الباحث القرآني

وَإِذْ نَجَّيْناكُمْ يعني أسلافكم وآباءكم فاعتدّها منّة عليهم لأنّهم نجوا بنجاتهم، ومآثر الآباء مفاخر الأبناء. وقوله: فَأَنْجَيْناكُمْ [[سورة البقرة: 50.]] : أصله ألقيناكم على النّجاة وهو ما ارتفع واتّسع من الأرض هذا، هو الأصل، ثم سمّي كلّ فائز ناجيا كأنّه خرج من الضيق والشدة الى الرخاء والراحة. وقرأ إبراهيم النخعي: وإذ نجّاكم على الواحد. مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ: أي أشياعه وأتباعه وأسرته وعزّته وأهل دينه، وأصله من الأول وهو الرجوع كأنّه يؤول إليك، وكان في الأصل همزتان فعوّضت من إحداهما مدّ وتخفيف. وفرعون: هو الوليد بن مصعب بن الريّان، وكان من العماليق. يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ يعني يكلّفونكم ويذيقونكم أشدّ العذاب وأسوأه، وذلك أنّ فرعون جعل بني إسرائيل خدما وعبيدا وصنّفهم في أعمالهم. فصنف يبنون، وصنف يحرثون ويزرعون، وصنف يخدمون، ومن لم يكن منهم في عمل من هذه الأعمال فعليه الجزية. يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ. وقرأ ابن محيصن: بالتخفيف فتح الياء والباء من الذبح، والتشديد على التكثير، وذلك أنّ فرعون رأى في منامه كأنّ نارا أقبلت من بيت المقدس حتى اشتملت على بيوت مصر فأحرقتها وأحرقت القبط وتركت بني إسرائيل، فهاله ذلك، ودعا بالسحرة والكهنة وسألهم عن رؤياه فقالوا: إنّه يولد في بني إسرائيل غلام يكون على يده هلاكك وزوال ملكك وتبديل دينك، فأمر فرعون بقتل كلّ غلام يولد في بني إسرائيل، وجمع القوابل من أهل مملكته فقال لهنّ: لا يسقطنّ على أيديكنّ غلام من بني إسرائيل إلّا قتل ولا جارية إلّا تركت، ووكّل بهنّ من يفعلن ذلك، وأسرع الموت في مشيخة بني إسرائيل فدخل رؤوس القبط على فرعون فقالوا له: إنّ الموت قد وقع في بني إسرائيل وأنت تذبح صغارهم [ويموت كبارهم، فيوشك أن يقع العمل علينا، فأمر فرعون أن يذبحوا سنة ويتركوا سنة فولد هارون في السنة التي لا يذبحون فيها فترك، وولد موسى في السنة التي يذبحون فيها] . وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ في إنجائكم منهم نعمة عظيمة، والبلاء تنصرف على وجهين: النعماء والنقماء [.............] [[بياض في المخطوط.]] . وَإِذْ فَرَقْنا بِكُمُ....... [[كلام غير مقروء.]] .. الْبَحْرَ: وذلك إنّه لما دنا هلاك فرعون أمر الله عزّ وجلّ موسى أن يسري ببني إسرائيل، وأمرهم أن يسرجوا في بيوتهم إلى الصبح، وأخرج الله عزّ وجلّ كل ولد زنا في القبط من بني إسرائيل إليهم وأخرج [من بني إسرائيل كل ولد زنا منهم] [[استدراك عن الدر المنثور: 5/ 84 والمخطوط بياض.]] إلى القبط حتى رجع كل واحد منهم الى أبيه، وألقى الله عزّ وجلّ على القبط الموت فمات كل بكرا، فاشتغلوا بدفنهم [عن طلبهم حتى] [[استدراك عن تفسير الطبري: 1/ 396.]] طلعت الشمس وخرج موسى عليه السّلام في ستمائة ألف وعشرين ألف مقاتل لا يتعدّون ابن العشرين أصغرهم، ولا ابن الستين أكبرهم، سوى الذرية. فلما أرادوا السير ضرب عليهم التّيه فلم يدروا أين يذهبون، فدعا موسى عليه السّلام مشيخة بني إسرائيل وسألهم عن ذلك. فقالوا: إنّ يوسف عليه السّلام لما حضرته الوفاة أخذ على إخوته عهدا أن لا يخرجوا من مصر حتى يخرجوه معهم فلذلك انسدّ علينا الطريق، فسألهم عن موضع قبره فلم يعلموا. فقام موسى ينادي: أنشد الله كل من يعلم أين موضع قبر يوسف إلّا أخبرني به، ومن لم يعلم فصمّت أذناه عن قولي. فكان يمرّ بين الرّجلين ينادي فلا يسمعان صوته حتى سمعته عجوز لهم فقالت: أرأيتك إن دللتك على قبره أتعطيني كلّما سألتك، فأبى عليها وقال: حتى أسأل ربّي، فأمره الله عزّ وجلّ بإيتاء سؤلها، فقالت: إني عجوز كبيرة لا أستطيع المشي فاحملني وأخرجني من مصر هذا في الدّنيا، وأما في الآخرة فأسألك أن لا تنزل بغرفة من الجنة إلّا نزلتها معك، قال: نعم، قالت: إنّه في جوف الماء في النيل، فادع الله حتى يحبس عنه الماء. فدعا الله فحبس عنه الماء، ودعا أن يؤخر طلوع الفجر إلى أن يفرغ من أمر يوسف، فحفر موسى ذلك الموضع واستخرجه في صندوق من المرمر فحمله حتى دفنه بالشام، ففتح لهم الطريق. فساروا وموسى على ساقتهم وهارون على مقدّمتهم، وعلم بهم فرعون فجمع قومه وأمرهم أن لا يخرجوا في طلب بني إسرائيل حتى يصيح الدّيك. فو الله ما صاح ديك في تلك الليلة. فخرج فرعون في طلب بني إسرائيل وعلى مقدمته هامان في ألف ألف وسبعمائة ألف، وكان فيهم سبعون ألف من دهم الخيل سوى سائر الشّيات، وسارت بنو إسرائيل حتى وصلوا إلى البحر، والماء في غاية الزيادة. نظروا فإذا هم بفرعون وذلك حين أشرقت الشمس، فبقوا متحيرين وقالوا: يا موسى كيف نصنع؟ وما الحيلة؟ فرعون خلفنا والبحر أمامنا. قال موسى: كَلَّا إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ [[سورة الشعراء: 62.]] فأوحى إليه: أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ [[سورة الشعراء: 63.]] فضربه فلم يطعه، فأوحى الله إليه أن كنّه، فضربه موسى بعصاه وقال: انفلق أبا خالد بإذن الله، فَانْفَلَقَ فَكانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ [[سورة الشعراء: 63.]] وظهر فيها اثنا عشر طريقا لكلّ سبط طريق، وأرسل الله عزّ وجلّ الريح والشمس على مقر البحر حتى صار يبسا. وقال سعيد بن جبير: أرسل معاوية الى ابن عباس فسأله عن مكان لم تطلع فيه الشمس إلّا مرة واحدة؟ فكتب إليه: إنه المكان الذي انفلق منه البحر لبني إسرائيل [[البداية والنهاية: 8/ 334، وذكر تمام القصة.]] . فخاضت بنو إسرائيل البحر كل سبط في طريق وعن جانبه الماء كالجبل الضخم ولا يرى بعضهم بعضا، فخافوا وقال كل سبط قد غرق كل إخواننا. فأوحى الله إلى حال الماء أن تشبّكي، فصار الماء شبكات يرى بعضهم بعضا، ويسمع بعضهم كلام بعض حتى عبروا البحر سالمين. فذلك قوله تعالى وَإِذْ فَرَقْنا بِكُمُ الْبَحْرَ أي فقلنا وميّزنا الماء يمينا وشمالا. فَأَنْجَيْناكُمْ من آل فرعون والغرق. وَأَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ وذلك إنّ فرعون لما وصل إلى البحر فرآه منغلقا، قال لقومه: انظروا إلى البحر انفلق لهيبتي حتى أدرك أعدائي وعبيدي الذين أبقوا وأقتلهم، أدخلوا البحر، فهاب قومه أن يدخلوه ولم يكن في خيل فرعون أنثى، وإنما كانت كلها ذكور، فجاء جبرائيل عليه السّلام على فرس أنثى وديق فتقدّمهم فخاض البحر، فلما شمّت الخيول ريحها اقتحمت البحر في أثرها حتى خاضوا كلهم في البحر، وجاء ميكائيل على فرس خلف القوم يستحثهم ويقول لهم: الحقوا بأصحابكم، حتى إذا خرج جبرائيل من البحر وهمّ أولهم أن يخرج، أمر الله تعالى البحر أن يأخذهم والتطم عليهم فأغرقهم أجمعين وذلك بمرأى من بني إسرائيل، وذلك قوله: وَأَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ. وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ إلى مصارعهم. وَإِذْ واعَدْنا مُوسى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وذلك أنّ بني إسرائيل لما أمنوا من عدوهم، ودخلوا مصر، ولم يكن لهم كتاب ولا شريعة ينتهون إليها، فوعد الله عزّ وجلّ موسى أن ينزّل عليهم التوراة، فقال موسى لقومه: إنّي ذاهب إلى ميقات ربي، وآتيكم بكتاب فيه تبيان ما تأتون وما تذرون، فواعدهم أربعين ليلة- ثلاثين من ذي القعدة وعشرا من ذي الحجة- واستخلف عليهم أخاه هارون. فلما أتى الوعد جاء جبرئيل على فرس يقال لها فرس الحياة لا يصيب شيئا إلّا حييّ ليذهب بموسى إلى ربه، فلمّا رآه السامري وكان رجلا صائغا من أهل باجرو واسمه ميخا- وقال ابن عباس: اسمه موسى بن ظفر، وكان رجلا منافقا قد أظهر الإسلام، وكان من قوم يعبدون البقر، فدخل قلبه حبّ البقر- فلما رأى جبرئيل على ذلك الفرس، قال: إنّ لهذا شأنا، وأخذ قبضة من تربة حافر فرس جبرئيل، وكانت بنو إسرائيل قد استعاروا حليا كثيرا من قوم فرعون حين أرادوا الخروج من مصر لغلة عرس لهم فأهلك الله عزّ وجلّ قوم فرعون فبقيت تلك الحلي في يد بني إسرائيل. فلما وصل موسى. قال السامري: إنّ الأمتعة والحلي التي استعرتموها من قوم فرعون غنيمة، ولا تحلّ لكم. فاحفروا حفرة وادفنوها فيها حتى يرجع موسى، ويرى فيها رأيه، ففعلوا ذلك. فلما اجتمعت الحلي صاغها السامري، ثم ألقى القبضة التي أخذها من تراب فرس جبرئيل فيه، فخرج عجلا من ذهب مرصعا بالجواهر كأحسن ما يكون وخار خورة. قال السّدي: كان يخور ويمشي [ويقول:] هذا إِلهُكُمْ وَإِلهُ مُوسى فَنَسِيَ، أي تركه هاهنا وخرج بطلبه. وكان بنو إسرائيل قد أخلفوا الوعد فعدّوا اليوم والليلة يومين، فلما مضت عشرون يوما ولم يرجع موسى عليه السّلام ورأوا العجل وسمعوا قول السامري، أفتتن بالعجل ثمانية ألف رجل منهم، وعكفوا عليه يعبدونه من دون الله عزّ وجلّ. وَإِذْ واعَدْنا مُوسى: قرأ أبو جعفر وأبو عمرو ويعقوب: (وعدنا) بغير ألف في جميع القرآن، وقرأ الباقون: (واعَدْنا) بالألف، وهي قراءة ابن مسعود. فمن قرأ بغير ألف قال: لأنّ الله عزّ وجلّ هو المتفرد بالوعد والقرآن ينطق به كقوله تعالى: وَعَدَ اللَّهُ [[سورة النساء: 95.]] وقوله: إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ [[سورة إبراهيم: 22.]] ، ومن قرأ بالألف قال: قد يجيء المفاعلة من واحد كقولهم: عاقبت اللص، وعافاك الله، وطارقت النعل. قال الزجاج: (واعَدْنا) جيد لأن بالطاعة والقبول بمنزلة المواعدة فكان من الله الوعد ومن موسى القبول. وموسى: هو موسى بن عمران بن يصهر بن فاهث بن لاوي بن يعقوب. أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وقرأ زيد بن علي: (أَرْبِعِينَ) بكسر الباء وهي لغة، و (لَيْلَةً) نصب على التمييز والتفسير، وإنّما قرن التاريخ بالليل دون النهار لأن شهور العرب وضعت على مسير القمر، والهلال إنّما يهلّ بالليل، وقيل لأنّ الظلمة أقدم من الضوء، والليل خلق قبل النهار. قال الله عزّ وجلّ: وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ [[سورة يس: 37.]] الآية. ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ يقول أبو العالية: إنّما سمّي العجل لأنّهم تعجّلوه قبل رجوع موسى عليه السّلام. مِنْ بَعْدِهِ من بعد انطلاق موسى إلى الجبل للميعاد. وَأَنْتُمْ ظالِمُونَ مشّاؤون لأنفسكم بالمعصية، وواضعون العبادة في غير موضعها. ثُمَّ عَفَوْنا عَنْكُمْ أي تركناكم فلم نستأصلكم، من قول له عليه السّلام: أحفوا الشّوارب واعفوا اللحي ، وقيل: محونا ذنوبكم، من قول العرب: عفت الرّيح المنازل فعفت. مِنْ بَعْدِ ذلِكَ أي من بعد عبادتكم العجل. لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ لكي تشكروا عفوي عنكم، وصنيعي إليكم. واختلف العلماء في ماهيّة الشكر، فقال ابن عباس: هو الطاعة بجميع الجوارح لربّ الخلائق في السر والعلانية. وقال الحسن: شكر النعمة ذكرها، قال الله تعالى: وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ [[سورة الضحى: 11.]] . الفضل: شكر كل نعمة ألّا يعصى الله بعد تلك النعمة. أبو بكر بن محمد بن عمر الوراق: حقيقة الشكر: معرفة المنعم، وأن لا تعرف لنفسك في النعمة حظّا بل تراها من الله عزّ وجلّ. قال الله تعالى: وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ [[سورة النحل: 53.]] يدل عليه ما روى سيف بن ميمون عن الحسين: إنّ رسول الله ﷺ‎ قال: «قال موسى عليه السّلام: يا ربّ كيف استطاع آدم أن يؤدي شكر ما أجريت عليه من نعمك، خلقته بيدك وأسجدت له ملائكتك واسكنته جنّتك؟ فأوحى الله إليه: إنّ آدم علم إنّ ذلك كله منّي ومن عندي فذلك شكر» [85] [[روضة الواعظين (الفتال النيسابوري) : ص: 473، الشكر لله- ابن أبي الدنيا- ص: 70.]] . وعن إسحاق بن نجيح الملطي عن عطاء الخرساني عن وهب بن منبّه قال: قال داود عليه السّلام: إلهي كيف لي أن أشكرك وأنا لا أصل إلى شكرك إلّا بنعمتك؟ فأوحى الله تعالى إليه: ألست تعلم أنّ الذي بك من النعم منّي؟ قال: بلى يا ربّ، قال: أرضى بذلك لك شكرا. وقال وهب: وكذلك قال موسى: يا ربّ أنعمت عليّ بالنعم السوابغ وأمرتني بالشكر لك عليها، وإنما شكري لكل نعمة منك عليّ، فقال الله: يا موسى تعلّمت العلم الذي لا يفوته علم، حسبي من عبدي أن يعلم أن ما به من نعمة فهو منّي ومن عندي. قال الجنيد: حقيقة الشكر: العجز عن الشكر. وروى ذلك عن داود عليه السّلام إنّه قال: سبحان من جعل اعتراف العبد بالعجز عن شكره شكرا، كما جعل اعترافه بالعجز عن معرفته معرفة. وقال بعضهم: الشكر أن لا يرى النعمة البتة بل يرى المنعم. أبو عثمان الخيري: صدق الشكر: لا تمدح بلسانك غير المنعم. أبو عبد الرحمن السلمي عن أبي بكر الرازي عن الشبلي: الشكر: التواضع تحت رؤية المنّة. وقيل: الشكر خمسة أشياء: مجانبة السيئات، والمحافظة على الحسنات، ومخالفة الشهوات، وبذل الطاعات، ومراقبة ربّ السموات. قال الثعلبي: سمعت أبا القاسم الحبيبي يقول: سئل أبو الحسن علي بن عبد الرحيم القناد في الجامع بحضرة أبي بكر بن عدوس وأنا حاضر: من أشكر الشاكرين؟ قال: الطاهر من الذنوب، يعدّ نفسه من المذنبين، والمجتهد في النوافل بعداد الفرائض، يعدّ نفسه من المقصّرين، والراضي بالقليل من الدّنيا، يعد نفسه من المفلسين، فهذا أشكر الشاكرين. بكر بن عبد الرحمن عن ذي النّور: الشكر لمن فوقك بالطاعة، ولنظيرك بالمكافأة، ولمن دونك بالإحسان والإفضال. وَإِذْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَالْفُرْقانَ قال مجاهد والفراء: هما شيء واحد، والعرب تكرر الشيء إذا اختلفت ألفاظه على التوهم، وأنشد الفراء: وقدّمت الأديم لراهشيه ... وألفى قولها كذبا ومينا [[تاج العروس: 9/ 355.]] وقال عنترة: حيّيت من طلل تقادم [[كذا في القرطبي.]] عهده ... أقوى [[كذا في تفسير القرطبي.]] وأقفر بعد أمّ الهيثم [[تفسير القرطبي: 1/ 399.]] وقال الزجاج: وهذا هو القول لأنّ الله عزّ وجلّ ذكر لموسى الفرقان في غير هذا الموضع فقال: وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى وَهارُونَ الْفُرْقانَ [[سورة الأنبياء: 48.]] . وقال الكسائي: الفرقان: نعت للكتاب، يريد: وَإِذْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَالْفُرْقانَ فرّق بين الحلال والحرام، والكفر والإيمان، والوعد والوعيد. فزيدت الواو فيه كما يزاد في النعوت من قولهم: فلان حسن وطويل، وأنشد: إلى الملك العزم وابن الهمام ... وليث الكتيبة في المزدحم [[تفسير القرطبي: 1/ 385.]] ودليل هذا التأويل قوله: ثُمَّ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ تَماماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ [[سورة الأنعام: 154.]] . وقال قطرب: أراد به الفرقان، وفي الآية إضمار، ومعناه: وَإِذْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَمحمّد الْفُرْقانَ. لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ لهذين الكتابين، فترك أحد الاسمين، كقول الشاعر: تراه كأن الله يجدع أنفه ... وعينيه إن مولاه بات له وفر [[لسان العرب: 8/ 41.]] وقال ابن عباس: أراد بالفرقان النصر على الأعداء، نصر الله عزّ وجلّ موسى وأهلك فرعون وقومه، يدلّ عليه قوله عزّ وجلّ: وَما أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا يَوْمَ الْفُرْقانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ [[سورة الأنفال: 41.]] يوم بدر. يمان بن رباب: الفرقان: انفراق البحر وهو من عظيم الآيات، يدلّ عليه قوله تعالى: وَإِذْ فَرَقْنا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْناكُمْ. وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ الذين اتخذوا العجل. يا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ أي ضررتم أنفسكم بِاتِّخاذِكُمُ الْعِجْلَ إلها، فقالوا: فأي شيء نصنع وما الحيلة؟ قال: فَتُوبُوا فارجعوا. إِلى بارِئِكُمْ أي خالقكم، وكان أبو عمرو يختلس الهمزة الى الجزم في قوله: بارِئِكُمْ و (يَأْمُرُكُمْ) ويَنْصُرْكُمُ طلبا للخفة [[أي باختلاس الحركة، وروي عنه السكون وقرأ الباقون بغير اختلاس.]] كقول امرؤ القيس: فاليوم أشرب غير مستحقب ... إثما من الله ولا واغل [[لسان العرب: 10/ 426.]] وأنشد: وإذا اعوججن قلت صاحب قوّم ... بالدوّ أمثال السفين العوم [[شرح شافية ابن الحاجب: 4/ 225، ولسان العرب: 12/ 432.]] قال: فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ليقتل البريء المجرم. ذلِكُمْ القتل. خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بارِئِكُمْ قال ابن جرير: فأبى الله عزّ وجلّ أن يقبل توبة بني إسرائيل إلّا بالحال التي كرهوا أن يقاتلوهم حين عبدوا العجل. وقال قتادة: [جعل عقوبة] عبدة العجل القتل لأنّهم ارتدّوا، والكفر يبيح الدّم. وقرأ قتادة: (فأقيلوا أنفسكم) من الإقالة أي استقيلوا العثرة بالتوبة، فلما أهمّ موسى بالقتل قالوا: نصير لأمر الله تعالى فجلسوا بالأفنية مختبئين وأصلت القوم عليهم الخناجر وكان الرّجل يرى ابنه وأباه وعمّه وقومه وصديقه وجاره فلم يمكنهم المضي لأمر الله وقالوا: يا موسى كيف نفعل؟ فأرسل الله ضبابة وسحابة سوداء لا يبصر بعضهم بعضا وقيل لهم من حلّ حبوته أو مدّ طرفه الى قاتله أو اتّقى بيد أو رجل فهو طعون مردود توبته، فكانوا يقتلونهم الى المساء، فلمّا كثر فيهم القتل دعا هارون وموسى وبكيا وجزعا وتضرّعا وقالا: يا ربّ هلكت بنو إسرائيل البقيّة البقيّة، فكشف الله عزّ وجلّ السحاب وأمرهم أن يرفعوا السلاح عنهم ويكفّوا عن القتل. فتكشّفت عن ألوف من القتلى، فاشتدّ ذلك على موسى، فأوحى الله إليه: أما يرضيك أن أدخل القاتل والمقتول الجنّة، وكان من قتل منهم شهيدا ومن بقي منهم نكفّر عنه ذنوبه، فذلك قوله: فَتابَ عَلَيْكُمْ يعني ففعلتم بأمره فتاب عليكم وتجاوز عنكم. إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب