عليه غير أن معاقبته إيّاهم على ما أخفوه ممّا لم يعملوها، بما يحدث في الدنيا من النوائب والمصائب والأمور التي يحزنون عليها ويألمون بها، وهذا قول عائشة، روي بأنّها سئلت عن هذه الآية فقالت: ما سألت عنها أحد فقد سألت رسول الله ﷺ‎ فقال: «يا عائشة هذه معاتبة الله العبد بما يصيبه من الحمّى والنكبة حتّى الشوكة والبضاعة يضعها في [جيبه] فيفقدها فيفرغ لها فيجدها في جيبه، حتّى أن المؤمن ليخرج من ذنوبه كما يخرج التبر الأحمر من الكيس [211] [[تفسير الطبري: 5/ 399.]] . يدلّ عليه قوله مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ [[سورة النساء: 123.]] يعني في الدنيا. وقال مجاهد: في رواية منصور وابن أبي جريج قال: وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ. يعني من اليقين والشك. وقال جعفر بن محمد: وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ. يعني الإسلام أَوْ تُخْفُوهُ. يعني الإيمان. وقال بعضهم: وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ. يعني ما في قلوبكم ممّا عرفتم وعقدتم عليه أَوْ تُخْفُوهُ. فلا تبدوه وأنتم مجمعون وعازمون عليه، يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ، فأمّا ما حدّثتم به أنفسكم ممّا لم تعزموا عليه فإن ذلك ممّا لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها ولا يؤاخذ به. ودليل هذا التأويل قوله: لا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ [[سورة البقرة: 225.]] . وعن عبد بن المبارك قال: قلت لسفيان: ليؤاخذ العبد بالهمّة، قال: إذا كان عزما أخذ بها. وعن عمرو بن جرير قال: خرجت وأنا شاب لأمر هممت به، فمررت بأبي طالب القاص والناس مجتمعون عليه وكان أوّل شيء تكلّم به أن قال: أيّها الهامّ بالمعصية علمت أن خالق الهمّة مطّلع على همّتك، قال: فخررت والله مغشيّا عليّ، فما أفقت إلّا عن توبة. وعن إسماعيل بن أبي خالد قال: أصابت بني إسرائيل مجاعة فمرّ رجل على رمل فقال: [وددت] أن هذا الرمل دقيق لي فأطعمه بني إسرائيل، فأعطي على نيّته [[المصنف لابن أبي شيبة: 8/ 317.]] . وعن عبد الله بن زيد بن أسلم عن أبيه قال: كان رجل يطوف على العلماء، يقول: من يدلّني على عمل لا أزال منه عاملا لله عزّ وجلّ فإنّي أحب أن لا تأتي عليّ ساعة من الليل والنهار إلّا وأنا عامل، فقيل له: قد وجدت حاجتك فأعمل الخير ما استطعت، فإذا فترت أو تركته فهمّ بعمله إنّ الهامّ بعمل الخير كعامله. وهذا يعني قول النبيّ ﷺ‎: «نيّة المؤمن خير من عمله» [212] [[كنز العمال: 3/ 419 ح 7236.]] لأن العمل ينقطع والنيّة لا تنقطع. وقال محمد بن علي: معنى الآية: وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ. من الأعمال الظاهرة أَوْ تُخْفُوهُ من الأحوال الباطنة، يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ. العابد على أفعاله والعارف على أحواله. وقال بعضهم: إنّ الله يقول يوم القيامة: [يَوْمَ] تُبْلَى السَّرائِرُ وتخرج الضمائر، وأن كتّابي لم يكتبوا من أعمالكم إلّا ما ظهر منها، وأنا مطّلع على سرائركم ما لم يعلموه ولم يكتبوه فأنا أخبركم بذلك وأحاسبكم عليه لتعلموا أنّه لا يعزب عنّي مثقال ذرة من أعمالكم ثم أغفر لمن شئت وأعذّب من شئت. فأمّا المؤمنون فيخبرهم بذلك ويغفر لهم ولا يؤاخذهم بذلك إظهارا لفضله، وأمّا الكافرون فيخبرهم بها ويعاقبهم عليها إظهارا لعدله. فمعنى الآية: وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ فتعملوا به أَوْ تُخْفُوهُ ممّا أضمرتم وأسررتم وأردتم، يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ ويخبركم ويعرّفكم إياه، فيغفر للمؤمنين ويعذّب الكافرين. وهذا معنى قول الضحاك والربيع ورواية العوفي والوالبي عن ابن عباس، يدلّ عليه قوله: يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ. ولم يقل: يؤاخذكم، والمحاسبة غير المعاقبة، والحساب ثابت والعقاب ساقط، وممّا يؤيّد هذا حديث النجوى وهو ما روى قتادة عن صفوان بن محرز قال: بينما نحن نطوف بالبيت مع عبد الله بن عمرو إذ عرض له رجل فقال: يا ابن عمر ما سمعت رسول الله ﷺ‎ يقول في النجوى، فقال: سمعت نبيّ الله ﷺ‎ يقول: «يدنو المؤمن من ربّه حتّى يضع عليه كنفه فيقرره بذنوبه فيقول: هل أذنبت ببعض كذا، فيقول: ربّ أعرف، فيوقفه على ذنوبه ذنبا ذنبا، فيقول الله: أنا الذي سترتها عليك في الدنيا فأنا أغفرها لك اليوم لم يطلع على ذلك ملكا مقرّبا ولا نبيّا مرسلا. وأمّا الكفّار والمنافقون فينادون على رؤوس الأشهاد هؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلى رَبِّهِمْ أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ» [[السنن الكبرى: 6/ 364 بتفاوت.]] . الأعمش عن معرور بن سويد عن أبي ذر قال: قال رسول الله ﷺ‎: «يؤتى الرجل يوم القيامة فيقال: اعرضوا عليه صغار ذنوبه، فيعرض عليه، فيقال: عملت كذا وكذا يوم كذا وكذا وهو يقرّ ولا ينكر ويخبأ عنه كبار ذنوبه وهو منها مشفق فيقول: أعطوه مكان كلّ سيّئة عملها حسنة، فيقول: إنّ لي ذنوبا ما أراها هاهنا» [213] . قال: قال أبو ذر: فلقد رأيت النبيّ ﷺ‎ ضحك حتّى بدت نواجذه [[مسند أحمد: 5/ 157، تفسير القرطبي: 13/ 78.]] . وقال الحسين بن مسلم: يحاسب الله عزّ وجلّ المؤمنين يوم القيامة بالمنّة والفضل، والكافرين بالحجّة والعدل. فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ. رفعهما أبو جعفر وابن عامر وابن محيصن والحسن وعاصم ويعقوب وأختاره أبو حاتم، ونصبها ابن عباس، وجزمها الباقون فالجزم على النسق والرفع على الابتداء أي فهو يغفر، والنصب على الصرف، وقيل: على إضمار (أن) الخفيفة. وروى طاوس عن ابن عباس: فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ. الذنب العظيم وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ. على الذنب الصغير لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ [[سورة الأنبياء: 23.]] . وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ. الآية. روى طلحة بن مصرف عن مرّة عن عبد الله قال: لمّا أسرى رسول الله ﷺ‎ انتهى به إلى سدرة المنتهى، فأعطى لنا الصلوات الخمس، وخواتيم سورة البقرة، وغفر لمن لا يشرك [بالله] من أمّته شيئا إلّا المقحمات [[مسند أحمد: 1/ 387، والمقحمات: الذنوب العظام التي تقحم أصحابها في النار.]] . وعن علقمة بن قيس عن عقبة بن عمرو قال: سمعت رسول الله ﷺ‎ قال: «أنزل الله عزّ وجلّ آيتين من كنوز العرش كتبهما الرحمن عزّ وجلّ قبل أن يخلق الخلق بألفي سنة من [يقولها] بعد العشاء الآخرة مرّتين أجزأتا عنه قيام الليل: آمَنَ الرَّسُولُ. إلى آخر السورة» . وروى أبو قلابة عن أبي الأشعث الهمداني عن النعمان بن بشير عن النبيّ ﷺ‎ قال: «إن الله تعالى كتب كتابا قبل أن يخلق السماوات والأرض بألفي عام أنزل فيه آيتين فختم بهما سورة البقرة، فلا يقرآن في دار فيقربها شيطان ثلاث ليال» [[مسند أحمد: 4/ 274.]] . وروى عبد الرحمن عند ابن زيد عن ابن مسعود عن النبيّ ﷺ‎ قال: «من قرأ الآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفياه» [214] [[مسند أحمد: 4/ 121.]] . موسى بن حذيفة عن ابن المنكدر قال: حدّثنا حديثا رفعه إلى النبيّ ﷺ‎ قال: «في آخر سورة البقرة آيات أنهنّ قرآن وأنّهن دعاء وأنّهن يرضين الرحمن» [[تفسير مجمع البيان: 2/ 231.]] وفي الحديث: أنّه قيل للنبيّ ﷺ‎: إن بيت ثابت بن أويس بن شمّاس يزهر الليلة كالمصابيح، قال: «لعلّه يقرأ سورة البقرة» ، فسئل ثابت فقال: قرأت سورة البقرة. آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ، قيل: إن هذه الآية نزلت حين شقّ على أصحاب رسول الله ﷺ‎ ما يوعدهم الله عزّ وجلّ به من محاسبتهم على ما أخفته نفوسهم، فشكوا ذلك إلى النبيّ ﷺ‎، فقال: «لعلّكم تقولون سَمِعْنا وَعَصَيْنا كما قالت بنو إسرائيل؟» فقالوا: بل نقول سَمِعْنا وَأَطَعْنا، فأنزل الله عزّ وجلّ ثناء عليهم وإخبارا عنهم: آمَنَ الرَّسُولُ أي صدّق بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ قال قتادة: لمّا أنزلت آمَنَ الرَّسُولُ [[تفسير القرطبي: 3/ 428.]] ، قال النبيّ ﷺ‎: «وحق له أن يؤمن» . وَالْمُؤْمِنُونَ. وفي قراءة عليّ وعبد الله: وآمن المؤمنون كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ . وحّد الفعل على لفظ كلّ، المعنى: كلّ واحد منهم آمن، فلو قال: آمنوا، لجاز لأن (كلّ) قد تجيء في الجمع والتوحيد، فالتوحيد قوله عزّ وجلّ: كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ [[سورة النور: 41.]] والجمع قوله كُلٌّ إِلَيْنا راجِعُونَ [[سورة الأنبياء: 93.]] وَكُلٌّ أَتَوْهُ داخِرِينَ [[سورة النمل: 88.]] . وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ [قرأ] [[في المخطوط: قال.]] ابن عباس وعكرمة ويحيى والأعمش وحمزة والكسائي وخلف وكتابه. على الواحد بالألف. وقرأ الباقون: (كُتُبِهِ) بالجمع، وهو ظاهر كقوله: وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ. والتوحيد وجهان: أحداهما: إنّهم أرادوا القرآن خاصّة، والآخر: إنّهم أرادوا جميع الكتب. يقول العرب: كثر اللبن وكثر الدرهم والدينار في أيدي الناس، يريدون الألبان والدراهم والدنانير. يدلّ عليه قوله: فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ [[سورة البقرة: 213.]] . وَرُسُلِهِ. جمع رسول. وقرأ الحسن وابن سلمة بسكون السين لكثرة الحركات، وكذلك روى العباس عن ابن عمرو، وروى عن نافع وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ. مخفّفين، الباقون بالإشباع فيها على الأصل. لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ ... نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ كما فعلت اليهود والنصارى، وفي مصحف عبد الله لا نفرّقن. قرأ جرير بن عبد الله وسعيد بن جبير وأبو زرعة بن عمرو بن جرير ويحيى بن يعمر والجحدري وابن أبي إسحاق ويعقوب: لا يفرّق بالياء على معنى لا نفرّق الكلّ، فيجوز أن يكون خبرا عن الرسول. وقرأ الباقون بالنون على إضمار القول تقديره: وقالوا لا نفرّق كقوله تعالى: وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ سَلامٌ عَلَيْكُمْ [[سورة الرعد: 23.]] وقوله: فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ [[سورة آل عمران: 106.]] يعني فيقال لهم: أكفرتم. وقوله تعالى: وَلَوْ تَرى إِذِ الْمُجْرِمُونَ ناكِسُوا رُؤُسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنا أَبْصَرْنا وَسَمِعْنا [[سورة السجدة: 12.]] أي يقولون: ربّنا. وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ ما نَعْبُدُهُمْ [[سورة الزمر: 3.]] أي يقولون: ما نعبدهم. وما يقتضي شيئين فصاعدا، وإنّما قال (بين أحد) ولم يقل آحاد لأن الآحاد يكون للواحد والجميع [[راجع تفسير القرطبي: 3/ 429.]] . قال الله فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ [[سورة الحاقة: 47.]] . وقال النبيّ ﷺ‎: «ما أحلّت الغنائم لأحد سود الرؤوس غيركم» [215] [[تفسير الطبري: 10/ 59 وفيه: من قبلكم.]] . قال رؤبة: ماذا [أمور] الناس ديكت دوكا ... لا يرهبون أحدا رواكا وَقالُوا سَمِعْنا. قولك وَأَطَعْنا. أمرك خلاف قول اليهود. وروى حكيم بن جابر أن جبرائيل عليه السّلام أتى النبيّ ﷺ‎ حين نزلت آمَنَ الرَّسُولُ. فقال: إن الله عزّ وجلّ قد منّ عليك وعلى أمّتك فاسأل تعطى، فسأل رسول الله عزّ وجلّ فقال: غفرانك. غُفْرانَكَ. وهو نصب على المصدر أي أغفر غفرانك، مثل قولنا: سبحانك أي نسبّحك سبحانك. وقيل معناه: نسألك غفرانك. رَبَّنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها. ظاهر الآية قضاء الحوائج، وفيها إضمار السؤال والحاجة، كأنّه قال لهم: تكلّفنا إلّا وسعنا، فأجاب الله فقال: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها. والوسع: اسم لما يسع الإنسان وما [يشقّ] عليه. وقيل: [يشق] ويجهد. وقرأ إبراهيم ابن أبي عبلة الشامي: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وَسِعَها. بفتح الواو وكسر السين على الفعل، يريد: إلّا وسعها أمره، أو أراد إلّا ما وسعها فحذف (ما) . واختلفوا في تأويله، فقال ابن عطاء والسدي وأكثر المفسّرين: أراد به حديث النفس، وذلك أنّ الله تعالى لمّا أنزل: وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ. جاء المؤمنون [عامة] وقالوا: يا رسول الله هذا لنتوب من عمل الجوارح، فكيف نتوب من الوسوسة وكيف نمتنع من حديث النفس؟ فأنزل الله: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها. أي طاقتها، وكان حديث النفس مما لم يطيقوا. قال ابن عباس في رواية أخرى: [ ... ] [[غير مقروءة في المخطوط.]] المؤمنون خاصّة وسّع الله عليهم أمر دينهم. ولم يكلّفهم إلّا ما هم له مستطيعون، فقال: يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ [[سورة البقرة: 185.]] ، وقال: ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ [[سورة الحج: 78.]] ، وقال: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [[سورة التغابن: 16.]] . قال الثعلبي: وسمعت أبا القاسم الحبيبي يقول: سمعت أبا عبد الله محمد بن نافع السجري بهراة قال: سمعت أبا يزيد حاتم بن محبوب الشامي قال: سمعت عبد الجبّار بن العلاء العطّار يقول: سئل سفيان بن عيينة عن قوله تعالى: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها. فقال: إلّا يسرها لا عسرها، ولم يكلّفها طاقتها ولو كلّفها طاقتها لبلغ المجهود منها. قال الثعلبي: وهذا قول حسن لأنّ الوسع ما دون الطاقة، فقال بعض أهل الكلام: يعني إلّا ما يسعها ويحل لها، كقول القائل: ما يسعك هذا الأمر؟ أي ما يحلّ الله لك؟ فبيّن الله تعالى أن ما كلّف عباده فقد وسعه لهم والله أعلم. لَها ما كَسَبَتْ. أي للنفس ما عملت من الخير والعمل الصالح، لها أجره وثوابه وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ. من الشرّ بالعمل السيء عليها وزره. رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا. لا تعاقبنا. قال أهل المعاني: وإنّما خرج على لفظ المفاعلة وهو فعل واحد لأنّ المسيء قد أمكر وطرق السبيل إليها وكأنّه أعان عليه من يعاقبه بذنبه ويأخذه به فشاركه في أخذه إِنْ نَسِينا. جعله بعضهم من النسيان الذي هو السهو. قال الكلبي: كانت بنو إسرائيل إذا نسوا شيئا ممّا أمروا به وأخطئوا، عجّلت لهم العقوبة فيحرّم عليهم شيء من مطعم أو مشرب على حسب ذلك الذنب، فأمر الله تعالى نبيّه والمؤمنين أن يسألوه ترك مؤاخذتهم بذلك. وقال بعضهم: هو من النسيان الذي هو الترك والإغفال. قال الله تعالى: نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ. والأوّل أجود. أَوْ أَخْطَأْنا. جعله بعضهم من القصد والعمد، يقال: خطيء فلان إذا تعمّد يخطأ خطأ وخطأ. قال الله: إِنَّ قَتْلَهُمْ كانَ خِطْأً كَبِيراً. وأنشد [أمية بن أبي الصلت] [[بياض في المخطوط وما أثبتناه من المصادر.]] : عبادك يخطئون وأنت ربّ ... يكفّيك المنايا والحتوم [[تفسير الطبري: 12/ 258، وكتاب العين للفراهيدي: 3/ 195.]] وجعله الآخرون من الخطأ الذي هو الجهل والسهو وهو الأصح لأن ما كان عمدا من الذنب غير معفو عنه، بل هو في مشيئة الله تعالى ما لم يكن كفرا. قال عطاء: إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا. يعني إن جهلنا أو تعمّدنا له. وقال ابن زيد: إِنْ نَسِينا شيئا ممّا افترضته علينا، أَوْ أَخْطَأْنا شيئا ممّا حرّمته علينا. وقال الزهري: سمع عمر رجلا يقول: اللهمّ [اغفر] لي خطاياي، فقال: إن الخطايا مغفور ولكن قل: اللهمّ أغفر لي عمدي. قال النبطي: وحدّثنا ابن فنجويه قال: حدّثنا عبد الله بن محمد بن شنبة قال: حدّثنا عبد الله بن المصفّى السكري قال: حدّثنا محمد بن المصلّى المحمدي، قال: حدّثنا الوليد قال: حدّثنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنّ النبيّ ﷺ‎ قال: «رفع عن أمّتي الخطأ والنسيان وما أكرهوا عليه» . رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً. قال بعضهم: يعني عهدا وعقدا وميثاقا لا نطيق ذلك ولا نستطيع القيام به فتعذبنا بنقصه كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا. يعني اليهود فلم يقوموا به فأهلكتهم وعذّبتهم، هذا قول مجاهد وعطاء وقتادة والضحاك والربيع ومقاتل والسدي والكلبي وابن جريج والفراء، ورواية عطيّة وعلي بن أبي طلحة عن ابن عباس، يدلّ عليه قوله: وَأَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي [[سورة آل عمران: 81.]] أي عهدي. وقال بعضهم: الأصر: الثقل، أي لا تشقق علينا ولا تشدد ولا تغلظ الأصر علينا كما شددت على من كان قبلنا من اليهود، وذلك أن الله تعالى فرض عليهم خمسين صلاة، وأمرهم بأداء ربح أموالهم في الزكاة، ومن أصاب ثوبه نجاسة قطعها، ومن أصاب منهم ذنبا أصبح وذنبه مكتوب على بابه، ونحوها من الأثقال [والأغلال] التي كانت عليهم. وهذا معنى قول عثمان بن عطاء ومالك بن أنس وأبي عبيدة والمؤرخ والقتيبي وابن الأنباري يدلّ عليه قوله: ويضع عنهم إصرهم والأثقال التي كانت عليهم [[سورة الأعراف: 157.]] . وقال ابن زيد: معناه: لا تحمل علينا ذنبا ليس فيه توبة ولا كفّارة وإلّا يفعل في هذه كلّها العقد والأحكام، ويقال للشيء الذي تعقد به الأشياء: الأصر، ويقال: بينه وبين فلان أصرة رحم، وما تأصرني، أي ما [يعطفني عليه عهد ولا قرابة] [[راجع معاني القرآن للنحاس: 1/ 335، ولسان العرب: 4/ 22.]] . وقال: أنشدني أبو القاسم السدوسي، قال: أنشدني السميع بن محمد الهاشمي، قال: أنشدنا أبو الحسن العبسي، قال: أنشدنا العباس بن محمد الدوري الشافعي: إذا لم تكن لامرئ نعمة ... لدي ولا بيننا آصره [ولا لي] في ودّه حاصل ... ولا نفع في الدنيا ولا الآخرة وأفنيت عمري على بابه ... فتلك إذا صفقة خاسرة [[تاج العروس: 3/ 176.]] رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ. أي لا تكلّفنا من الأعمال مالا نطيق، هذا قول قتادة والضحاك والسدي وابن زيد. وقال بعضهم: هو حديث النفس والوسوسة. وعن أبي ثوبان عن أبيه عن مكحول في قوله تعالى: وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ. قال [ ... ] [[بياض في المخطوط.]] وعن أبي القاسم عن مالك الشامي أن أبا إدريس الحولاني كان يأتي أصحابه ويقول: اللهمّ أعذني و [ ... ] [[بياض في المخطوط.]] جرف إلى جهنم. سفيان الثوري عن منصور عن إبراهيم في قوله تعالى وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ. قال: المشقة. وعن أبي القاسم عبد الله بن يحيى بن عبيد قال: سمعت أبا القاسم عبد الله بن أحمد قال: سمعت محمد بن عبد الوهاب وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ. قال: يعني العشق. قال خباب: حضرت مجلس ذي النون المصري في فسطاطه، فتكلّم ذلك اليوم في محبّة الله فمات أحد عشر نفسا في المجلس، فصاح لا يحل من المزيد بر فقال: يا أبا القيس ذكرت محبّة الله فاذكر محبّة المخلوقين، فتأوّه ذو النون تأوّها شديدا ومدّ يده إلى وجهه ووقف منتصبا وقال له: خلقت قلوبهم واستعبرت عيونهم وتألّفوا السهاد، وفارقوا الرقاد فليلهم طويل نومهم وقليل أحزانهم لا تعد وهمومهم لا تعقد، أمورهم عسيرة ودموعهم غزيرة باكية عيونهم قريحة جفونهم. [عاداهم] الرفاق والأهل والجيران. وقال يحيى: لو تركت العقوبة بيدي يوم القيامة ما عذّبت العشّاق لأن ذنوبهم اضطرارا لا اختيارا. قال ابن جريج: هو مسخ القردة والخنازير، وقال بعضهم: هو شماتة الأعداء. وروى عبد المنعم بن إدريس عن أبيه عن وهب بن منبّه قال: قيل لأيّوب عليه السّلام: ما كان أشق عليك في طول بلائك؟ قال: شماتة الأعداء. وأنشد ابن الأعرابي: كلّ المصائب قد تمرّ على الفتى ... فتهون غير شماتة الحسّاد إنّ المصائب تنقضي أيامها ... وشماتة الأعداء بالمرصاد وقيل: هو القطيعة والفرقة نعوذ بالله منها. وقيل: قطع الأوصال أيسر من قطع الوصال، وقال النظّام: لو كان للبين صورة لما [راع] الذنوب ولهدّ الجبال ولجمر الغضا أقل من [ ... ] [[كلمة غير مقروءة.]] ولو عذّب الله سبحانه أهل النار بالفراق لاستراحوا إلى [حرّ العذاب] . وَاعْفُ عَنَّا. أي تجاوز واصفح عن تقصيرنا وذنوبنا. وَاغْفِرْ لَنا. واستر علينا ذنوبنا وتجاوز عنها ولا [تعاقبنا] وَارْحَمْنا. فإنا لا ننال العمل لطاعتك ولا ترك معصيتك إلّا برحمتك، وقيل: وَاعْفُ عَنَّا من المسخ، وَاغْفِرْ لَنا عن السيئات، وَارْحَمْنا من القذف. وقيل: وَاعْفُ عَنَّا، من الأفعال، وَاغْفِرْ لَنا من الأقوال، وَارْحَمْنا من العقود والأضمان. وقيل: وَاعْفُ عَنَّا الصغائر، وَاغْفِرْ لَنا الكبائر، وَارْحَمْنا بتثقيل الميزان مع إفلاسنا. وقيل: وَاعْفُ عَنَّا في سكرات الموت، وَاغْفِرْ لَنا في ظلمة القبر، وَارْحَمْنا في ظلمة القبر. أَنْتَ مَوْلانا. أي ناصرنا وحافظنا ووليّنا ووال بنا فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ. عطاء عن سعيد عن ابن عباس في قول الله تعالى: آمَنَ الرَّسُولُ. إلى قوله: وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ. قال: قد غفرت لكم لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا. قال: لا أواخذكم رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً. قال: لا أحمل عليكم. وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ. قال: لا أحمّلكم وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا أَنْتَ مَوْلانا فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ. قال: قد عفوت عنكم وغفرت لكم ورحمتكم ونصرتكم على القوم الكافرين. وروى سفيان عن أبي إسحاق عن رجل عن معاذ بن جبل أنّه كان إذا ختم البقرة قال: آمين. يتلوه سورة آل عمران. وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ وصلّى الله على محمد خير الأوّلين والآخرين وعلى آله الطيّبين الطاهرين أجمعين وسلّم. قال مسروق: نعم كنز الصعلوك سورة البقرة وآل عمران يقرأهما من آخر الليل. وقال وهب بن منبّه: من قرأ ليلة الجمعة سورة البقرة وآل عمران كان له نور ما بين عجيبا إلى غريبا. وعجيبا الأرض السابعة وغريبا العرش. وقال مسروق: من قرأ سورة البقرة في ليلة توّج بها. وفي الحديث السورة التي يذكر فيها البقرة فسطاط القرآن. سؤال: فإنّ قيل: أيجوز أن يحمّل الله أحدا مالا يطيق؟. قال الزجاج: قيل له: إن أردت ما ليس في قدرته، فهو محال، وإن أردت ما يثقل عليه، فلله تعالى أن يفعل من ذلك ما شاء لأن الذي كلّفه بني إسرائيل من قتل أنفسهم ثقل عليهم. وهذا كقولك: ما أطيق كلام فلان، فليس المعنى ليس في قدرتك ولكن معناه أن يثقل عليك. فإن قيل: هل يجوز على العادل أن يكلّف فوق الوسع؟. قيل: قد أخبر عن سعته ورحمته وعطفه على خلقه كما نفى الظلم عن نفسه، وإن كان لا يتوهّم منه الظلم بحال. وقال قوم: لو كلّف فوق الوسع لكان له لأن الخلق خلقه والأمر أمره، ولكنّه أخبر أنّه لا يفعله والسلام.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب