الباحث القرآني

مكية، وهي أربعة ألف ومائة وخمسة وتسعون حرفا، وألف وتسعمائة وإحدى وثمانون كلمة، وتسع وستون آية أخبرنا الخباري [[في نسخة أصفهان: أبو الحسين الخباري.]] قال: أخبرنا ابن حيان، قال: أخبرنا محمد بن علي الفرقدي قال: حدثنا إسماعيل بن عمرو قال: حدثنا يوسف بن عطية قال: حدثنا هارون بن كثير قال: حدثنا زيد بن أسلم، عن أبيه، عن أبي أمامة، عن أبي بن كعب، قال: قال رسول الله ﷺ‎: «من قرأ سورة العنكبوت كان له من الأجر عشر حسنات بعدد كلّ المؤمنين والمنافقين» [138] [[تفسير مجمع البيان: 8/ 5.]] . بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الم. أَحَسِبَ أظن وأصله من الحساب النَّاسُ يعني الذين جزعوا من أصحاب رسول الله ﷺ‎ من أذى المشركين أَنْ يُتْرَكُوا بغير اختبار ولا ابتلاء بأن قالوا: آمَنَّا كلا لنختبرنهم لنتبين الصادق من الكاذب، (إن) الأولى منصوبة ب أَحَسِبَ والثانية خفض بنزع الخافض، أي لأن يقولوا، والعرب لا تقول: تركت فلانا أن يذهب، إنّما تقول: تركته يذهب، معه جوابان: أحدهما يشتركوا لأن يقولوا [[في نسخة أصفهان: أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا.]] ، والثاني: على التكرير تقديره: أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أحسبوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ لا يبتلون ليظهر المخلص من المنافق، وقيل: يُفْتَنُونَ يصابون بشدائد الدنيا، يعني: أنّ البلاء لا يدفع عنهم في الدنيا لقولهم: آمَنَّا. واختلفوا في سبب نزول هذه الآية، فقال ابن جريج وابن عمير: نزلت في عمار بن ياسر إذ كان يعذّب في الله. وقال الشعبي: نزلت هاتان الآيتان في أناس كانوا بمكة قد أقروا بالإسلام، فكتب إليهم أصحاب رسول الله ﷺ‎ من المدينة إنّه لا يقبل منكم إقرار بإسلام حتى تهاجروا، فخرجوا عائدين إلى المدينة، فاتبعهم المشركون فردوهم، فنزلت فيهم هذه الآية، فكتبوا إليهم إنّه قد نزلت فيكم آية كذا وكذا، فقالوا: نخرج، فإن اتبعنا أحد قاتلناه. فخرجوا، فاتبعهم المشركون، فقاتلوهم، فمنهم من قتل ومنهم من نجا، فأنزل الله سبحانه فيهم هاتين الآيتين، وقال مقاتل: نزلت في مهجع بن عبد الله مولى عمر بن الخطاب كان أول قتيل يوم بدر رماه عامر بن الحضرمي بسهم فقتله، فقال النبي ﷺ‎: «يومئذ سيد الشهداء مهجع وهو أول من يدعى إلى باب الجنة من هذه الأمة» [139] [[تفسير القرطبي: 13/ 324.]] ، فجزع عليه أبواه وامرأته، فأنزل الله سبحانه فيهم هذه الآية وأخبر أنّه لا بد لهم من البلاء والمشقة في ذات الله تعالى، وقيل: وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ بالأوامر والنواهي. ثم عزّاهم، فقال عز من قائل: وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكاذِبِينَ والله تعالى عالم بهم قبل الاختبار، وعلمه قديم تام، وإنّما معنى ذلك: فليظهرنّ الله تعالى ذلك حتّى يوجد معلومة. قال مقاتل: فليرين الله، الأخفش: فليميزنّ الله. وقال القتيبي: علم الله سبحانه نوعان: أحدهما: علم شيء كان يعلم إنّه كان، والثاني: علم شيء يكون، فعلم إنّه يكون وقت كذا ولا يعلمه كائنا واقعا إلّا بعد كونه ووقوعه، بيانه قوله سبحانه: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ [[سورة محمّد: 31.]] أي نعلم المجاهدين منكم مجاهدين ونعلم الصابرين صابرين، فكذلك هاهنا فليعلمنّ الله ذاك موجودا كائنا وهذا سبيل علم الله في الاستقبال. أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ الشرك [[في نسخة أصفهان: أي السوء.]] أَنْ يَسْبِقُونا يعجزونا ويقولوا ما بأنفسهم فلا يقدر على الانتقام منهم ساءَ ما يَحْكُمُونَ أي ساء حكمهم الذي يحكمون مَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ اللَّهِ قال ابن عباس ومقاتل: من كان يخشى البعث. سعيد بن جبير: من كان يطمع في ثواب الله فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ يعني ما وعد الله من الثواب والعقاب الكائن وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ. وَمَنْ جاهَدَ فَإِنَّما يُجاهِدُ لِنَفْسِهِ له ثوابه. إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ. وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ أي بأحسن أعمالهم وهو الطاعة. وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حُسْناً اختلف النحاة في وجه نصب الحسن، فقال أهل البصرة: على التكرير تقديره ووصيناه حسنا أي بالحسن، كما يقول: وصيته خيرا، أي بخير، وقال أهل الكوفة: معناه ووصينا الإنسان أن يفعل حسنا، فحذفه لدلالة الكلام عليه كقول الراجز: عجبت من دهماء إذ تشكونا ... ومن أبي دهماء إذ يوصينا خيرا بها كأنّنا جافونا أي يوصينا أن نفعل بها خيرا، وهو مثل قوله: فَطَفِقَ مَسْحاً [[سورة ص: 33.]] أي يمسح مسحا. وقيل معناه: وألزمناه حسنا، وقرأ العامة حُسْناً بضم الحاء وجزم السين، وقرأ أبو رجاء العطاردي بفتح الحاء والسين. وفي مصحف أبي إحسانا نزلت في سعد بن أبي وقاص الزهري. واسم أبي وقاص: مالك بن وهبان، وذلك إنّه لما أسلم قالت له أمه جمنة بنت أبي سفيان بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف: يا سعد بلغني إنّك صبوت فوالله لا يظلني سقف بيت من الضح والريح ولا آكل ولا أشرب حتى تكفر بمحمد وترجع إلى ما كنت عليه، وكان أحب ولدها إليها، فأبى سعد وصبرت هي ثلاثة أيام لم تأكل ولم تشرب ولم تستظل بظل، فأتى سعد النبي (عليه السلام) وشكا ذلك إليه فأنزل الله سبحانه هذه الآية والتي في لقمان والأحقاف، فأمره النبي ﷺ‎ أن يترضاها ويحسن إليها ولا يطيعها في الشرك وذلك قوله سبحانه: وَإِنْ جاهَداكَ لِتُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إنّه لي شريك فَلا تُطِعْهُما إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ. أخبرنا عبد الله بن حامد- قراءة- قال: أخبرنا مكي بن عبدان قال: حدثنا عبد الله بن هاشم قال: حدثنا أبو أسامة قال: حدثنا نمير بن حكيم، عن أبيه، عن جده، قال: قلت: يا رسول الله من أبرّ؟ قال: «أمّك» ، قلت: ثم من؟ قال: «أمّك» ، قلت: ثم من؟ قال: «ثم أمّك» ، قلت: ثم من؟ قال: «ثم أباك ثم الأقرب فالأقرب» [140] [[مسند أحمد: 5/ 3.]] . وأخبرنا عبد الله [[في نسخة أصفهان: عبد الله بن حامد إجازة عن عثمان بن أحمد.]] - إجازة- قال: أخبرنا عثمان بن أحمد قال: حدثنا علي بن إبراهيم الواسطي قال: حدثنا منصور بن مهاجر قال: حدثنا أبو النصر الأبار، عن أنس بن مالك قال: قال النبي ﷺ‎: «الجنة تحت أقدام الأمهات» [141] [[الجامع الصغير: 1/ 563.]] . وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ أي في زمرتهم وجملتهم، وقال محمد بن جرير: أي في مدخل الصالحين [[في نسخة أصفهان: أي في زمرتهم.]] وهو الجنة، وقيل: في بمعنى مع، والصالحون هم الأولياء والأنبياء. وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ أي أذاهم وعدائهم كَعَذابِ اللَّهِ في الآخرة فارتد عن إيمانه وَلَئِنْ جاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ هؤلاء المرتدون إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ وهم كاذبون أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِما فِي صُدُورِ الْعالَمِينَ وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنافِقِينَ أي ليميّزنهم ويظهر أمرهم بالابتلاء والاختبار والفتن والمحن. واختلف المفسرون في سبب نزول هذه الآية: فقال مجاهد: نزلت في ناس كانوا يؤمنون بألسنتهم، فإذا أصابهم بلاء من الله ومصيبة في أنفسهم افتتنوا. الضحاك: نزلت في ناس من المنافقين بمكة كانوا يؤمنون، فإذا أوذوا رجعوا إلى الشرك. عكرمة عن ابن عباس: نزلت في المؤمنين الذين أخرجهم المشركون معهم إلى بدر، فارتدوا وهم الذين نزلت فيهم إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ [[سورة النساء: 97.]] ... الآية، وقد مضت القصة. قتادة: نزلت هذه الآية في القوم الذين ردهم المشركون إلى مكة. وهذه الآيات العشر مدنية إلى هاهنا، وسائرها مكي، وقال مقاتل والكلبي: نزلت في العياش بن أبي ربيعة بن مغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم القرشي، وذلك إنّه أسلم فخاف أهل بيته فهاجر إلى المدينة قبل أن يهاجر النبي (عليه السلام) ، فحلفت أمه أسماء بنت مخرمة ابن أبي جندل بن نهشل التميمي أن لا تأكل ولا تشرب ولا تغسل لها رأسا ولا تدخل بيتا حتى يرجع إليها، فلما رأى ابناها- أبو جهل والحارث ابنا هشام وهما أخوا عيّاش لأمّه- جزعها وحلفها رهبا في ظلمة حتى أتيا المدينة فلقياه، فقال أبو جهل لأخيه عياش بن أبي ربيعة: قد علمت أنّك أحبّ إلى أمّك من جميع ولدها وكنت بها بارا، وقد حلفت أمك إنّها لا تأكل ولا تشرب ولا تغسل رأسها ولا تدخل بيتا حتى ترجع إليها، وأنت تزعم أنّ في دينك بر الوالدين، فارجع إليها فإنّ ربّك الذي تعبده بالمدينة هو ربك بمكة فاعبده بها، فلم يزالا به حتى أخذ عليهما المواثيق لا يحركاه ولا يصرفاه عن دينه، فأعطياه ما سأل من المواثيق فتبعهما، وقد صبرت أمه ثلاثة أيام ثم أكلت وشربت، قالا: فلما خرجوا من أهل المدينة أخذاه فأوثقاه وجلده كلّ واحد منهما مائة جلدة حتى تبرأ من دين محمّد (رحمهما الله) جزعا من الضرب وقال ما لا ينبغي، فأنزل الله سبحانه فيه: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذا أُوذِيَ ... الآية. قالا: وكان الحارث [[في نسخة أصفهان: الحرث.]] أشدهما عليه وأسوأهما قولا، فحلف عياش بالله لئن قدر عليه خارجا من الحرم ليضربنّ عنقه، فلما رجعوا إلى مكة مكثوا حينا ثم هاجر النبي ﷺ‎ والمؤمنون إلى المدينة، فهاجر عياش وأسلم وحسن إسلامه. ثم إنّ الله تعالى قذف الإيمان في قلب الحارث [[في نسخة أصفهان: الحرث.]] بن هشام، فهاجر إلى المدينة وبايع النبي (عليه السلام) على الإسلام ولم يحضر عياش، فلقيه عياش يوما بظهر قباء ولم يشعر بإسلامه، فضرب عنقه، فقيل له: إنّ الرجل قد أسلم، فاسترجع عياش وبكى، ثم أتى النبي (عليه السلام) وأخبره بذلك، فأنزل الله سبحانه وتعالى: وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلَّا خَطَأً ... الآية.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب