الباحث القرآني

وَقالُوا يعني اليهود. لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً قدرا مقدّرا ثمّ يزول عنّا العذاب وينقطع، واختلفوا في هذه الأيّام ما هي. وقال ابن عبّاس ومجاهد: قدم رسول الله ﷺ‎ المدينة واليهود يقولون: مدّة الدّنيا سبعة آلاف سنة وإنّما نعذّب بكل ألف سنة يوما واحدا ثمّ ينقطع العذاب بعد سبعة أيّام، فأنزل الله تعالى هذه الآية. قتادة وعطاء: يعنون أربعين يوما التي عبد آباؤهم فيها العجل وهي مدّة غيبة موسى عليه السّلام عنهم. الحسن وأبو العالية: قالت اليهود: إنّ ربّنا عتب علينا في أمرنا أقسم ليعذّبنا أربعين ليلة ثمّ يدخلنا الجنّة فلن تمسّنا النار إلّا أربعين يوما تحلّة القسم فقال الله تعالى تكذيبا لهم: قل يا محمّد قُلْ أَتَّخَذْتُمْ ألف الاستفهام دخلت على ألف الوصل. عِنْدَ اللَّهِ عَهْداً موثقا ألّا يعذّبكم إلّا هذه المدّة. فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ وعده، وقال ابن مسعود: بالتوعّد يدلّ عليه قوله تعالى إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً [[سورة مريم: 87.]] يعني قال: لا إله إلّا الله مخلصا أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ قال بَلى «بل وبلى» حرفا استدراك ولهما معنيان لنفي الخبر الماضي واثبات الخبر المستقبل، قال الكسائي: الفرق بين (بلى ونعم) ، إنّ بلى: إقرار بعد جحود، ونعم: جواب استفهام بغير جحد، فإذا قال: ألست فعلت كذا، فيقول: بلى، وإذا قال: ألم تفعل كذا؟ فيقول: بلى، وإذا قال: أفعلت كذا؟ فيقول: نعم. قال الله تعالى أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ قالُوا بَلى [[سورة الملك: 8.]] وقال أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى [[سورة الأعراف: 172.]] وقال في غير الجحود فَهَلْ وَجَدْتُمْ ما وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قالُوا نَعَمْ [[سورة الأعراف: 44.]] وقالوا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ أَوَآباؤُنَا الْأَوَّلُونَ [[سورة الصافات: 17.]] قل نعم وإنّما قال هاهنا بلى للجحود الّذي قبله وهو قوله لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً يعني الشرك. وَأَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ قرأ أهل المدينة خطيّاته بالجمع، وقرأ الباقون خَطِيئَتُهُ على الواحدة، وهو اختيار أبي عبيد وأبي حاتم والاحاطة الاحفاف بالشيء من جميع نواحيه واختلفوا في معناها هاهنا. وقال ابن عبّاس والضحاك وعطاء وأبو العالية والربيع وابن زيد: هي الشرك يموت الرجل عليه فجعلوا الخطيئة الشّرك. قال بعضهم: هي الذّنوب الكثيرة الموجبة لأهلها النّار. أبو زرين عن الربيع بن خيثم في قوله تعالى: وَأَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ قال: هو الّذي يموت على خطيئته قبل أن يتوب ومثله قال عكرمة وقال مقاتل: أصرّ عليها. مجاهد: هي الذّنوب تحيط بالقلب كلّما عمل ذنبا ارتفعت حتّى تغشى القلب وهو الرّين. وعن سلام بن مسكين أنّه سأل رجل الحسن عن هذه الآية؟ فقال السّائل: يا سبحان الله إلّا أراك ذا لحية وما تدري ما محاطة الخطيئة! انظر في المصحف فكل آية نهى الله عزّ وجلّ عنها وأخبرك إنّه من عمل بها أدخله النّار فهي الخطئية المحيطة. الكلبي: أوبقته ذنوبه دليله قوله تعالى إِلَّا أَنْ يُحاطَ بِكُمْ [[سورة يوسف: 66.]] : أي تهلكوا جميعا. وعن ابن عبّاس: أحيطت بما له من حسنة فأحبطته. فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ [وهذا من العام المخصوص بصور منها إلّا من تاب بعد أن حمل على ظاهره] [[عن هامش المخطوط.]] وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ. وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ في التّوراة. قال ابن عبّاس: الميثاق: العهد الجديد. لا تَعْبُدُونَ بالياء قرأه ابن كثير وحميد وحمزة والكسائي. الباقون: بالتّاء وهو إختيار أبي عبيد وأبو حاتم. قال أبو عمرو: ألا تراه يقول وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً [[سورة البقرة: 83.]] فذلك المخاطبة على التّاء. قال الكسائي: إنّما ارتفع لا يعبدون لأنّ معناه أخذنا ميثاق بني إسرائيل أن لا تعبدوا إلّا الله فلمّا ألقى أن رفع الفعل ومثله قوله لا تَسْفِكُونَ، نظير قوله عزّ وجلّ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ [[سورة الزمر: 64.]] : يريد أن أعبد فلمّا حذفت النّاصبة عاد الفعل إلى المضارعة. وقال طرفة: ألا أيّهذا الزاجري احضر الوغى ... وأن أشهد اللّذات هل أنت مخلدي [[مجمع البيان: 1/ 297.]] يريد أن أحضر، فلمّا نزع (أن) رفعه. وقرأ أبي بن كعب: لا تعبدوا جزما على النهي أي وقلنا لهم لا تعبدوا الّا الله وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً ووصّيناهم بالوالدين إحسانا برّا بهما وعطفا عليهما. وانّما قال بِالْوالِدَيْنِ وأحدهما والدة لأنّ المذكّر والمؤنّث إذا اقتربا غلب المذكّر لخفّته وقوّته. وَذِي الْقُرْبى أي وبذي القرابة، والقربى مصدر على وزن فعلى كالحسنى والشّعرى. قال طرفة: وقربت بالقربى وجدك له يني ... فتحايك امر للنكيثة أشهد. وَالْيَتامى جمع يتيم مثل ندامى ونديم وهو الطفل الذي لا أبّ له. وَالْمَساكِينِ يعني الفقراء. وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً اختلفت القراءة فيه فقرأ زيد بن ثابت وأبو العالية وعاصم وأبو عمرو حُسْناً بضم الحاء وجزم السّين وهو اختيار أبي حاتم دليله قوله عزّ وجلّ: بِوالِدَيْهِ حُسْناً [[سورة العنكبوت: 8.]] وقوله تعالى: ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً [[سورة النمل: 11.]] . وقرأ ابن مسعود وخلف حَسَناً بفتح الحاء والسّين وهو اختيار أبي عبيد وقوله: إنّما اخترناها لأنها نعت بمعنى قولا حسنا. وقرأ ابن عمر: حُسُناً بضم الحاء والسّين والتنوين مثل الرّعب والنّصب والسّحت والسحق ونحوها. وقرأ عاصم والجحدري: إحسانا بالألف. وقرأ أبي بن كعب وطلحة بن مصرف: حسنى وقرنت بالقربى بالتأنيث مرسلة. قال الثعلبي: سمعت القاسم بن حبيب يقول: سمعت أبا بكر بن عبدوس يقول: مجازه كلمة حسنى ومعناه قولوا للنّاس صدقا وحقّا في شأن محمّد ﷺ‎ فمن سألكم عنه فأصدقوه وبينوا له صفته ولا تكتموا أمره ولا تغيروا نعته هذا قول ابن عبّاس وابن جبير وابن جريج ومقاتل دليله قوله أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً [[سورة طه: 86.]] أي صدقا. وقال محمّد بن الحنفية: هذه الآية تشمل البرّ والفاجر. وقال سفيان الثّوري: ائمروهم بالمعروف وانهوهم عن المنكر. وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ أي أعرضتم عن العهد والميثاق إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ نصب على الاستثناء. وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ وذلك أن قوما منهم آمنوا. وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ لا تَسْفِكُونَ لا تريقون دِماءَكُمْ وقرأ طلحة بن مصرف تُسْفِكُونَ بضم الفاء وهما لغتان مثل يَعْرِشُونَ ويَعْكُفُونَ. وقرأ أبو مجلز: تُسَفِّكُونَ بالتشديد على التكثير. وقال ابن عبّاس وقتادة: معناه لا يسفك بعضكم دم بعض بغير حق وإنّما قال (دِماءَكُمْ) لمعنيين: أحدهما إن كلّ قوم اجتمعوا على دين واحد فهم كنفس واحدة. والآخر: هو أنّ الرجل إذا قتل غيره كأنّما قتل نفسه لأنّه يقاد ويقتصّ منه وَلا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أي لا يخرج بعضكم بعضا من داره [ولا تسبوا من جاوركم فتلجئوهم إلى الخروج بسوء جواركم] [[عن هامش المخطوط.]] . ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ بهذا العهد إنّه حقّ. وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ اليوم على ذلك يا معشر اليهود.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب