الباحث القرآني

وَلَقَدْ آتَيْنا أعطينا. مُوسَى الْكِتابَ التوراة جملة واحدة. وَقَفَّيْنا أردفنا واتبعنا. مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ رسولا بعد رسول. يقال: مضى أثره وقفا غيره في التعدية وهو مأخوذ من قفا الإنسان قال الله وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ [[سورة الإسراء: 36.]] ، وقال أمية بن الصّلت: قالت لأخت له قصيه عن جنب ... وكيف تقفو ولا سهل ولا جدد وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ العلامات الواضحات والدلالات اللائحات وهي التي ذكرها الله عزّ وجلّ في سورة آل عمران والمائدة. وَأَيَّدْناهُ قويناه وأعناه من الآد والأيد [[راجع تفسير الطبري: 1/ 568.]] ، مجاهد: أيدناه بالمد وهما لغتان مثل كرّم وأكرم. بِرُوحِ الْقُدُسِ خفف ابن كثير الْقُدْسِ في كل القرآن، وثقله الآخرون، وهما لغتان مثل الرّعب والسّحت ونحوهما، واختلفوا في روح القدس فقال الربيع وعكرمة: هو الرّوح الذي نفخ فيه إضافة إلى نفسه تكريما وتخصيصا نحو بيت الله، وناقَةُ اللَّهِ وعَبْدُ اللَّهِ، والقدس: هو الله عزّ وجلّ يدلّ عليه قوله تعالى وَرُوحٌ مِنْهُ [[سورة النساء: 171.]] وقوله فَنَفَخْنا فِيهِ مِنْ رُوحِنا والآخرون: أرادوا بالقدس الطهارة يعني الرّوح الطاهر سمّى روحه قدسا لأنّه لم يتضمنه أصلاب الفحولة ولم تشتمل عليه أرحام الطوامث إنّما كان أمرا من الله تعالى. السّدي والضّحاك وقتادة وكعب: الروح القدس: جبرئيل قال الحسن: القدس: هو الله وروحه جبرئيل. السّدي: القدس: البركة وقد عظّم الله بركة جبرئيل إذ أنزل الله عامة وحيه إلى أنبيائه على لسانه وتأييد عيسى عليه السّلام بجبرئيل هو إنّه كان قرينه يسير معه حيثما شاء والآخر إنّه صعد به إلى السّماء، ودليل هذا التأويل قوله تعالى قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ [[سورة النحل: 102.]] . وقال ابن عبّاس وسعيد بن جبير وعبيد بن عمير: هو اسم الله الأعظم وبه كان يحيي الموتى ويري النّاس تلك العجائب. وقال ابن زيد: هو الإنجيل جعل له روحا كما جعل القرآن لمحمّد ﷺ‎ روحا، يدلّ عليه قوله تعالى وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا [[سورة الشورى: 52.]] فلمّا سمعت اليهود بذكر عيسى عليه السّلام قالوا: يا محمّد لا مثل عيسى كما زعمت ولا كما يقصّ علينا من الأنبياء (عليهم السلام) قالوا: فأتنا بما أتى به عيسى إن كنت صادقا. فأنزل الله عزّ وجلّ أَفَكُلَّما جاءَكُمْ يا معشر اليهود رَسُولٌ بِما لا تَهْوى لا تحب ولا توافق. أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ تكبّرتم وتعظمتم عن الأيمان به. فَفَرِيقاً طائفة سمّيت بذلك لأنّها فرقت من الحملة. كَذَّبْتُمْ عيسى ومحمّدا. فَرِيقاً تَقْتُلُونَ أيّ قتلتم زكريا ويحيى وسائر من قتلوا من الأنبياء. وَقالُوا يعني اليهود قُلُوبُنا غُلْفٌ قرأ ابن محيصن بضم اللام، وقرأ الباقون بجزمه. فمن خففه فهو جمع الأغلف مثل أصفر وصفر- وأحمر وحمر وهو الذي عليه غطاء وغشاء بمنزلة الأغلف غير المختون فالأغلف والأعلف واحد ومعناه عليها غشاوة فلا تعي ولا تفقه ما تقول يا محمّد. قاله مجاهد وقتادة نظيره قوله عزّ وجلّ وَقالُوا قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ [[سورة فصّلت: 5.]] ، ومن ثقّل فهو جمع غلاف مثل حجاب وحجب وكتاب وكتب، ومعناه: قلوبنا أوعية لكلّ علم فلا نحتاج إلى علمك وكتابك. قاله عطاء وابن عبّاس. وقال الكلبي: يريدون أوعية لكلّ علم فهي لا تسمع حديثا إلّا وعته إلّا حديثك لا تفقهه ولا تعيه ولو كان فيه خيرا لفهمته ووعته. قال الله عزّ وجلّ بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ وأصل اللعن الطرد والأبعاد تقول العرب [نماء] ولعين أي بعد. قال الشّماخ: ذعرت به القطا ونفيت عنه ... مقام الذنب كالرّجل اللعين [[تفسير الطبري: 1/ 574.]] فمعنى قوله: لعنهم الله طردهم وأبعدهم من كل خير، وقال النضر بن شميل: الملعون المخزي المهلك. فَقَلِيلًا ما يُؤْمِنُونَ معناه لا يؤمن منهم إلّا قليلا لأنّ من آمن من المشركين أكثر ممن آمن من اليهود، قاله قتادة، وعلى هذا القول ما: صلة معناه فقليلا يؤمنون، ونصب قليلا على الحال. وقال معمر: معناه لا يؤمنون إلّا بقليل بما في أيديهم ويكفرون بأكثره، وعلى هذا القول يكون فَقَلِيلًا منصوبا بنزع حرف الصّفة وما صلة أيّ فبقليل يؤمنون. وقال الواقدي وغيره: معناه لا يؤمنون قليلا ولا كثيرا، وهذا كقول الرّجل لآخر: ما قل ما تفعل وكذا يريد لا تفعله البتة. وروى الفراء عن الكسائي: مررنا بأرض قلّ ما ينبت الكراث والبصل يريدون لا ينبت شيئا. وَلَمَّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ يعني القرآن. مُصَدِّقٌ موافق لِما مَعَهُمْ وقرأ إبراهيم بن أبي عبلة مصدقا بالنّصب على الحال. وَكانُوا يعني اليهود مِنْ قَبْلُ أي من قبل بعث محمّد ﷺ‎ يَسْتَفْتِحُونَ يستنصرون، قال الله تعالى إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ [[سورة الأنفال: 19.]] أيّ أن تستنصروا فقد جاءكم النّصر. وفي الحديث عن النبيّ ﷺ‎ [أنه] كان يستفتح القتال بصعاليك المهاجرين. عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا مشركي العرب وذلك إنّهم كانوا يقولون إذا حزم أمر ودهمهم عدو: «اللهمّ انصرنا عليهم بالنبيّ المبعوث في آخر الزمان الذي نجد نعته وصفته في التوراة» [94] [[تفسير الجلالين للسيوطي: 19.]] ، وكانوا يقولون زمانا لاعدائهم من المشركين قد أطل زمان نبي يخرج بتصديق ما قلنا، ونقتلكم معه قبل عاد وأرم. فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا يعني محمّدا ﷺ‎ من غير بني إسرائيل، وعرفوا نعته وصفته. كَفَرُوا بِهِ بغيا وحسدا. فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكافِرِينَ بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ بئس ونعم فعلان ماضيان وضعا للمدح والذم لا يتصرفان تصرف الأفعال ومعنى الآية: بئس الذي اختاروا لأنفسهم حين استبدلوا الباطل بالحق، والكفر بالأيمان. وقيل: معناه بئس ما باعوا به حظ أنفسهم. أَنْ يَكْفُرُوا بِما أَنْزَلَ اللَّهُ يعني القرآن. بَغْياً بالبغي وأصل البغي الفساد. يقال: بغى الجرح إذا أمد وضمد. أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ النبوة والكتاب. عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ محمّد ﷺ‎. فَباؤُ بِغَضَبٍ عَلى غَضَبٍ أي مع غضب. قال ابن عبّاس: الغضب الأوّل بتضييعهم التوراة، والغضب الثاني بكفرهم بهذا النبيّ الذي اتخذه الله تعالى. فيهم قتادة وأبو العالية: الغضب الأوّل- بكفرهم بعيسى عليه السّلام والإنجيل- والثاني: كفرهم بمحمّد ﷺ‎ والقرآن. السّدي: الغضب الأوّل بعبادتهم العجل، والثاني بكفرهم بمحمّد ﷺ‎ وتبديل نعته. وَلِلْكافِرِينَ وللجاحدين [لدين] محمّد ﷺ‎ من النّاس كلهم. عَذابٌ مُهِينٌ يهانون فلا يعزون.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب