الباحث القرآني

ثمّ ضرب لأعمال الكافرين مثلا فقال عزّ من قائل وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمالُهُمْ كَسَرابٍ وهو الشعاع الذي تراه نصف النهار في البراري عند شدّة الحرّ كأنّه ماء فإذا قرب منه الإنسان انفشّ فلم ير شيئا، وسمّي سرابا لأنّه ينسرب أي يجري كالماء. بِقِيعَةٍ وهو جمع القاع مثل جار وجيرة، والقاع: المنبسط الواسع من الأرض وفيه يكون السراب. يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ يظنّه العطشان ماءً حَتَّى إِذا جاءَهُ يعني ما قدّر أنّه ماء فلم يجده على ما قدّر، وقيل: معناه جاء موضع السراب فاكتفى بذكر السراب عن موضعه، كذلك الكافر يحسب أنّ عمله مغنى عنه أو نافعه شيئا فإذا أتاه الموت واحتاج إلى عمله لم يجد عمله أغنى عنه شيئا ولا نفعه وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ أي وجد الله بالمرصاد عند ذلك فَوَفَّاهُ حِسابَهُ جزاء عمله، وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسابِ أَوْ كَظُلُماتٍ. وهذا مثل آخر ضربه الله تعالى لأعمال الكفّار أيضا يقول: مثل أعمالهم في خطائها وفسادها، وضلالتهم وجهالتهم وحيرتهم فيها كظلمات فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ وهو العميق الكثير الماء وذلك أشدّ ظلمة، ولجّة البحر: معظمه يَغْشاهُ يعلوه مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ متراكم مِنْ فَوْقِهِ سَحابٌ قرأ ابن كثير برواية النبّال والفلنجي سَحابٌ بالرفع والتنوين، ظُلُماتٍ بالجرّ على البدل من قوله أَوْ كَظُلُماتٍ. روى البّزي عنه، سحابُ ظلماتٍ بالإضافة وقرأ الآخرون: سَحابٌ ظُلُماتٌ كلاهما بالرفع والتنوين، وتمام الكلام عند قوله سَحابٌ. ثمّ ابتدأ فقال ظُلُماتٌ بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ ظلمة السحاب وظلمة الموج وظلمة البحر. قال المفسّرون: أراد بالظلمات أعمال الكافر، وبالبحر اللجّي قلبه، وبالموج ما يغشى قلبه من الجهل والشك والحيرة، وبالسحاب الرّين والختم والطبع على قلبه. قال أبي بن كعب في هذه الآية: الكافر ينقلب في خمس من الظلم: فكلامه ظلمة، وعمله ظلمة ومدخله، ظلمة ومخرجه ظلمة، ومصيره إلى الظلمات يوم القيامة إلى النار. إِذا أَخْرَجَ يعني الناظر يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَراها أي لم يقرب من أن يراها من شدة الظلمات. وقال الفرّاء: كاد صلة أي لم يرها كما تقول: ما كدت أعرفه، وقال المبرّد: يعني لم يرها إلّا بعد الجهد كما يقول القائل: ما كدت أراك من الظلمة وقد رآه ولكن بعد يأس وشدّة، وقيل: معناه قرب من الرؤية ولم ير، كما يقال: كاد العروس يكون أميرا، وكاد النعام يطير. وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ يعني من لم يهده الله فلا إيمان له. قال مقاتل: نزلت في عتبة بن ربيعة بن أميّة، كان يلتمس الدين في الجاهلية ولبس المسوح ثم كفر في الإسلام. أخبرنا أبو عثمان سعيد بن محمد بن محمد بن إبراهيم العدل قال: حدّثنا أبو الحسين محمد بن منصور الواعظ قال: حدّثنا أبو عمر محمد بن عبد الواحد الزاهد قال: حدّثنا محمد ابن يونس الكديمي قال: حدّثنا عبيد الله بن عائشة قال: حدّثنا حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس قال: قال رسول الله ﷺ‎: «أنّ الله تعالى خلقني من نوره، وخلق أبا بكر من نوري، وخلق عمر وعائشة من نور أبي بكر!، وخلق المؤمنين من أمّتي من الرجال من نور عمر، وخلق المؤمنات من أمّتي من النساء من نور عائشة، فمن لم يحبّني ويحبّ أبا بكر وعمر وعائشة فما له من نور!، فنزلت عليه وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ» [[تفسير القرطبي: 12/ 286.]] [67] . أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ أجنحتهنّ في الهواء كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ قال المفسّرون: الصلاة لبني آدم، والتسبيح عام لغيرهم من الخلق وفيه وجوه من التأويل: أحدها: كلّ مصلّ ومسبّح قد علم الله صلاته وتسبيحه. والثاني: كلّ مسبّح ومصلّ منهم قد علم صلاة نفسه وتسبيحه الذي كلّفه الله، وقد علم كلّ منهم صلاة الله من تسبيحه. وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِما يَفْعَلُونَ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أي تقديرها وتدبير أمورها وتصريف أحوالها كما يشاء وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي يسوق سَحاباً الى حيث يريد ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ أي يجمع بين قطع السحاب المتفرّقة بعضها إلى بعض، والسّحاب جمع، وإنما ذكر الكناية على اللفظ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكاماً متراكما بعضه فوق بعض فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ وسطه وهو جمع خلل، وقرأ ابن عباس والضحاك من خلله. وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ مِنْ جِبالٍ فِيها مِنْ بَرَدٍ أي البرد، ومن صلة، وقيل: معناه وينزل من السماء قدر جبال أو مثال جبال من برد إلى الأرض، فمن الأولى للغاية لأنّ ابتداء الإنزال من السماء، والثانية: للتبعيض لأنّ البرد بعض الجبال التي في السماء، والثالثة: لتبيين الجنس لأنّ جنس تلك الجبال جنس البرد فَيُصِيبُ بِهِ أي بالبرد مَنْ يَشاءُ فيهلكه ويهلك زروعه وأمواله، وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشاءُ يَكادُ سَنا بَرْقِهِ أي ضوء برق السحاب يَذْهَبُ بِالْأَبْصارِ من شدّة ضوئه وبريقه، وقرأ أبو جعفر: يُذْهِبُ بضم الياء وكسر الهاء، غيره: من الذهاب. يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ يصرفهما في اختلافهما ويعاقبهما إِنَّ فِي ذلِكَ الذي ذكرت من هذه الأشياء لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ لذوي العقول. أخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا أبو بكر بن مالك القطيعي قال: حدّثنا عبد الله بن أحمد ابن حنبل قال: حدّثني أبي قال: حدّثنا سفيان عن الزهري عن سعيد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ‎: «قال الله عزّ وجل: يؤذيني ابن آدم بسبّ الدهر وأنا الدهر، بيدي الأمر، أقلّب الليل والنهار» [[صحيح البخاري: 6/ 41.]] [68] .
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب