الباحث القرآني

يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْراهِيمَ: وتزعمون أنه كان على دينكم اليهودية والنصرانية، وقد حدثت اليهودية بعد نزول التوراة، والنصرانية بعد نزول الإنجيل. وَما أُنْزِلَتِ التَّوْراةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ: بعد مهلك إبراهيم بزمان طويل، وكان بين إبراهيم وموسى ألف سنة وبين موسى وعيسى ألفا سنة. أَفَلا تَعْقِلُونَ: بعرض حجّتكم وبطلان قولكم. ها أَنْتُمْ: قرأه أهل المدينة بغير همز ولا مدّ إلا بقدر خروج الألف الساكنة، وقرأ أهل مكّة مهموزا مقصورا على وزن هعنتم، وقرأ أهل الكوفة بالمدّ والهمز، وقرأ الباقون بالمدّ دون الهمز. واختلفوا في أصله فقال بعضهم: أصله أنتم والهاء تنبيها. وقال الأخفش: أصله أأنتم فقلبت الهمزة الأولى هاء كقولهم: هرقت وأرقت. هؤُلاءِ: مبني على الكسر، وأصله أولاء فدخلت عليه هاء التنبيه، وفيه لغتان: القصر والمد، ومن العرب من يعضها. أنشد أبو حازم [[في المصدر: حاتم.]] : لعمرك أنا والأحاليف هؤلا ... لفي محنة أطفالها لم تفطم [[تفسير الطبري: 4/ 108 وفيه: أظفارها لم تقلم.]] وهؤلاء ها هاهنا في موضع النداء يعني يا هؤلاء. حاجَجْتُمْ فِيما لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ: يعني في أمر محمد، لأنهم كانوا يعلمونه مما يجدون من نعته في كتابهم فحاجّوا به بالباطل. فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ: من حديث إبراهيم فليس في كتابكم أنّه كان يهوديا أو نصرانيا. وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ: نزّه إبراهيم (عليه السلام) وبرّأه من ادعائهم فقال: ما كانَ إِبْراهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرانِيًّا وَلكِنْ كانَ حَنِيفاً مُسْلِماً: فالحنيف الّذي يوحّد ويحج ويضحّي ويختن ويستقبل القبلة وهو أسهل الأديان وأحبّها إلى الله وأهله أكرم الخلق على الله. وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ. إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ: قال ابن عباس: قال رؤساء اليهود: والله يا محمد لقد علمت أنّا أولى بدين إبراهيم منك ومن غيرك، وأنّه كان يهوديا وما بك إلّا الحسد لنا، فأنزل الله هذه الآية [[أسباب النزول للواحدي: 68.]] . روى محمد بن مروان عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس وعبد الرحمن بن عوف عن أصحاب رسول الله ﷺ‎ ويونس بن بكير عن محمد بن إسحاق رفعه. دخل حديث بعضهم في بعض. قالوا: لما هاجر رسول الله ﷺ‎ إلى المدينة، وكان من أمر بدر ما كان اجتمعت قريش في دار الندوة، وقالوا: إنّ لنا في الّذين عند النجاشي من أصحاب محمد ثأرا بمن قتل منكم ببدر. فاجمعوا مالا وهدوه إلى النجاشي لعلّه يدفع إليكم من عنده من قومكم، ولينتدب لذلك رجلان من ذوي آرائكم. فبعثوا عمرو بن العاص وعمارة بن أبي معيط بالهدايا، الأدم وغيره. فركبا البحر وأتيا الحبشة فلمّا دخلا على النجاشي سجدا له، وسلّما عليه وقالا له: إنّ قومنا لك ناصحون شاكرون ولصلاحك محبّون، وإنّهم بعثونا إليك لنحذّرك هؤلاء القوم الّذين قدموا عليك لأنّهم قوم رجل كذّاب خرج فينا فزعم أنّه رسول الله، ولم يبايعه أحد منّا إلا السفهاء وإنّا كنّا قد ضيّقنا عليهم الأمر. وألجأناهم إلى شعب أرضنا لا يدخل إليهم أحد. ولا يخرج منهم أحد. قد قتلهم الجوع والعطش. فلما اشتد عليه الأمر. بعث إليك ابن عم له ليفسد عليك دينك وملكك ورعيّتك فاحذرهم وادفعهم إلينا لنكفيكهم. قالوا: وآية ذلك أنّهم إذا دخلوا عليك لا يسجدون لك ولا يحيونك بالتحية التي يحييك بها النّاس رغبة عن دينك وسنّتك. قال: فدعاهم النّجاشي فلمّا حضروا صاح جعفر بالباب: يستأذن عليك حزب الله. فقال النّجاشي: مروا هذا الصائح فليعد كلامه. ففعل جعفر. فقال النجاشي: نعم فليدخلوا بأمان الله وذمّته. فنظر عمرو بن العاص إلى صاحبه. فقال: ألا تسمع كيف يدخلون بحزب الله وما أجابهم النجاشي. فساءهما ذلك، ثم دخلوا عليه ولم يسجدوا له. فقال عمرو: ألا ترى إنّهم يستكبرون أن يسجدوا لك. فقال لهم النّجاشي: ما منعكم ألّا تسجدوا لي وتحيّوني بالتحيّة التي يحيّيني بها من أتى من الآفاق. قالوا: نسجد لله الّذي خلقك وملكك- قال- وإنما كان للملك التحية لنا ونحن الأوثان. فبعث الله فينا نبيا صادقا، وأمرنا بالتحية التي رضيها الله لنا. وهو السلام تحية أهل الجنّة. فعرف النّجاشي أن ذلك حق فيما جاء في التوراة والإنجيل. قال: أيّكم الهاتف: يستأذن عليك حزب الله؟ قال جعفر: أنا. قال: تكلّم. قال: إنّك ملك من ملوك أهل الأرض ومن أهل الكتاب ولا يصلح عندك كثرة الكلام ولا الظلم، وأنا أحبّ أن أجيب عن أصحابي فمن هذين الرّجلين أن يتكلّم أحدهما وينصت الآخر. فتسمع محاورتنا. فقال عمرو لجعفر: تكلّم. فقال جعفر للنجاشي: سل هذين الرجلين. أعبيد نحن أم أحرار؟ فإن كنّا عبيدا أبقنا من أربابنا فارددنا إليهم. فقال النجاشي: أعبيد هم يا عمرو أم أحرار؟ قال: لا، بل أحرار كرام. فقال النجاشي: نجّوا من العبودية، ثم قال جعفر: سلهما هل أهرقنا دما بغير حق؟ فاقتصّ منّا. فقال عمرو: لا ولا قطرة. فقال جعفر: سلهما هل أخذنا أموال النّاس بغير حق فعلينا إيفاؤها. فقال النّجاشي: قل يا عمرو. وإن كان قنطارا. فعليّ قضاؤه قال: لا ولا قيراط. قال النّجاشي: فما تطلبون منهم؟ قال عمرو: كنّا وهم على دين واحد وأمر واحد على دين آبائنا، وتركوا ذلك الدين واتبعوا غيره. ولزمناه نحن فبعثنا إليك قومهم لتدفعهم إلينا. فقال النجاشي: ما هذا الدين الذي كنتم عليه والدين الّذي اتبعتموه؟ قال جعفر: أمّا الدين الذي كنّا عليه فتركناه فهو دين الشيطان وأمره. كنّا نكفر بالله ونعبد الحجارة. وأما الذي تحولنا إليه فدين الإسلام جاءنا به من الله رسول وكتاب مثل كتاب ابن مريم موافقا له. فقال النجاشي: يا جعفر تكلّمت بأمر عظيم فعلى رسلك. فأمر النجاشي فضرب بالناقوس. فاجتمع إليه كل قسّيس وراهب. فلمّا اجتمعوا عنده قال النّجاشي: أنشدكم الله الذي أنزل الإنجيل على عيسى. هل تجدون بين عيسى وبين يوم القيامة نبيّا مرسلا؟ فقالوا: اللهم نعم. قد بشرّنا به عيسى (عليه السلام) فقال: من آمن به فقد آمن بي ومن كفر به فقد كفر بي. فقال النجاشي لجعفر: هيه: أي هات ماذا يقول لكم هذا الرّجل؟ وما يأمركم به؟ وما ينهاكم عنه؟ فقالوا: يقرأ علينا كتاب الله، ويأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، ويأمر بحسن الجوار، وصلة الرحم، ويأمر للوالدين واليتيم، ويأمر بأن نعبد الله وحده لا شريك له. فقال: اقرأ عليّ شيئا ممّا يقرأ عليكم. فقرأ عليهم سورة العنكبوت والرّوم. فغاضت أعين النّجاشي وأصحابه من الدمع. وقالوا: يا جعفر زدنا من هذا الحديث الطّيب. فقرأ عليهم سورة الكهف. فأراد عمرو أن يغضب النّجاشي. فقال: إنّهم يشتمون عيسى وأمّه. فقال النّجاشي: ما تقولون في هذا؟ فقرأ جعفر عليهم سورة مريم فلمّا أتى على ذكر مريم وعيسى رفع النّجاشي نفسه من سواكه قدر ما يقذي العين وقال: ما زاد المسيح على ما يقولون. ثم أقبل على جعفر وأصحابه فقال: اذهبوا فأنتم سيوم بأرضي يقول آمنون من سبّكم أو آذاكم غرّم، ثم قال: أبشروا ولا تخافوا فلا دهورة اليوم على حزب إبراهيم (عليه السلام) قال عمرو للنّجاشي: ومن حزب إبراهيم؟ قال: هؤلاء الرّهط وصاحبهم الّذي جاءوا من عنده ومن اتبعه، ولكنّكم أنتم المشركون. ثم ردّ النّجاشي على عمرو وأصحابه المال الّذي حملوه، وقال: إنّما هديّتكم رشوة إلي. فاقبضوها، ولكنّ الله ملّكني ولم يأخذ مني رشوة. قال جعفر: فانصرفنا فكنّا في خير دار، وأكرم بلد وأنزل الله ذلك اليوم في خصومتهم على رسوله وهو في المدينة [[أسباب النزول للواحدي: 71.]] إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ: على مثله. وَهذَا النَّبِيُّ: يعني محمدا ﷺ‎: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ. روى مسروق عن عبد الله قال: قال رسول الله ﷺ‎: «لكلّ نبيّ ولاء من النبيّين وإنّ وليّي منهم أبي وخليل ربّي ثم قرأ الآية إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ ... » [60] . وَدَّتْ: تمنّت. طائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ.... الآية: نزلت في معاذ بن جبل وحذيفة بن اليمان وعمّار ابن ياسر حين دعاهم اليهود إلى دينهم، قد مضت هذه القصة في سورة البقرة. وَدَّتْ: تمنّت. طائِفَةٌ: جماعة من أهل الكتاب يعني اليهود. لَوْ يُضِلُّونَكُمْ: يزلّونكم عن دينكم ويردّوكم إلى الكفر. وقال ابن جرير: يهلكونكم كقول الأخطل يهجو جرير بن عطية: كنت القذى في موج أكدر مزبد ... قذف الآتي به فضّل ضلالا [[تفسير الطبري: 1/ 68.]] أي هلك هلاكا. وَما يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ. يا أَهْلَ الْكِتابِ: يعني اليهود والنّصارى. لِمَ تَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ: يعني القرآن وبيان نعت محمد ﷺ‎. وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ: إنّ نعته مذكور في التوراة والإنجيل. يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَلْبِسُونَ: تخلطون الْحَقَّ بِالْباطِلِ: الإسلام باليهوديّة والنصرانيّة. وقال ابن زيد: التوراة الّتي أنزل الله على موسى بالباطل الّذي غيّرتموه، وحرّفتموه، وضيّعتموه، وكتبتموه بأيديكم. وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ: أنّ محمدا رسول الله ودينه حقّ. وقرأ أبو مجلز: تلبّسون بالتشديد. وقرأ حسن بن عمير: تلبسوا وتكتموا بغير نون ولا وجه له. وَقالَتْ طائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا: الآية. قال الحسن والسّدي: تواطأ إثنا عشر حبرا من يهود خيبر وقرى عربية، وقال بعضهم لبعض: أدخلوا دين محمد أول النهار باللسان دون الاعتقاد، واكفروا آخر النهار وقولوا: إنّا نظرنا في كتبنا وشاورنا علماءنا فوجدنا محمدا ليس بذلك، وظهر لنا كذبه وبطلان دينه فإذا فعلتم ذلك شكّ أصحابه في دينهم، وقالوا: إنّهم أهل الكتاب وهم أعلم به منّا فيرجعون عن دينهم إلى دينكم، وقالوا: إنّهم أهل. وقال مجاهد ومقاتل والكلبي: هذا في تبيان القبلة لما صرفت إلى الكعبة. فشقّ ذلك على اليهود لمخالفتهم. فقال كعب بن الأشرف لأصحابه: آمنوا بالّذي أنزل على محمد من أمر الكعبة، وصلّوا إليها أول النّهار ثمّ اكفروا آخر النّهار، وارجعوا إلى قبلتكم الصّخرة لعلّهم يقولون أهل الكتاب هم أعلم منّا فيرجعون إلى قبلتنا، فحذّر الله نبيّه مكر هؤلاء وأطلعه على سرّهم. فأنزل: وَقالَتْ طائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهارِ: أوّله وسمّي الوجه وجها لأنّه أحسنه، وأول ما يواجه به الناظر فيرى، ويقال لأول الشيب وجهه. قال الربيع بن زياد: من كان مسرورا بمقتل مالك ... فليأت نسوتنا بوجه نهار [[لسان العرب: 13/ 556.]] وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ: يشكّون. يَرْجِعُونَ: عن دينهم. وَلا تُؤْمِنُوا: ولا تصدّقوا. إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ: هذا من كلام اليهود أيضا بعضهم لبعض ولا تؤمنوا ولا تصدّقوا إلا من تبع دينكم أي وافق ملّتكم وصلّى إلى قبلتكم واللام في قوله لِمَنْ: صلة. يعني ولا تؤمنوا إلا من تبع دينكم اليهوديّة كقول الله تعالى قُلْ عَسى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ [[سورة النمل: 72.]] قُلْ إِنَّ الْهُدى هُدَى اللَّهِ أَنْ يُؤْتى أَحَدٌ مِثْلَ ما أُوتِيتُمْ الآية: اختلف القرّاء والعلماء فيه، فقرأت العامّة: أن يؤتى بالفتح من الألف وقصرها ووجه هذه القراءة إنّ هذا الكلام معترض بين كلامين وهو خبر عن الله تعالى أنّ البيان وما يدلّ قوله قُلْ إِنَّ الْهُدى هُدَى اللَّهِ متصل بالكلام الأوّل إخبارا عن قول اليهود بعضهم لبعض، ومعنى الآية: وَلا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ ، ولا تؤمنوا أَنْ يُؤْتى أَحَدٌ مِثْلَ ما أُوتِيتُمْ من العلم والحكمة والحجّة في المنّ والسلوى، وفلق البحر وغيرها من الفضائل والكرامات. ولا تؤمنوا أن يُحاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ لأنّكم أصحّ دينا منه، وهذا معنى قول مجاهد والأخفش. وقال ابن جريج وابن زيّاب: قالت اليهود لسفلتهم: لا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ كراهية أَنْ يُؤْتى أَحَدٌ مِثْلَ ما أُوتِيتُمْ وأيّ فضل يكون لكم عليهم حيث علموا ما علمتم وحينئذ يُحاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ: يقولون عرفتم أنّ ديننا حقّ فلا تصدّقوهم لئلّا يعلموا مثل ما علّمتم ولا يحاجّوكم عند ربكم، ويجوز أن يكون على هذا القول لا مضمرا كقوله تعالى يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا [[سورة النساء: 176.]] يكون تقديره وَلا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ لئلّا يؤتى أحد من العلم مِثْلَ ما أُوتِيتُمْ وألا يُحاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ. وقرأ الحسن والأعمش: إن يؤتى بكسر الألف ووجه هذه القراءة إنّ هذا كلّه من قول الله بلا اعتراض وأن يكون كلام اليهود تاما عند قوله إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ ومعنى الآية: قُلْ يا محمد إِنَّ الْهُدى هُدَى اللَّهِ أَنْ يُؤْتى ما يؤتى أَحَدٌ مِثْلَ ما أُوتِيتُمْ يا أمّة محمد أَوْ يُحاجُّوكُمْ، يعني إلا أن يجادلكم اليهود بالباطل فيقولون نحن أفضل منكم وقوله: عِنْدَ رَبِّكُمْ أي عند فضل ربّكم لكم ذلك ويكون (أنّ) على هذا القول بمعنى الجحد والنفي. وهذا معنى قول سعيد بن جبير والحسن وأبي مالك ومقاتل والكلبي. وقال الفرّاء: ويجوز أن يكون (أو) بمعنى حتّى كما يقال: تعلّق به أو يعطيك حقّك أي حتى يعطيك حقّك. وقال امرؤ القيس: فقلت له لا تبك عينك [[في المصدر: عيناك.]] إنّما ... نحاول ملكا أو نموت فنعذرا [[كتاب العين: 8/ 438.]] أي حتى نموت. والمعنى لا يؤتى أحد مثل ما أوتيتم، ما أعطى أحدا مثل ما أعطيتم يا أمة محمد من الدّين والحجّة حتّى يحاجّوكم عند ربّكم. وقرأ ابن كثير: أن يؤتى بالمدّ وحينئذ يكون في الكلام إختيار تقديرها: أَنْ يُؤْتى أَحَدٌ مِثْلَ ما أُوتِيتُمْ يا معشر اليهود من الكتاب والحكمة تحسدونهم ولا تؤمنون بهم وهذا قول قتادة والربيع. وإلّا هذا من قول الله عز وجلّ: قُلْ لهم يا محمد إِنَّ الْهُدى هُدَى اللَّهِ لما أنزل كتابا مثل كتابكم وبعث نبيّا مثل نبيّكم حسدتموه وكفرتم به. قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ الآية. قال أبو حاتم: إنّ معناه الآن فحذف لام الجزاء استخفافا وأبدلت مدّه كقراءة من قرأ: أَنْ كانَ ذا مالٍ أي الآن كان. وقوله: أَوْ يُحاجُّوكُمْ على هذه القراءة رجوع إلى خطاب المؤمنين ويكون أو بمعنى أن لأنّها حرفا شك وجزاء ويوضع أحدهما موضع الآخر وتقدير الآية: وإن يحاجّوكم يا معشر المؤمنين عند ربّكم فقل يا محمد: إِنَّ الْهُدى هُدَى اللَّهِ ونحن عليه. ويحتمل أن يكون الجميع خطابا للمؤمنين ويكون نظم الآية: أَنْ يُؤْتى أَحَدٌ مِثْلَ ما أُوتِيتُمْ يا معشر المؤمنين [فلا تشكّو عند تلبيس اليهود] [[زيادة لتقويم النص.]] ف قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ. وإن حاجّوكم ف قُلْ إِنَّ الْهُدى هُدَى اللَّهِ. فهذه وجوه الآيات باختلاف القرآن. ويحتمل أن يكون تمام الخبر عن اليهود عند قوله لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ فيكون قوله وَلا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ إلى آخر الآية من كلام الله عزّ وجلّ. وذلك إنّ الله تعالى مثبّت لقلوب المؤمنين ومشحذ لبصائرهم لئلّا يشكّوا عند تلبيس اليهود وتزويرهم في دينهم أي: ولا تصدّقوا يا معشر المؤمنين إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ ولا تصدّقوا أَنْ يُؤْتى أَحَدٌ مِثْلَ ما أُوتِيتُمْ من الدين والفضل، ولا تصدّقوا أن يُحاجُّوكُمْ في دينكم عِنْدَ رَبِّكُمْ فيقدرون على ذلك ف إِنَّ الْهُدى هُدَى اللَّهِ وإِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ: فتكون الآية كلّها خطاب الله عز وجلّ للمؤمنين عند تلبيس اليهود عليهم لئلّا يزلّوا ولا يرتابوا والله أعلم. يدل عليه قول الضحّاك قال: إنّ اليهود قالوا: إنّا نحاجّ عند ربنا من خالفنا في ديننا فبيّن الله تعالى أنّهم هم المدحضون أي المغلوبون، وإنّ المؤمنين هم الغالبون. وقال أهل الإشارة في هذه الآية: لا تعاشروا إلا من يوافقكم على أحوالكم وطريقتكم فإنّ من لا يوافقكم لا يرافقكم. يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ: بنبوّته ودينه ونعمته. مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ: وقال أبو حيّان: إجمال القول يبقى مع رجاء الرّاجي وخوف الخائف.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب