الباحث القرآني

وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ أي خلطهما وحلّى وأفاض أحدهما في الآخر، وأصل المرج: الخلط والإرسال، ومنه قوله سبحانه فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ [[سورة ق: 5.]] وقول النبي ﷺ‎ لعبد الله ابن عمر: «كيف بك يا عبد الله إذا كنت في حثالة من الناس قد مرجت عهودهم وأماناتهم وصاروا هكذا» [[صحيح ابن حبّان: 15/ 125.]] [86] وشبّك بين أصابعه ، ويقال: مرجت دابّتي مرجها إذا أرسلتها في المرعى وخلّيتها تذهب حيث شاءت، ومنه قيل للروضة مرج، قال العجاج: رعى بها مرج ربيع ممّرجا قال ابن عباس والضحاك ومقاتل: مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ أي خلع أحدهما على الآخر هذا عَذْبٌ فُراتٌ شديد العذوبة وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ شديد الملوحة وَجَعَلَ بَيْنَهُما بَرْزَخاً حاجزا بقدرته وحكمته لئلّا يختلطا وَحِجْراً مَحْجُوراً سترا ممنوعا يمنعهما ف لا يَبْغِيانِ ولا يفسد الملح العذب. وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً قال علىّ بن أبي طالب: النسب ما لا يحلّ نكاحه، والصهر ما يحلّ نكاحه ، وقال الضحّاك وقتادة ومقاتل: النسب سبعة والصهر خمسة، وقرءوا هذه الآية حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ» الى آخرها. أخبرني أبو عبد الله [القسايني] قال: أخبرنا أبو الحسن النصيبي القاضي قال: أخبرنا أبو بكر السبيعي الحلبي قال: حدّثنا علي بن العباس المقانعي قال: حدّثنا جعفر بن محمد بن الحسين قال: حدّثنا محمد بن عمرو قال: حدّثنا حسين الأشقر قال: حدّثنا أبو قتيبة التيمي قال: سمعت ابن سيرين يقول في قول الله سبحانه وتعالى وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً قال: نزلت في النبي ﷺ‎ وعلي بن أبي طالب، زوج فاطمة عليّا وهو ابن عمّه وزوج ابنته فكان نسبا وصهرا [[نظم درر السمطين- الزرندي الحنفي.: ص 92.]] . وَكانَ رَبُّكَ قَدِيراً وَيَعْبُدُونَ يعني هؤلاء المشركين مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَنْفَعُهُمْ إن عبدوه وَلا يَضُرُّهُمْ إن تركوه وَكانَ الْكافِرُ عَلى رَبِّهِ ظَهِيراً أي معينا للشيطان على ربّه، وقيل: معناه وكان الكافر على ربّه هيّنا ذليلا من قول العرب: ظهرت به إذا جعلته خلف ظهرك فلم تتلفّت إليه. وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا مُبَشِّراً وَنَذِيراً قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ على تبليغ الوحي مِنْ أَجْرٍ فيقولون: إنّما يطلب محمد أموالنا بما يدعونا إليه فلا نتّبعه كيلا نعطيه من أموالنا شيئا إِلَّا مَنْ شاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلًا. قال أهل المعاني: هذا أمر الاستثناء المنقطع، مجازه لكن مَنْ شاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلًا بإنفاقه ماله في سبيله، وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ أي اعبده وصلّ له شكرا منك له على نعمه، وقيل: احمده منزّها له عمّا لا يجوز في وصفه، وقيل: قل: سبحان الله والحمد لله وَكَفى بِهِ بِذُنُوبِ عِبادِهِ خَبِيراً فيجازيهم بها الَّذِي في محل الخفض على نعت الحي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ فقال بينهما وقد جمع السموات لأنه أراد الصنفين والشيئين كقول القطامي: ألم يحزنك أن حبال قيس ... وتغلب قد تباينتا انقطاعا [[جامع البيان للطبري: 17/ 28.]] أراد وحبال تغلب فثنّى والحبال جمع لأنّه أراد الشيئين والنوعين، وقال آخر: إنّ المنيّة والحتوف كلاهما ... توفي المخارم يرقبان سوادي [[جامع البيان للطبري: 17/ 28.]] ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمنُ فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً أي فسل خبيرا بالرحمن، وقيل: فسل عنه خبيرا وهو الله عز وجل، وقيل: جبرئيل (عليه السلام) ، الباء بمعنى عن لقول الشاعر: فإن تسألوني بالنساء فإنني ... بصير بأدواء النساء طبيب [[لسان العرب: 1/ 554.]] أي عن النساء. وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمنِ قالُوا وَمَا الرَّحْمنُ ما نعرف الرحمن إلّا رحمن اليمامة أَنَسْجُدُ لِما تَأْمُرُنا قرأ حمزة والكسائي بالياء يعنيان الرحمن، وقرأ غيرهما تَأْمُرُنا بالتاء يعنون لما تأمرنا أنت يا محمد وَزادَهُمْ قول القائل لهم: اسْجُدُوا لِلرَّحْمنِ ... نُفُوراً عن الدين والإيمان، وكان سفيان الثوري إذا قرأ هذه الآية رفع رأسه الى السماء وقال: إلهي زادني خضوعا ما زاد أعداءك نفورا. تَبارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّماءِ بُرُوجاً يعني منازل الكواكب السبعة السيارة وهي اثنا عشر برجا: الحمل، والثور، والجوزاء، والسرطان، والأسد، والسنبلة، والميزان، والعقرب، والقوس، والجدي، والدلو، والحوت، فالحمل والعقرب بيتا المريخ، والثور والميزان بيتا الزهرة، والجوزاء والسنبلة بيتا عطارد، والسرطان بيت القمر، والأسد بيت الشمس، والقوس والحوت بيتا المشتري، والجدي والدلو بيتا زحل، وهذه البروج مقسومة على الطبائع الأربع فيكون نصيب كل واحد منهما ثلاثة بروج تسمى المثلثات، فالحمل والأسد والقوس مثلثة نارية، والثور والسنبلة والجدي مثلثة أرضية، والجوزاء والميزان والدلو مثلثة هوائية، والسرطان والعقرب والحوت مثلثة مائية. واختلفت أقاويل أهل التأويل في تفسير البروج. فاخبرني الحسين بن محمد بن الحسين الدينوري قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن إسحاق السني قال: حدّثني محمد بن الحسين بن أبي الشيخ قال: حدّثنا هارون بن إسحاق الهمداني قال: حدّثنا عبد الله بن إدريس قال: حدّثني أبي عن عطية العوفي في قوله سبحانه تَبارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّماءِ بُرُوجاً قال: قصورا فيها الحرس، دليله قوله وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ [[سورة النساء: 78.]] . وقال الأخطل: كأنها برج رومي يشيّده ... بان بجصّ وآجرّ وأحجار وقال مجاهد وقتادة: هي النجوم. وأخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا ابن شنبة قال: حدّثنا علي بن محمد بن ماهان قال: حدّثنا علي بن محمد الطنافسي قال: حدّثنا خالي يعلى عن إسماعيل عن أبي صالح تَبارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّماءِ بُرُوجاً قال: النجوم الكبائر. قال عطاء: هي الشرج وهي أبواب السماء التي تسمّى المجرّة. وَجَعَلَ فِيها سِراجاً يعني الشمس، نظيره قوله سبحانه وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِراجاً [[سورة نوح: 16.]] وقرأ حمزة والكسائي (وجعل فيها سُرُجا) بالجمع يعنون النجوم وهي قراءة أصحاب عبد الله وَقَمَراً مُنِيراً وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ خِلْفَةً. قال ابن عباس والحسن وقتادة: يعني عوضا وخلفا يقوم أحدهما مقام صاحبه فمن فاته عمله في أحدهما قضاه في الآخر. قال قتادة: فأروا الله من أعمالكم خيرا في هذا الليل والنهار فإنهما مطيّتان تقحمان الناس الى آجالهم، وتقّربان كلّ بعيد، وتبليان كلّ جديد، وتجيئان بكل موعود الى يوم القيامة. روى شمر [[في النسخة الثانية: شمس.]] بن عطية عن شقيق قال: جاء رجل الى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: فاتتني الصلاة الليلة فقال: أدرك ما فاتك من ليلتك في نهارك، فإنّ الله سبحانه وتعالى جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرادَ أَنْ يَذَّكَّرَ. وقال مجاهد: يعني جعل كلّ واحد منهما مخالفا لصاحبه فجعل هذا أسود وهذا أبيض. وقال ابن زيد وغيره: يعني يخلف أحدهما صاحبه، إذا ذهب أحدهما جاء الآخر، فهما يتعاقبان في الضياء والظلام والزيادة والنقصان، يدلّ على صحّة هذا التأويل، قول زهير: بها العين والآدام يمشين خلفة ... وأطلاؤها ينهضن من كلّ مجشم [[نهج الايمان- ابن جبر.: 394.]] وقال مقاتل: يعني جعل النهار خلفا من الليل لمن نام بالليل، وجعل الليل خلفا بالنهار لمن كانت له حاجة أو كان مشغولا لِمَنْ أَرادَ أَنْ يَذَّكَّرَ قرأه العامة بتشديد الذال يعني يتذكر ويتعظ، وقرأ حمزة وخلف بتخفيف الذال من الذكر أَوْ أَرادَ شُكُوراً شكر نعمة الله سبحانه وتعالى عليه. وَعِبادُ الرَّحْمنِ يعني أفاضل العباد، وقيل هذه الإضافة على التخصيص والتفضيل، وقرأ الحسن: وعبيد الرّحمن. الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً أي بالسكينة والوقار والطاعة والتواضع غير أشرين ولا مرحين ولا متكبّرين ولا مفسدين. أخبرنا عبد الله بن حامد قال: أخبرنا العباس بن محمد بن قوهبار قال: حدّثنا علي بن الحسن بن أبي عيسى قال: حدّثنا يحيى بن يحيى قال: حدّثنا هشيم بن عباد بن راشد عن الحسن في قوله سبحانه يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً قال: حلما وعلما، وقال محمد بن الحنفية: أصحاب وقار وعفّة لا يسفهون، وإن سفه عليهم حلموا. الضحّاك: أتقياء أعفّاء لا يجهلون قال: وهو بالسريانية. الثمالي: بالنبطيّة، والهون في اللغة: الرفق واللين ومنه قول النبي ﷺ‎: «أحبب حبيبك هونا ما عسى أن يكون بغيضك يوما ما، وابغض بغيضك هونا ما عسى أن يكون حبيبك يوما ما» [[المصنّف- الصنعاني.: 11/ 181.]] . وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ بما يكرهونه قالُوا سَلاماً سدادا من القول عن مجاهد. ابن حيان: قولا يسلمون فيه من الإثم. الحسن: سلّموا عليهم، دليله قوله سبحانه وَإِذا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقالُوا لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ [[سورة القصص: 55.]] . قال أبو العالية والكلبي: هذا قبل أن يؤمروا بالقتال، ثم نسختها آية القتال. أخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا ابن حنش المقري قال: حدّثنا محمد بن صالح [الكيلسي] [[كذا في المخطوط.]] بمكة قال: حدّثنا سلمة بن شبيب [[في النسخة الثانية: شعيب.]] قال: حدّثنا الوليد بن إسماعيل قال: حدّثنا شيبان بن مهران عن خالد أبن المغيرة بن قيس عن أبي محلز لا حق بن حميد عن أبي برزة الأسلمي عن رسول الله ﷺ‎ قال: «رأيت قوما من أمتي ما خلقوا بعد، وسيكونون فيما بعد اليوم أحبّهم ويحبّونني، ويتناصحون ويتبادلون، يمشون بنور الله في الناس رويدا في خفية وتقية، يسلمون من الناس، ويسلم الناس منهم بصبرهم وحلمهم، قلوبهم بذكر الله يرجعون، ومساجدهم بصلاتهم يعمرون، يرحمون صغيرهم ويجلّون كبيرهم ويتواسون بينهم، يعود غنيّهم على فقيرهم وقويّهم على ضعيفهم، يعودون مرضاهم ويتبعون جنائزهم» . فقال رجل من القوم: في ذلك يرفقون برفيقهم؟ فالتفت إليه رسول الله ﷺ‎ فقال: «كلّا، إنّهم لا رفيق لهم، هم خدّام أنفسهم، هم أكرم على الله من أن يوسّع عليهم لهوان الدنيا عند ربهم» ثمّ تلا رسول الله ﷺ‎ هذه الآية وَعِبادُ الرَّحْمنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً» [87] . وروي أنّ الحسن كان إذا قرأ هاتين الآيتين قال: هذا وصف نهارهم. ثمّ قال وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِياماً هذا وصف ليلهم. قال ابن عباس: من صلّى بالليل ركعتين أو أكثر من ذلك فقد بات لله سبحانه وتعالى ساجدا وقائما. قال الكلبي: يقال: الركعتان بعد المغرب وأربع بعد العشاء الآخرة. وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذابَها كانَ غَراماً أي ملحّا دائما لازما غير مفارق من عذّب به من الكفار، ومنه سمّي الغريم لطلبه حقّه وإلحاحه على صاحبه وملازمته إيّاه، وفلانا مغرم بفلان إذا كان مولعا به لا يصبر عنه ولا يفارقه، قال الأعشى: إن يعاقب يكن غراما وإن ... يعط جزيلا فإنّه لا يبالي [[لسان العرب: 12/ 437.]] قال الحسن: قد علموا أنّ كلّ غريم يفارق غريمه إلّا غريم جهنم [[في النسخة الثانية زيادة: وقال محمد بن كعب: إن الله عز وجل سأل الكفار ثمن نعمه فلم يؤدوها إليه، فأغرمهم فأدخلهم النار.]] . ابن زيد: الغرام الشرّ، أبو عبيد: الهلاك، قال بشر بن أبي حازم: ويوم النسار ويوم الجفار ... كانا عذابا وكانا غراما [[تاج العروس: 9/ 3.]] أي هلاكا. إِنَّها يعني جهنم ساءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقاماً أي إقامة، من أقام يقيم. وقال سلامة بن جندل: يومان يوم مقامات وأندية ... ويوم سير إلى الأعداء تأويب [[تفسير الطبري: 19/ 47، ولسان العرب: 1/ 220.]] فإذا فتحت الميم فهو المجلس من قام يقوم، ومنه قول عباس بن مرداس: فأتي ما وأيك كان شرّا ... فقيد إلى المقامة لا يراها [[المصدر السابق، ولسان العرب: 12/ 506.]] وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا واختلف القرّاء فيه فقرأ أهل المدينة والشام: يُقْتِرُوا بضم الياء وكسر التاء، وقرأ أهل الكوفة بفتح الياء وضم التاء، غيرهم بفتح الياء وكسر التاء وكلّها لغات صحيحة، يقال: أقتر وقتر يقتر ويقتر مثل يَعْرِشُونَ ويَعْكُفُونَ، واختلف المفسرون في معنى الإسراف والإقتار، فقال بعضهم: الإسراف: النفقة في معصية الله وإن قلّت، والإقتار: منع حق الله سبحانه وتعالى، وهو قول ابن عباس ومجاهد وقتادة وابن جريج وابن زيد. أخبرني الحسين بن محمد بن الحسين الدينوري قال: حدّثنا محمد بن عمر بن إسحاق الكلواذي قال: حدّثنا عبد الله بن سليمان بن الأشعث [[في النسخة الثانية زيادة: بن هارون بن سليمان الأشعث.]] قال: حدّثنا هارون بن زيد بن أبي الزرقاء الرملي قال: حدّثنا أبي قال: حدّثنا سهيل بن أبي حزم عن كثير بن زياد أبي سهل عن الحسن في هذه الآية قال: لم ينفقوا في معاصي الله ولم يمسكوا عن فرائض الله. وقال بعضهم: الإسراف أن تأكل مال غيرك بغير حق. قال عون بن عبد الله بن عتبة: ليس المسرف من أكل ماله، إنما المسرف من يأكل مال غيره. وقال قوم: السرف: مجاوزة الحد في النفقة، والإقتار: التقصير عما ينبغي مما لا بد منه، وهذا الاختيار لقوله وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ أي وكان إنفاقهم بين ذلك قَواماً عدلا وقصدا وسطا بين الإسراف والإقتار. قال إبراهيم: لا يجيعهم ولا يعريهم، ولا ينفق نفقة تقول الناس: قد أسرف. مقاتل: كسبوا طيّبا، وأنفقوا قصدا، وقدموا فضلا، فربحوا وأنجحوا. وقال يزيد بن أبي حبيب في هذه الآية: أولئك أصحاب محمد ﷺ‎ كانوا لا يأكلون طعاما للتنعم واللذة، ولا يلبسون ثوبا للجمال ولكن كانوا يريدون من الطعام ما يسدّ عنهم الجوع ويقويهم على عبادة ربّهم، ومن الثياب ما يستر عوراتهم ويكنّهم من الحرّ والقرّ. وأخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا ابن حنش قال: حدّثنا ابن زنجويه قال: حدّثنا سلمة قال: حدّثنا عبد الرزاق عن أبي عيينة عن رجل عن الحسن في قوله سبحانه يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا إنّ عمر بن الخطاب رضى الله عنه قال: كفى سرفا ان لا يشتهي رجل شيئا إلا اشتراه فأكله. وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ الآية. أخبرنا أبو محمد الحسن بن أحمد المخلدي قال: أخبرنا المؤمّل بن الحسن بن عيسى قال: حدّثنا الحسن بن محمد قال: حدّثنا حجاج عن أبي جريح قال: أخبرني يعلى يعني ابن مسلم عن سعيد بن جبير سمعه يحدّث عن ابن عباس أنّ ناسا من أهل الشرك كانوا قد قتلوا فأكثروا، وزنوا فأكثروا ثم أتوا محمدا ﷺ‎ فقالوا: إن الذي تقول وتدعو إليه لحسن لو تخبرنا أن لما عملناه كفارة فنزل وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ ونزل يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ [[سورة الزمر: 53.]] وقيل: نزلت في وحشي غلام ابن مطعم. وأخبرنا عبد الله بن حامد قال: أخبرنا محمد بن الحسين قال: حدّثنا أحمد بن يوسف السلمي قال: حدّثنا عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر والثوري عن منصور والأعمش عن أبي وائل. وأخبرنا أبو عبد الله الحسين بن محمد بن الحسن قال: حدّثنا أحمد بن جعفر بن حمدان وعبد الله بن عبد الرحمن قالا: حدّثنا يوسف بن عبد الله بن ماهان قال: حدّثنا محمد بن كثير قال: حدّثنا سفيان بن الأعمش ومنصور وواصل الأحدب عن أبي وائل. وأخبرنا عبد الله بن حامد الوزان قال: أخبرنا مكي بن عبدان قال: حدّثنا عبد الله بن هاشم قال: حدّثنا عبد الله بن نمير قال: أخبرنا الأعمش عن شقيق عن عمرو بن شرحبيل عن عبد الله بن مسعود قال: قلت يا رسول الله أيّ الذنب أعظم؟ قال: «أن تجعل لله ندّا وهو خلقك» ، قلت: ثم أي؟ قال: أن تقتل ولدك خشية أن يأكل معك، قلت: ثم أيّ؟ قال: إن ترى حليلة جارك، فأنزل الله سبحانه تصديق ذلك وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ» [88] . قال مسافع: وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ الآية. أخبرنا ابن فنجويه قال: حدثنا ابن حنش، قال: أخبرنا ابن زنجويه قال: أخبرنا سلمة بن عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، قال: ذكر لنا أنّ لقمان كان يقول: يا بني إياك والزنا فإن أوله مخافة وآخره ندامة وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ الذي ذكرت يَلْقَ أَثاماً قال ابن عباس: إثما، ومجازه: تلق جزاء الآثام. وأخبرني ابن فنجويه، قال: حدّثنا أحمد بن محمد بن حفصويه، قال: حدّثنا محمد بن موسى قال: حدّثنا زهير بن محمد، قال: حدّثنا محمد بن زياد قال: حدّثنا الكلبي، قال: حدّثنا شرقي القطامي، قال: حدّثني لقمان بن عامر، قال: حدّثني أبو أمامة الباهلي صدي بن عجلان، فقلت: حدّثني حديثا سمعته من رسول الله ﷺ‎ قال: فدعا لي بطلاء ثم قال: سمعت رسول الله ﷺ‎ يقول: «لو أن صخرة زنة عشر عشروات قذف بها في شفير جهنم ما بلغت قعرها سبعين خريفا، ثم ينتهي إلى غيّ وأثام، قال: قلت: وما غيّ وأثام» ؟ قال: نيران يسيل فيها صديد أهل النار، وهما اللتان قال الله سبحانه في كتابه فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا [[سورة مريم: 59.]] ويَلْقَ أَثاماً [[مسند الشاميين- الطبراني.: 2/ 405.]] . وأخبرنا بو عمرو سعيد بن عبد الله بن إسماعيل الحيري قال: أخبرنا العباس بن محمد بن قوهباد قال: حدّثنا إسحاق بن عبد الله بن محمد بن زرين السلمي. قال: أخبرنا حفص بن عبد الرحمن، قال: حدّثنا سعيد عن قتادة، عن أبي أيوب عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن أَثاماً واد في جهنم، وهو قول مجاهد، وقال أبو عبيد: الأثام: العقوبة. قال الليثي: جزى الله ابن عروة حيث أمسى ... عقوقا والعقوق له أثاما أي عقوبة. يُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهاناً قرأه العامة بجزم الفاء والدال، ورفعهما ابن عامر وابن عباس على الابتداء. ثمّ قال إِلَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صالِحاً الآية. أخبرني الحسين بن محمد بن عبد الله قال: حدّثنا موسى بن محمد قال: حدّثنا موسى بن هارون الجّمال قال: حدّثنا إبراهيم بن محمد الشافعي قال: حدّثنا عبد الله بن رجاء عن عبيد الله ابن عمر بن علي بن زيد عن يوسف بن مهران عن ابن عباس قال: قرأناها على عهد رسول الله ﷺ‎ سنين [[في النسخة الثانية: سنتين.]] وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ الآية. ثمّ نزلت إِلَّا مَنْ تابَ فما رأيت النبي ﷺ‎ فرح بشيء قط فرحه بها وفرحه ب إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ. وأخبرني الحسين بن محمد الفنجوي قال: حدّثنا محمد بن الحسين بن علي اليقطيني قال: أخبرنا أحمد بن عبد الله بن يزيد العقيلي قال: حدّثنا صفوان بن صالح قال: حدّثنا الوليد بن مسلم قال: حدّثنا عبد العزيز بن الحصين عن ابن أبي نجيح قال: حدّثني القاسم بن أبي برة قال: قلت لسعيد بن جبير: أبا عبد الله أرأيت قول الله سبحانه وتعالى وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ إلى قوله إِلَّا مَنْ تابَ قال: سمعت ابن عباس يقول: هذه مكيّة نسختها الآية المدنية التي في سورة النساء وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها ولا توبة له. وروى أبو الزناد عن خارجة بن زيد بن ثابت أنّه دخل على أبيه وعنده رجل من أهل العراق وهو يسأله عن هذه الآية التي في الفرقان والتي في سورة النساء وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً [[سورة النساء: 93.]] ، فقال زيد بن ثابت: قد عرفت الناسخة من المنسوخة نسختها التي في النساء بعدها ستّة أشهر. وروى حجاج عن أبي جريج قال: قال الضحّاك بن مزاحم: هذه السورة بينها وبين النساء وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً ثماني حجج، والصحيح أنّها محكمة. روى جعفر بن سليمان عن عمرو بن مالك البكري عن أبي الجوزاء قال: اختلفت إلى ابن عباس ثلاث عشرة سنة فما شيء من القرآن إلّا سألته عنه ورسولي يختلف إلى عائشة، فما سمعته ولا أحد من العلماء يقول: إنّ الله سبحانه يقول لذنب: لا أغفره. فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً. قال ابن عباس وابن جبير والضحّاك وابن زيد: يعني فأولئك يبدّلهم الله بقبائح أعمالهم في الشرك محاسن الأعمال في الإسلام، فيبدّلهم بالشرك إيمانا، وبقتل المؤمنين قتل المشركين، وبالزنا عفة وإحصانا، وقال الآخرون: يعني يبدّل الله سيّئاتهم التي عملوها في حال إسلامهم حسنات يوم القيامة، يدلّ على صحّة هذا التأويل ما أخبرني أبو عبد الله الحسين بن محمد بن الحسين الحافظ في داري قال: حدّثنا أبو جعفر محمد بن عبد الله بن برزة قال: حدّثنا أبو حفص المستملي قال: حدّثنا محمد بن عبد العزيز أبي رزمة قال: حدّثنا الفضل بن موسى القطيعي عن أبي العنبس عن ابنه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ‎: «ليتمنّينّ أقوام أنّهم أكثروا من السيئات» . قيل: من هم؟ قال: الذين بدّل اللَّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ» [[تفسير القرطبي: 13/ 78.]] [89] . وأخبرنا ابن فنجويه قال: حدّثنا أبو بكر بن مالك القطيعي قال: حدّثنا عبد الله بن أحمد ابن حنبل قال: حدّثني أبي قال: حدّثنا وكيع قال: حدّثنا الأعمش عن المعرور بن سويد عن أبي ذر رضى الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ‎: «يؤتى بالرجل يوم القيامة فيقال: أعرضوا عليه صغار ذنوبه قال: فيعرض عليه ويخفى عنه كبارها فيقال: عملت يوم كذا وكذا كذا وكذا، وهو مقرّ لا ينكر وهو مشفق من الكبائر فيقال: أعطوه مكان كلّ سيئة عملها حسنة. قال: فيقول إنّ لي ذنوبا ما أراها، فلقد رأيت رسول الله ﷺ‎ ضحك حتّى بدت نواجذه» [[مسند أحمد: 5/ 157.]] [90] . وأخبرنا ابن فنجويه قال: حدّثنا عبيد الله عن عبد الله بن أبي سمرة البغوي ببغداد قال: حدّثنا محمد بن أحمد الطالقاني قال: حدّثنا محمد بن هارون أبو نشيط قال: حدّثنا أبو المغيرة قال: حدّثنا صفوان قال: حدّثني عبد الرحمن بن جبير عن أبي الطويل شطب الممدود أنّه أتى النبيّ ﷺ‎ فقال: يا رسول الله أرأيت رجلا عمل الذنوب كلّها ولم يترك منها شيئا، وهو في ذلك لم يترك حاجة ولا داجة إلّا اقتطعها بيمينه، فهل لذلك من توبة؟ قال: «هل أسلمت؟ قال: أنا أشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له وأنّك رسوله، قال: نعم تفعل الخيرات وتترك الشهوات يجعلهنّ الله خيرات كلهن. قال: وغدراتي وفجراتي قال: نعم قال: الله أكبر، فما زال يكبّر حتى توارى» [[تفسير القرطبي: 13/ 78.]] [91] . وأخبرني ابن فنجويه في عصبة قال: حدّثنا محمد بن علي بن الحسن قال: حدّثنا عبد الرّحمن بن أبي حاتم قال: حدّثنا أبو نشيط قال: حدّثنا أبو المغيرة قال: سمعت مبشر بن عبيد وكان عارفا بالنحو والعربية يقول: الحاجة الذي يقطع على الحجّاج إذا توجهوا، والداجة الذي يقطع عليهم إذا قفلوا وَمَنْ تابَ وَعَمِلَ صالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتاباً رجوعا حسنا. وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ قال الضحاك: يعني الشرك وتعظيم الأنداد، علي بن أبي طلحة: يعني شهادة الزور، وكان عمر بن الخّطاب يجلد شاهد الزور أربعين جلدة، ويسخم وجهه، ويطوف به في السوق، يحيى بن اليمان عن مجاهد: أعياد المشركين ليث عنه: الغناء وهو قول محمد بن الحنفية بإسناد الصالحي عن إبراهيم بن محمد بن المنكدر قال: بلغني انّ الله تعالى يقول يوم القيامة: أين الذين كانوا ينزّهون أنفسهم وأسماعهم عن اللهو ومزامير الشيطان أدخلوهم رياض المسك، أسمعوا عبادي تحميدي وثنائي وتمجيدي، وأخبروهم أن لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ. أخبرنا أبو بكر الجوزقي قال: حدّثنا عبد الواحد بن محمد الارعياني قال: حدّثنا الأحمسي قال: حدّثنا عمرو العبقري قال: حدّثنا مسلمة بن جعفر عن عمرو بن قيس في قوله سبحانه الَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ قال: مجالس الخنا، ابن جريج: الكذب، قتادة: مجالس الباطل، وأصل الزور تحسين الشيء ووصفه بخلاف صفته حتى يخيّل إلى من سمعه أو يراه أنّه بخلاف ما هو به، فهو تمويه الباطل لما توهّم أنّه حقّ. وَإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً قال مقاتل: إذا سمعوا من الكفّار الشتم والأذى أعرضوا وصفحوا، وهي رواية ابن أبي نجيح عن مجاهد، نظيره وَإِذا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ [[سورة القصص: 55.]] الآية، وقال السدّي: وهي منسوخة بآية القتال، العوّام بن حوشب عن مجاهد: إذا أتوا على ذكر النكاح كنّوا عنه، ابن زيد: إذا مرّوا بما كان المشركون فيه من الباطل مرّوا منكرين له معرضين عنه، وقال الحسن والكلبي: اللغو: المعاصي كلّها، يعني إذا مرّوا بمجالس اللهو والباطل مَرُّوا كِراماً مسرعين معرضين، يدل عليه ما روى إبراهيم بن ميسرة أنّ ابن مسعود مرّ بلهو مسرعا فقال رسول الله ﷺ‎: «إن أصبح ابن مسعود لكريما» [[جامع البيان للطبري: 19/ 64.]] [92] . وقال أهل اللغة: أصله من قول العرب ناقة كريمة، وبقرة كريمة، وشاة كريمة إذا كانت تعرض عن الحليب تكرّما كأنّها لا تبالي بما يحلب منها. وَالَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا لم يقعوا ولم يسقطوا عَلَيْها صُمًّا وَعُمْياناً كأنّهم صمّ عمي، بل يسمعون ما يذكرون به فيفهمونه ويرون الحق فيه فيتبعونه. قال الفرّاء: ومعنى قوله لَمْ يَخِرُّوا أي لم يقيموا ولم يصيروا، تقول العرب: شتمت فلانا فقام يبكي يعني فظلّ وأقبل يبكي ولا قيام هنالك ولعلّه بكى قاعدا، وقعد فلان يشتمني أي أقبل وجعل وصار يشتمني، وذلك جائز على ألسن العرب. وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا هَبْ لَنا مِنْ أَزْواجِنا وَذُرِّيَّتِنا بغير ألف أبو عمرو وأهل الكوفة، الباقون: ذُرِّيَّاتِنا بالألف قُرَّةَ أَعْيُنٍ بأن يراهم مؤمنين صالحين مطيعين لك، ووحّد قُرَّةَ لأنها مصدر، وأصلها من البرد لأنّ العرب تتأذّى بالحر وتستروح إلى البرد. وَاجْعَلْنا لِلْمُتَّقِينَ إِماماً أي أئمة يقتدى بها. قال ابن عباس: اجعلنا أئمة هداية كما قال وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا [[سورة الأنبياء: 73.]] ولا تجعلنا أئمة ضلالة كقوله وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ [[سورة القصص: 41.]] . قتادة: هداة دعاة خير. أخبرنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن يوسف الفقيه قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن حمدون ابن خالد قال: حدّثني أبو جعفر أحمد بن عبد الله العازي الطبري المعروف بابن فيروز قال: حدّثنا الحكم بن موسى قال: حدّثنا يحيى بن حمزة عن عبد الرّحمن بن زيد بن جابر عن مكحول في قول الله عزّ وجل وَاجْعَلْنا لِلْمُتَّقِينَ إِماماً قال: أئمة في التّقوى يقتدي بها المتّقون، وقال بعضهم: هذا من المقلوب واجعل المتّقين لنا إماما واجعلنا مؤتمّين مقتدين بهم، وهو قول مجاهد، ولم يقل أئمة لأنّ الإمام مصدر، يقال: أمّ فلان فلانا مثل الصيام والقيام، ومن جعله أئمة فلأنّه قد كثر حتى صار بمعنى الصفة. وقال بعضهم: أراد أئمة كما يقول القائل: أميرنا هؤلاء يعني أمراؤنا، وقال الله سبحانه عزّ وجلّ فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي [[سورة الشعراء: 77.]] ، وقال الشاعر: يا عاذلاتي لا تزدن ملامتي ... إنّ العواذل لسن لي بأمين» أي أمناء. أُوْلئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ يثابون الدرجة الرفيعة في الجنة بِما صَبَرُوا على أمر ربهم وطاعة نبيّهم، وقال الباقر: على الفقر. وَيُلَقَّوْنَ قرأ أهل الكوفة بفتح الياء وتخفيف القاف، واختاره [[في النسخة الثانية زيادة: الفرّاء، قال: لأن المغرب يقول: فلان يلقى بالسلم وبالخبر بالباء وقلّما يقول: يلقى السلم، وقرأ الآخرون يُلَقَّوْنَ بالتشديد واختاره.]] أبو عبيد لقوله وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً [[سورة الإنسان: 11.]] . خالِدِينَ فِيها حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقاماً قُلْ ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي أي ما يصنع وما يفعل، عن مجاهد وابن زيد. وقال أبو عبيد: يقال: ما عبأت به شيئا أي لم أعدّه، فوجوده وعدمه سواء، مجازه: أي مقدار لكم، وأصل هذه الكلمة تهيئة الشيء يقال: عبّأت الجيش وعبأت الطيب أعبّئه عبؤا وعبوا إذا هيّأته وعملته، قال الشاعر: كأن بنحره وبمنكبيه ... عبيرا بات يعبؤه عروس [[لسان العرب: 1/ 118.]] لَوْلا دُعاؤُكُمْ إيّاه، وقيل: لولا عبادتكم، وقيل: لولا إيمانكم. واختلف العلماء في معنى هذه الآية فقال قوم: معناها قل ما يعبأ بخلقكم ربّي لولا عبادتكم وطاعتكم إيّاه، يعني أنّه خلقكم لعبادته نظيرها قوله سبحانه وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [[سورة الذاريات: 56.]] وهذا معنى قول ابن عباس ومجاهد، قال ابن عباس في رواية الوالبي: أخبر الله سبحانه الكفّار أنّه لا حاجة لربهم بهم إذ لم يخلقهم مؤمنين، ولو كان له بهم حاجة لحبّب إليهم الإيمان كما حبّب إلى المؤمنين. وقال آخرون: قل ما يعبأ بعذابكم ربّي لَوْلا دُعاؤُكُمْ إيّاه في الشدائد، بيانه فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ [[سورة العنكبوت: 65.]] ونحوها من الآيات. وقال بعضهم: قل ما يعبأ بمغفرتكم ربّي لَوْلا دُعاؤُكُمْ معه آلهة وشركاء، بيانه قوله سبحانه وتعالى ما يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ [[سورة النساء: 147.]] وهذا المعنى قول الضحّاك. وأخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا ابن حبيش قال: حدّثنا أبو القاسم بن الفضل قال: حدّثنا أبو حاتم قال: حدّثنا أبو طاهر بن السرج قال: حدّثنا موسى بن ربيعة الجمحي قال: سمعت الوليد بن الوليد يقول: بلغني أنّ تفسير هذه الآية قُلْ ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعاؤُكُمْ يقول: ما خلقتكم وبي إليكم حاجة إلّا أن تسألوني فأغفر لكم، وتسألوني فأعطيكم. فَقَدْ كَذَّبْتُمْ يا أهل مكة. وأخبرنا شعيب بن محمد قال: أخبرنا مكي بن عبدان قال: حدّثنا أحمد بن الأزهر قال: حدّثنا روح بن عبادة قال: حدّثنا شعبة بن عبد الحميد بن واصل قال: سمعت مسلم بن عمّار قال: سمعت ابن عباس يقرأ: فقد كذّب الكافرون فَسَوْفَ يَكُونُ لِزاماً. وبه شعبة عن أدهم يعني السدوسي عن أنّه كان خلف بن الزبير يقرأ تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ فلمّا أتى على هذه الآية قرأها: فقد كذّب الكافر فَسَوْفَ يَكُونُ لِزاماً، ومعنى الآية فسوف يكون تكذيبهم لزاما. قال ابن عباس: موتا. ابن زيد: قتالا، أبو عبيدة: هلاكا. وأنشد: فاما ينجوا من حتف أرضي ... فقد لقيا حتوفهما لزاما [[لسان العرب: 12/ 541.]] وقال بعض أهل المعاني: يعني فسوف يكون جزاء يلزم كل عامل ما عمل من خير أو شر، وقال ابن جرير: يعني عذابا دائما لازما وهلاكا مفنيا يلحق بعضكم بعضا كقول أبي ذؤيب. ففاجأه بعادية لزام ... كما يتفجّر الحوض اللقيف [[جامع البيان للطبري: 19/ 71.]] يعني باللزام الكثير الذي يتبع بعضه بعضا وباللفيف الحجار المنهد، واختلفوا في اللزام هاهنا فقال قوم: هو يوم بدر قتل منهم سبعون وأسر سبعون، وهو قول عبد الله بن مسعود وأبي ابن كعب وأبي مالك ومجاهد ومقاتل. روى الأعمش عن مسلم عن مسروق قال: قال عبد الله: خمس قد مضين: الدخان واللزام والبطشة والقمر والروم. وقال آخرون: هو عذاب الآخرة.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب