الباحث القرآني

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ الآية. أخبرني الحسين بن محمد بن فنجويه قال: حدّثنا عبد الله بن يوسف قال: حدّثنا الحسين ابن يحيويه قال: حدّثنا عمرو بن ثور وإبراهيم بن أبي سفيان قالا: حدّثنا محمد بن يوسف الفريابي قال: حدّثنا قيس عن أشعث بن سوار عن عدي بن ثابت قال: جاءت امرأة من الأنصار فقالت: يا رسول الله إنّي أكون في بيتي على حال لا أحبّ أن يراني عليها أحد والد ولا ولد، فيأتي الأب فيدخل عليّ، وإنّه لا يزال يدخل عليّ رجل من أهلي وأنا على تلك الحال فكيف أصنع؟ فنزلت هذه الآية يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلى أَهْلِها الآية. وقال بعض المفسّرين: حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا أي تستأذنوا. وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس أنّه قال: إنّما هو حتى تستأذنوا ولكن اخطأ الكاتب، وكان أبيّ بن كعب وابن عباس والأعمش يقرءونها كذلك حتّى تستأذنوا، وفي الآية تقديم وتأخير تقديرها: حتى تسلّموا على أهلها وتستأذنوا، وكذلك هو في مصحف ابن مسعود وهو أن يقول: السلام عليكم أأدخل؟ روى يونس بن عبيد عن عمرو بن سعيد الثقفي أنّ رجلا استأذن على رسول الله ﷺ‎ فقال: أألج فقال النبي ﷺ‎ لامرأة يقال لها روضة: قومي إلى هذا فعلّميه فإنّه لا يحسن يستأذن فقولي له: تقول: السلام عليكم أأدخل؟ فسمعها الرجل فقالها، فقال: ادخل [[جامع البيان للطبري: 18/ 147.]] . وقال مجاهد والسدّي: هو التنحنح والتنخّم. روى الأعمش عن عمرو بن مرة عن يحيى بن الخزاز عن ابن أخي زينب امرأة ابن مسعود عن زينب قالت: كان عبد الله إذا جاء من حاجة فانتهى الى الباب تنحنح وبزق كراهية أن يهجم منها على أمر يكرهه. عكرمة: هو التسبيح والتكبير ونحو ذلك. أخبرني أبو عبد الله بن فنجويه قال: حدّثنا أبو بكر بن خرجة قال: حدّثنا محمد بن عبد الله بن سليمان الحضرمي قال: حدّثنا عبد الله بن عمر بن أبان قال: حدّثنا عبد الرحيم بن سليمان عن واصل بن السائب عن أبي أيوب الأنصاري قال: قلنا يا رسول الله ما الاستيناس الذي يريد الله سبحانه حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلى أَهْلِها قال: يتكلّم الرجل بالتكبيرة والتسبيحة والتحميدة، يتنحنح يؤذن أهل البيت [[المصنّف: 6/ 132.]] . وقال الخليل: الاستيناس: الاستبصار من قوله آنَسْتُ ناراً [[سورة طه: 10.]] . وقال أهل المعاني: الاستيناس: طلب الأنس وهو أن ينظر هل في البيت أحد يؤذنه أنه داخل عليهم، يقول العرب: اذهب فاستأنس هل ترى أحدا في الدار؟ أي انظر هل ترى فيها أحدا؟ ويروى أنّ أبا موسى الأشعري أتى منزل عمر بن الخطاب رضي الله عنهما فقال: السلام عليكم أأدخل؟ فقال عمر: واحدة، فقال أبو موسى: السلام عليكم أأدخل؟ فقال عمر: ثنتان، قال أبو موسى: السلام عليكم أأدخل؟ ومرّ، فوجّه عمر بن الخطاب رضى الله عنه خلفه من ردّه فسأله عن صنيعه فقال: إنّي سمعت رسول الله ﷺ‎ يقول: «الاستيذان ثلاثة فإن أذنوا وإلّا فارجع» [24] . فقال عمر: لتأتيني بالبيّنة أو لأعاقبنّك، فانطلق أبو موسى فأتاه بمن سمع ذلك معه [[صحيح ابن حبّان: 13/ 127.]] . وعن عطاء بن يسار أنّ رجلا قال للنبي ﷺ‎: أستأذن على امّي؟ قال: «نعم» ، قال: «إنها ليس لها خادم غيري أفأستأذن كلّما دخلت؟ قال: «أتحبّ أن تراها عريانة» ؟ قال الرجل: لا، قال: «فاستأذن عليها» [[جامع البيان للطبري: 18/ 148.]] . وأخبرني الحسين بن محمد بن فنجويه قال: حدّثنا موسى بن محمد بن علي قال: حدّثنا عبد الله بن محمد بن وهب قال: حدّثنا محمد بن حميد قال: حدّثنا جرير بن عبد الحميد عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ‎: «من اطّلع في بيت بغير إذنهم فقد حلّ لهم ان يفقئوا عينه» [25] [[مسند أحمد: 2/ 266.]] . وأخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا ابن شبّه قال: حدّثنا الحضرمي قال: حدّثنا أبو بكر قال: حدّثنا ابن عيينة عن الزهري أنه سمع سهل بن سعد يقول: اطّلع رجل في حجرة من حجر النبي ﷺ‎ ومعه مدرى يحكّ به رأسه، فقال: «لو أعلم أنك تنظر لطعنت به في عينيك، إنّما الاستيذان من النظر» [26] [[المصنّف: 8/ 395. والعبارة فيه: من البصر، بدل: من النظر.]] . فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيها أي في البيوت أَحَداً يأذن لكم في دخولها فَلا تَدْخُلُوها حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا ولا تقفوا على أبوابهم ولا تلازموها هُوَ أي الرجوع أَزْكى أطهر وأصلح لَكُمْ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ. فلمّا نزلت هذه الآية قال أبو بكر: يا رسول الله أرأيت الخانات والمساكن في طرق الشام ليس فيها ساكن؟ فأنزل الله سبحانه لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ بغير استيذان فِيها مَتاعٌ منفعة لَكُمْ واختلفوا في هذه البيوت ما هي؟ فقال قتادة: هي الخانات والبيوت المبنيّة للسائلة ليأووا إليها ويؤووا أمتعتهم إليها. قال مجاهد: كانوا يضعون بطرق المدينة أقتابا وأمتعة في بيوت ليس فيها أحد، وكانت الطرق إذ ذاك آمنة فأحلّ لهم أن يدخلوها بغير إذن. محمد بن الحنفيّة: هي بيوت مكة، ضحّاك: الخربة التي يأوي المسافر إليها في الصيف والشتاء، عطاء: هي البيوت الخربة، والمتاع هو قضاء الحاجة فيها من الخلاء والبول، ابن زيد: بيوت التجّار وحوانيتهم التي بالأسواق، ابن جرير: جميع ما يكون من البيوت التي لا ساكن لها على العموم لأنّ الاستيذان إنما جاء لئلّا يهجم على ما لا يحب من العورة، فإذا لم يخف ذلك فلا معنى للاستئذان. وَاللَّهُ يَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما تَكْتُمُونَ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا يكفّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ عن النظر الى ما لا يجوز، واختلفوا في قوله مِنْ فقال بعضهم: هو صلة أي يغضّوا أبصارهم، وقال آخرون: هو ثابت في الحكم لأنّ المؤمنين غير مأمورين بغضّ البصر أصلا، وإنّما أمروا بالغضّ عمّا لا يجوز. وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ عمّن لا يحلّ، هذا قول أكثر المفسّرين. وقال ابن زيد: كلّ ما في القرآن من حفظ الفرج فهو عن الزنا إلّا في هذا الموضع فإنّه أراد الاستتار يعني: ويحفظوا فروجهم حتى لا ينظر إليها. ودليل هذا التأويل إسقاط من ذلِكَ أَزْكى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ عليم بِما يَصْنَعُونَ. أخبرني ابن فنجويه في داري قال: حدّثنا عبد الله بن يوسف بن أحمد بن مالك قال: حدّثنا الحسن بن علي بن زكريا قال: حدّثنا أبو الربيع الزهراني قال: حدّثنا إسماعيل بن جعفر قال: حدّثنا عمرو بن أبي عمرو عن المطلب بن حنطب عن عبادة بن الصامت أنّ رسول الله ﷺ‎ قال: «اضمنوا لي ستّا من أنفسكم اضمن لكم الجنة: اصدقوا إذا حدّثتم، وأوفوا إذا وعدتم، وأدّوا ما ائتمنتم، واحفظوا فروجكم، وغضّوا أبصاركم، وكفّوا أيديكم» [[مسند أحمد: 5/ 323.]] [27] . وأخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا ابن شيبة قال: حدّثنا الحضرمي قال: حدّثنا عبد الوارث قال: حدّثنا أبي قال: حدّثنا عنبسة بن عبد الرّحمن قال: حدّثنا أبو الحسن أنه سمع علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول: قال رسول الله ﷺ‎: «النظر إلى محاسن المرأة سهم من نبال إبليس مسموم، فمن ردّ بصره ابتغاء ثواب الله عز وجل أبدله الله بذلك عبادة تسرّه» [[بتفاوت في كنز العمّال: 5/ 329 ح 13073.]] [28] . وأخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا ابن شنبة قال: حدّثنا الحضرمي قال: حدّثنا سهل بن صالح الأنطاكي قال: حدّثنا أبو داود قال: حدّثنا أبان بن يزيد عن يحيى بن أبي كثير عن أبي جعفر عن أبي هريرة عن النبي ﷺ‎ قال: «بينما رجل يصلّي إذ مرّت به امرأة فنظر إليها وأتبعها بصره فذهب عيناه» [29] . وَقُلْ لِلْمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَّ عما لا يجوز وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ عمّا لا يحلّ، وقيل: وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ أي يسترنها حتى لا يراها أحد. وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ ولا يظهرن لغير محرم زينتهن، وهما زينتان: أحداهما ما خفي كالخلخالين [[في النسخة الثانية زيادة: والسوارين.]] والقرطين والقلائد والمعاصم ونحوها، والأخرى ما ظَهَرَ مِنْها، واختلف العلماء في الزينة الظاهرة التي استثنى الله سبحانه ورخّص فيها فقال ابن مسعود: هي الثياب، وعنه أيضا: الرداء، ودليل هذا التأويل قوله سبحانه خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ [[الأعراف: 31.]] أي ثيابكم. وقال ابن عباس وأصحابه: الكحل والخاتم والسوار والخضاب، الضحّاك والأوزاعي: الوجه والكفّان، الحسن: الوجه والثياب. روت عائشة عن النبي ﷺ‎ [[تفسير القرطبي: 12/ 229.]] أنه قال: «لا يحلّ لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر إذا عركت [[عركت المرأة: إذا حاضت.]] أن تظهر إلّا وجهها ويدها إلى هاهنا» [30] ، وقبض على نصف الذارع ، وإنّما رخّص الله سبحانه ورخّص رسوله في هذا القدر من بدن المرأة أن تبديها لأنّه ليس بعورة، فيجوز لها كشفه في الصلاة، وسائر بدنها عورة فيلزمها ستره. وَلْيَضْرِبْنَ وليلقين بِخُمُرِهِنَّ أي بمقانعهن وهي جمع خمار وهو غطاء رأس المرأة عَلى جُيُوبِهِنَّ وصدورهن ليسترن بذلك شعورهنّ وأقراطهنّ وأعناقهن. قالت عائشة: يرحم الله النساء المهاجرات الأول لمّا أنزل الله سبحانه هذه الآية شققن أكتف مروطهنّ فاختمرن به. وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ الخفيّة التي أمرن بتغطيتها، ولم يبح لهنّ كشفها في الصلاة وللأجنبيين، وهي ما عدا الوجه والكفّين وظهور القدمين إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبائِهِنَّ أَوْ آباءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنائِهِنَّ أَوْ أَبْناءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَواتِهِنَّ أَوْ نِسائِهِنَّ أي نساء المؤمنين فلا يحلّ لامرأة مسلمة أن تتجرّد بين يدي امرأة مشركة إلّا أن تكون أمة لها فذلك قوله سبحانه أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ. عن ابن جريج: روى هشام بن الغار عن عبادة بن نسيّ أنه كره أن تقبّل النصرانية المسلمة أو ترى عورتها ويتأوّل أَوْ نِسائِهِنَّ. وقال عبادة: كتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى أبي عبيدة بن الجراح: أما بعد فقد بلغني أنّ نساء يدخلن الحمّامات معهنّ نساء أهل الكتاب فامنع ذلك وحل دونه. قال: ثم إنّ أبا عبيدة قام في ذلك المقام مبتهلا: اللهم أيّما امرأة تدخل الحمّام من غير علّة ولا سقم تريد البياض لوجهها فسوّد وجهها يوم تبيضّ الوجوه. وقال بعضهم: أراد بقوله أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ مماليكهنّ وعبيدهنّ فإنّه لا بأس عليهن أن يظهرن لهم من زينتهنّ ما يظهرن لذوي محارمهنّ. أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجالِ وهم الذين يتبعونكم ليصيبوا من فضل طعامكم ولا حاجة لهم في النساء ولا يستهوونهنّ. قال ابن عباس: هو الذي لا تستحيي منه النساء، وعنه: الأحمق العنّين. مجاهد: الأبله الذي لا يعرف شيئا من النساء، الحسن: هو الذي لا ينتشر [زبه] سعيد بن جبير: المعتوه، عكرمة: المجبوب، الحكم بن أبان عنه [[عن عكرمة كما في تفسير الطبري: 18/ 164.]] : هو المخنث الذي لا يقوم زبّه. روى الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رجل يدخل على أزواج النبي ﷺ‎ مخنث، وكانوا يعدّونه من غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ فدخل النبي ﷺ‎ يوما وهو عند بعض نسائه وهو ينعت امرأة فقال: «إنّها إذا أقبلت أقبلت بأربع وإذا أدبرت أدبرت بثمان» . فقال النبي ﷺ‎: «لا أرى هذا يعلم ما هاهنا، لا يدخلنّ هذا عليكم» فحجبوه [31] . ابن زيد: هو الذي يتبع القوم حتى كأنه منهم ونشأ فيهم وليس له في نسائهم إربة، وإنما يتبعهم لإرفاقهم إيّاه، والإربة والإرب: الحاجة يقال: أربت الى كذا آرب إربا إذا احتجت إليه، واختلف القرّاء في قوله غَيْرِ فنصبه أبو جعفر وابن عامر وعاصم برواية أبي بكر والمفضل، وله وجهان: أحدهما: الحال والقطع لأنّ التابعين معرفة وغير نكرة. والآخر: الاستثناء ويكون غَيْرَ بمعنى إلّا. وقرأ الباقون بالخفض على نعت التابعين. أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلى عَوْراتِ النِّساءِ أي لم يكشفوا عن عورات النساء لجماعهن فيطّلعوا عليها، والطفل يكون واحدا وجمعا. وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ يعني ولا يحرّكنها إذا مشين لِيُعْلَمَ ما يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ يعني الخلخال والحلي وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً من التقصير الواقع في أمره ونهيه وقيل: معناه راجعوا طاعة الله فيما أمركم ونهاكم من الآداب المذكورة في هذه السورة.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب