الباحث القرآني

لَعَنَهُ اللَّهُ وَقالَ يعني إبليس لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبادِكَ نَصِيباً مَفْرُوضاً يعني حظا معلوما فما أطاع فيه إبليس فهو مفروضة. قال الفراء ما جعل عليه سبيل، وهو كالمفروض، في بعض التفسير وكل ألف الله عز وجل وسائرهم لإبليس. وأصل الفرض في اللغة القطع ومنه الفرضة في النهر وهي الثلمة تكون فيه [[راجع لسان العرب: 7/ 206.]] يقال معناها بالفراض والفرض، والفرض الجز الذي يكون في الشباك يشد فيه الخيط، والفريض في القوس الجز الذي يشد فيه الوتر، والفريضة في سائر ما افترض الله عز وجل. ما أمر به العباد وجعله أمرا حتما عليهم قاطعا وقوله وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً [[سورة البقرة: 237.]] يعني لهن قطعة من المال. وقد فرضت للرجل أي جعلت له قطعة من المال. قول الشاعر: إذ أكلت سمكا وفرضا ... ذهبت طولا وذهبت عرضا [[الصحاح: 3/ 1097 لفظة: الفرض.]] فالفرض هاهنا التمر، وقد سمي التمر فرضا لأنه يؤخذ في فرائض الصدقة. ثم قال إبليس وَلَأُضِلَّنَّهُمْ [بمعنى هؤلاء] [[كذا في المخطوط ولعله: ولأوهمنهم، كما في معاني القرآن للنحاس: 2/ 193.]] وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ أنّه لا جنة، ولا نار، ولا بعث. وقال بعضهم: وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ أي ألقي في قلوبهم [الهيمنة] وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذانَ الْأَنْعامِ أي يقطعونها ويشقونها وهي البحيرة وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ. قال ابن عباس عن الحسن وقتادة ومجاهد والضحاك وسعيد بن جبير: يعني دين الله نظير قوله تعالى: لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ أي لدين الله. وقال عكرمة وقوم من المفسرين: معناه: فلنغيرنّ خلق الله [بالخضاب] والوشم وقطع الآذان وفقء العيون. قال أهل المعاني: معنى قوله (فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ) إن الله خلق الانعام لتركبوها وتأكلوها فحرموها على أنفسهم، وخلق الشمس والقمر والحجارة مسخرة للناس ينتفعون بها فعبدها المشركون فغيروا خلق الله وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطانَ وَلِيًّا أي ربّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فيطيعوه فَقَدْ خَسِرَ خُسْراناً مُبِيناً يَعِدُهُمْ إلا يلقون خيرا وَيُمَنِّيهِمْ الفقر ألّا ينفقون في خير ولا يصلون رحما، فقال يُمَنِّيهِمْ ان لا بعث ولا جنة ولا نار وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلَّا غُرُوراً أي باطلا أُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ يعني مصيرهم جهنم وَلا يَجِدُونَ عَنْها مَحِيصاً أي منعا قال عوف: بلغني من المؤمن بكيده من الشيطان بأكثر من مضر لو أبدلهم الله له لمات، وإن قيل خبرونا عن قول إبليس لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبادِكَ نَصِيباً مَفْرُوضاً [[سورة النساء: 118.]] كيف علم ذلك؟ يقال: قد قيل في هذا أجوبة، منها: إن قالوا إنّ الله تبارك وتعالى كان خاطبه بقوله لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ [[سورة هود: 119.]] فعلم إبليس انه ينال من ذرية آدم ما يتمناه. ومنها: ان قالوا إنه لما وسوس لآدم نال منه ما نال، طمع في ولده ولم ينل من آدم جميع ما يتمناه من الغواية فكذلك طمع في بعض ولده وأيس من جميعهم. ومنها ان قالوا ان إبليس قد عاين الجنة والنار وعلم ان الله خلقهما لأن يسكنهما من الناس والشيطان، فعلى هذا التأويل قال لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبادِكَ نَصِيباً مَفْرُوضاً [[سورة النساء: 118.]] وإن قيل: لخبرونا عن إضلال الشيطان هل إليه نجح فعله وإنفاذ أمره أم لا؟ يقال له: معنى إضلاله الدعاء إلى الضلالة والتزين له ولو كانت الضلالة إليه لأضل الخلق جميعا ولذلك منّ به أباهم وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ أي من تحت الغرف والمساكن خالِدِينَ فِيها أَبَداً وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا أي وهذا لَيْسَ بِأَمانِيِّكُمْ وَلا أَمانِيِّ أَهْلِ الْكِتابِ. قال قتادة والضحاك: إن المسلمين وأهل الكتاب تناظروا، فقال أهل الكتاب: نبينا قبل نبيكم وكتابكم، ونحن أولى بالله منكم، فقال المسلمون: نحن أولى بالله منكم ونبينا خاتم النبيين، وكتابنا [يفي] على الكتب التي كانت قبله فأنزل الله تعالى لَيْسَ بِأَمانِيِّكُمْ الآية. وقال مجاهد: قالت قريش: لا نبعث ولا نحاسب. وقال أهل الكتاب لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً [[سورة البقرة: 80.]] فأنزل الله لَيْسَ بِأَمانِيِّكُمْ وَلا أَمانِيِّ أَهْلِ الْكِتابِ. واسم ليس مضمر المعنى لَيْسَ ثواب الله بِأَمانِيِّكُمْ وَلا أَمانِيِّ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ لا ينفعه يمينه وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً. الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس: لمّا نزلت هذه الآية شقّت على المسلمين مشقّة شديدة، وقالوا: يا رسول الله وأيّنا لم يعمل سوءا غيرك وكيف الجزاء؟ فقال: «منه ما يكون في الدنيا فمن يعمل حسنة فله عشر حسنات، ومن يجازي بالسيئة نقصت واحدة من عشرة وبقيت له تسع حسنات، فويل لمن غلب إحداه عشراه. وأما ما كان جزاءه في الآخرة فإنه يؤخر إلى يوم القيامة فيقابل بين حسناته وسيئاته، وينظر في الفضل فيعطى الجزاء في الجنة، فيعطى كل ذي عمل فضله» [[عون المعبود: 8/ 247.]] [383] . وروى إسماعيل عن أبي خالد عن أبي بكر بن أبي زهير عن أبي بكر الصديق قال: يا رسول الله كيف الصلاح بعد هذه الآية؟ فقال رسول الله ﷺ‎ «أية آية؟» فقال يقول الله لَيْسَ بِأَمانِيِّكُمْ وَلا أَمانِيِّ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ قال: ما علمنا جزينا فقال له النبي ﷺ‎: «قد هلك يا أبا بكر ألست تمرض ألست تغب ألست يصبك القرف» قال: بلى، قال: «فهو ما يجزون به» [[مسند أحمد: 1/ 11 بتفاوت.]] [384] . وعن عبد الله بن عمر يحدث عن أبي بكر الصديق (رضي الله عنه) قال: كنت عند رسول الله ﷺ‎ فنزلت هذه الآية في سورة النساء مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً فقال رسول الله ﷺ‎: «يا أبا بكر ألا اقرئك آية نزلت عليّ؟» قلت: بلى يا رسول الله، قال: «فاقرأنيها فلا أعلم أني وجدت انفصاما في ظهري حتى تمطّيت لها» فقال: «مالك يا أبا بكر» . فقلت: بأبي أنت وأمّي، وأينا لم يعمل سوءا وإنا لمجزيون بكل سوء عملناه، فقال النبي ﷺ‎: «أما أنت يا أبا بكر وأصحابك المؤمنون فتجزون ذلك في الدنيا حتى تلقوا الله وليس لكم ذنوب» . وأما الآخرون فتجمع ذنوبهم حتى يجزوا يوم القيامة [[تفسير ابن كثير: 1/ 571 والدرّ المنثور: 2/ 226.]] [385] . وقال عطاء: لما نزلت لَيْسَ بِأَمانِيِّكُمْ وَلا أَمانِيِّ أَهْلِ الْكِتابِ. [قال أبو بكر: يا رسول الله ما أشدّ هذه الآية! قال: «يا أبا بكر إنّك تمرض، وإنّك تحزن، وإنك يصيبك أذى، فذاك بذاك» ، وقال عطاء] : قال أبو بكر: جاءت قاصمة الظهر يا رسول الله، قال النبي ﷺ‎: «إنّما هي المصيبات في الدنيا» [[تفسير الطبري: 5/ 400 وما بين معكوفين منه.]] [386] . وروى عبد الله بن أبي مليكة عن القاسم بن محمد عن عائشة قالت: قلت: إني لأعلم أي آية من كتاب الله نزلت ببعض مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ. قال: إن المؤمن يجازى بأسوإ عمله في الدنيا ثم ذكر أشياء منه المرض والنصب وكان آخرون يذكر نصبه إليك كله كل يجازي بعمله، يا عائشة ليس أحد يحاسب يوم القيامة إلا يعذب قالت: فقلت: أليس يقول الله تعالى فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً قال: ما ذلك [العرض] إنه من نوقش في العذاب عذب فقال بيده: على المصيبة كان ينكث. وروى ابن ميثم بن يزيد عن عبد الله بن الأرقم قال عن أبي هريرة يقول: لما نزلت لَيْسَ بِأَمانِيِّكُمْ وَلا أَمانِيِّ أَهْلِ الْكِتابِ بكينا وحزنّا وقلنا: يا رسول الله ما أبقت هذه الآية من شيء، قال: «أما المذنب فمن يده إنها لكم أنزلت ولكن أبشروا وقاربوا وسدّدوا إلّا أنه لا يصيب أحدا منكم مصيبة في الدنيا إلّا كفّر الله به خطيئة حتى الشوكة يشاكها أحدكم في قدمه» [[تفسير الدرّ المنثور: 2/ 227.]] [387] . وقال الحسن: في قوله تعالى مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ قال: هو الكافر، لا يجزي الله المؤمن يوم القيامة، ولكن المؤمن يجزى بأحسن عمله ويتجاوز عن سيئاته. ثم قرأ لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ [[سورة الزمر: 35.]] الآية، وقرأ أيضا، وَهَلْ نُجازِي إِلَّا الْكَفُورَ [[سورة سبأ: 17.]] . قال الثعلبي: وقلت: لولا السيئة لأتي [الجزاء] في الكفار. لقوله في سياق الآية وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً ومن لم يكن له في القيامة نصير ولا ولي كان كافرا فإن الله عز وجل قد ضمن بنصرة المؤمنين في الدارين بقوله إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا [[سورة غافر: 51.]] الآية. ولكن الخطاب متى ورد مجملا وبيّن الرسول [ذلك على] لسانه إذ البيان إليه قال الله تعالى لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ وأنزل إليهم ثم بين الله تعالى فضل المؤمنين على مخالفيهم فقال وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيراً الآية يعني تكون في ظهر النواة. عن مسروق قال: لما نزلت هذه الآية لَيْسَ بِأَمانِيِّكُمْ وَلا أَمانِيِّ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ قال أهل الكتاب: نحن وأنتم سواء حتى نزلت وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ ونزل فيهم أيضا وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً [قد علم ربّنا] مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ. الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس: يعني أخلص لله عمله، وقيل: فوّض أمره إلى الله، وقيل: مفلح وَهُوَ مُحْسِنٌ أي موحد وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ يعني دين إبراهيم حَنِيفاً مسلما مخلصا. قال ابن عباس: ومن دين إبراهيم الكعبة والصلاة ويطوفون بها وحولها والسعي بين الصفا والمروة ورمى الجمرات وحلق الرأس والموقفان، وسائر المناسك فمن صلّى نحو القبلة وأقرّ بهذه الصفة فقد اتبع ابراهيم (عليه السلام) وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلًا. الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس، في قوله تعالى وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلًا صفيا وخليلا من [قولهم] : أبا الضيفان يضيف من مرّ به من الناس، وكان منزله على ظهر الطريق، فأصاب الناس سنة وجهدوا عنها واجتمعوا على باب داره يطلبون الطعام، وكانت الميرة له كل سنة من صديق له بمصر فبعث غلمانه بالإبل إلى ذلك الخليل فسأله الميرة. قال خليله لغلمانه: لو كان إبراهيم إنّما يريده لنفسه احتملنا ذلك له فقد دخل علينا ما دخل على الناس من الشدة، فرجع رسل إبراهيم إليه فمروا بالبطحاء يعني السهلة، فقالوا: لو انا حملنا من هذه البطحاء ليرى الناس إنا قد جئنا بميرة، إنا نستحي أن نمر بهم وإبلنا فارغة، قال: فملأوا تلك الغرائر سهلة ثم إبراهيم (عليه السلام) وساره نائمة، فأعلموا ذلك، واهتم إبراهيم لمكان الناس ببابه، فغلبته عيناه فنام واستيقظت سارة، وقد ارتفع النهار، فقالت: سبحان الله ما جاء الغلمان فقالوا لها: بلى قالت: فما جاءوا بشيء، قالوا: بلى، فقامت إلى تلك الغرائر ففتحتها فإذا هو أجود حواري يكون فأمرت الخبازين فخبزوا وطعموا، قال: فلمّا استيقظ إبراهيم فوجد ريح الطعام، فقال: يا سارة من أين هذا الطعام؟ قالت: من عند خليلك المصري؟ قال: هذا من عند خليلي الله، لا من عند خليلي المصري. قال: فيومئذ اتخذه الله خليلا مصافيا [[أسباب النزول للواحدي: 122.]] . وقال الزجاج: الخليل الذي ليس في محبته خلل فجائز أن يكون سمي خليل الله بانه الذي أحبه واصطفاه بالجنة تامة. وجائز أن يسمّى خليل الله أي فقير إلى الله لأنه لم يجعل فقره وفاقته إلّا إلى الله مخلصا في ذلك. قال الله أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللَّهِ لإن معنى الخليل في اللغة. قد قيل: هو الفقير. قال زهير يمدح حرم بن سنان: فإن أتاه خليل يوم مسألة ... يقول لا غائب مالي ولا حرم والخلة: الصداقة، والخلة: [الحاجة] ، فإذا جعلنا اشتقاق الخليل من الخلة فهو الإخلال الذي يلحق الإنسان فيما يحتاج إليه، وإن جعلنا من الخلة فهو أصل الصداقة ومعناهما جميعا واحد لأن كل واحد منهما يسد خلل صاحبه في المودة والحاجة إليه. والخلل: كل فرجة يقع في شيء، والخلال الذي يتخلل به، وإنما سمي خلالا لأنه منع به الخلل من الأسنان، والخل: الطريق في الرمل، معناه إنه انفرجت فيه فرجة، فصارت طريقا في الأرض والخلّ الذي يؤكل إنما سمي خلا لأنه أخل منه طعم الحلاوة وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَكانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطاً أي لبساطة عمله لجميع الأشياء.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب