الباحث القرآني

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ الآية. الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس: نزلت هذه الآية في عبد الله بن سلام وأسد وأسيد ابني كعب وثعلبة بن قيس بن كعب وسلام ابن اخت عبد الله بن سلام، وسلامة بن أخيه ويامين ابن يامين، فهؤلاء مؤمنو أهل الكتاب. أتوا رسول الله ﷺ‎ وقالوا: يا رسول الله إنا نؤمن بك وبكتابك، وبموسى والتوراة، وعزيز ونكفر بما سواه من الكتب والرسل، فقال لهم النبي ﷺ‎: «بل آمنوا بالله ورسوله محمد وبكتابه القرآن وبكل كتاب كان قبله» [[الدرّ المنثور: 234.]] [391] فقالوا: لا نفعل، فأنزل الله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلى رَسُولِهِ يعني القرآن وَالْكِتابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ يعني الكتب المتقدمة التوراة والإنجيل والزبور وسائر الكتب المتقدمة وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ إلى قوله ضَلَّ ضَلالًا بَعِيداً يعني خطأ خطأ بعيدا، فلما نزلت هذه الآية، قالوا: يا رسول الله فإنّا نؤمن بالله ورسوله وبالقرآن وبكلّ رسول وكتاب كان قبل القرآن والملائكة واليوم الآخر لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ كما فعلت اليهود والنصارى، وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ فدخلوا في الإسلام. وقال الضحاك: هي في اليهود والنصارى، ومعنى الآية: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا بموسى والتوراة وعيسى والإنجيل آمَنُوا بمحمد والقرآن. وقيل: إنه ورد في اليهود خاصة، والمعنى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا في وجه النهار آمَنُوا في آخر النهار، وذلك قوله تعالى وَقالَتْ طائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهارِ الآية. وقال [أبو العالية] وجمع من المفسرين: هذه الآية خطاب للمؤمنين وتأويله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا أي أقيموا واثبتوا على الإيمان، وكقوله لنبيه ﷺ‎ (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ) أي اثبت على ما أنت عليه وكقوله وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ [[سورة المائدة: 9.]] ومعناه: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا على الإيمان من أصحاب النبي ﷺ‎ الذين هم في هذه القصة مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً، ويقال في الكلام للقائم: قم، وللقاعد: أقعد، والمراد منه الاستدامة. ويقال: أنها خطاب للمنافقين الذين أصروا التكذيب ومعناها: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا في الملأ آمَنُوا في الخلاء، وقال آخرون: المراد منه الكفار يعني: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا باللات والعزى والطاغوت آمِنُوا بِاللَّهِ، ومعناه: إن كان لا بد للإيمان يعني فالإيمان بالله تعالى ورسله والكتب أحق وأولى من الإيمان بما لا يضر ولا ينفع ولا ينفق ولا يرزق ولا يحيي ولا يميت، والله أعلم. ثم ذكر من لم يؤمن من أهل الكتاب، فقال: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا بموسى ثُمَّ كَفَرُوا بموسى ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا بعد عزير بالمسيح وكفرت النصارى بما جاء به موسى وآمنوا بعيسى بن مريم ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً بمحمد وبما جاء به. قتادة: هم اليهود والنصارى آمنت اليهود بالتوراة ثُمَّ كَفَرُوا وآمنت النصارى بالإنجيل ثم كفرت وكفرهم هو [تكذيبهم] إياه، ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً بالقرآن وبمحمد ﷺ‎ وقال مجاهد: ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً أي ماتوا عليه لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ ما أقاموا على ذلك وَلا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا سبيل هدى. وقال ابن عباس: يدخل في هذه الآية كل منافق كانوا على عهد رسول الله ﷺ‎. قال نحو ذكر ما في هذه الآية من الكلام على أهل القدر. يقال لأهل القدر: خبرونا عن الكفار هل هداهم الله عز وجل إلى الإسلام؟ فإن قالوا: نعم. قيل كيف يجوز أن يقال إن الله هداهم وقد قال الله تعالى وَلا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا؟ قيل: ومعناه إنه لا يهديهم إلى طريق الجنة يقال لهم كيف يهديه إلى طريق الجنة وقد هداه عندك لأن من أصلك إن العبد إنما يدخل الجنة فمعناه أنه يدخل الجنّة لفعله ويدخل النار بفعله، وقد هداه إلى طريق الجنة بهدايته إلى الإسلام فكيف يصح هذا التأويل على أصلك؟ واعلم أنهم إذا ألزمهم الشيء، فقالوا في التأويل، فإذا فحصت عن تأويلهم بان لك فساد قولهم. واعلم إن الله عز وجل قد بيّن لك إنه لا يهديهم سبيلا ليعلم العبد إنما يقال هدي بالله عز وجل ويحرم الهدى بإراده الله عز وجل ثم لا يكون لهم عاذر بنفي الهدى عنهم، ولا مزيلا للحجة بَشِّرِ الْمُنافِقِينَ نبّئهم يا محمّد بِأَنَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً. قال الزجاج: بَشِّرِ أي اجعل في موضع بشارتك لهم العذاب الأليم، والعرب تقول: تحيتك الضرب، وعتابك السيف، أي تضع الضرب موضع التحية [والسيف موضع العتاب] [[زيادة منّا لتمام المعنى.]] . وقال الشاعر: وخيل قد دلفت [[دلفت: زحفت.]] لها بخيل ... تحية بينهم ضرب وجمع [[لسان العرب: 5/ 264.]] ثم وصف المنافقين فقال الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ أنصارا وبطانة مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ يعني الرفد والمعونة والظهور على محمّد وأصحابه. وقال الزجاج: العزة يعني المنعة والشدة والغلبة مأخوذ من قولهم: أرض عزاز أي صلبة لا يفيد عليها شيء ويقال: استعز على المريض اشتد وجعه، وقولهم يعز عليّ أي يشتد، وقولهم إذا عز الشيء لم يوجد فتأويله قد اشتد وجود وصف إن وجد فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً أي القدرة لله جميعا وهو سيد الأرباب. ثم قال وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ يا معشر المسلمين بمكة فِي الْكِتابِ أَنْ إِذا سَمِعْتُمْ آياتِ اللَّهِ يعني القرآن يُكْفَرُ بِها وَيُسْتَهْزَأُ بِها فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ أي يأخذوا في حديث غير الاستهزاء بمحمد وأصحابه والقرآن. وذلك إن المنافقين كانوا يجلسون إلى أحبار اليهود فيستهزءون بالقرآن ويكذبون به ويحرفونه عن مواضعه فنهى الله تعالى المسلمين عن مجالستهم ومخالطتهم، والذي نزل في الكتاب قوله تعالى وَإِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ [[سورة الأنعام: 68.]] الآية. الضحاك عن ابن عباس: ودخل في هذه الآية كل محدث في الدين، وكل مبتدع إلى يوم القيامة. الكلبي عن أبي صالح: صح هذا القول بقوله عز وجل وَما عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ الشرك والاستهزاء مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَلكِنْ ذِكْرى أي ذكروهم وعظوهم بالقرآن لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ الاستهزاء بمحمّد والقرآن إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ إذا قعدتم عندهم فأنتم إذا مثلهم إِنَّ اللَّهَ جامِعُ الْمُنافِقِينَ وَالْكافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ أي ينتظرون بكم الدوائر يعني المنافقين فَإِنْ كانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ يعني النصر والغنيمة قالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ على دينكم فأعطونا من الغنيمة وَإِنْ كانَ لِلْكافِرِينَ نَصِيبٌ يعني دولة وظهورا على المسلمين قالُوا يعني المنافقين أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ ألم نخبركم بعزيمة محمد ﷺ‎ وأصحابه ونطلعكم على سرّهم. وقال أهل اللغة: أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ ويغلب عليكم قال: استحوذ أي غلب. وفي الحديث كان عمر أحوذنا أي غالب أمرنا في الحق. وقال العجّاج: يحوذهن وله حوذي. ... [كما يحوذ الفئة] الكميّ [[الحوذ: السير الشديد، والحوز: السير برفق، والبيت في تصحيفات المحدثين للعسكري: 206.]] . الكميّ. أي يغلب عليها ويجمعها، ويروى بالزاي فيهما. وقال النحويون: اسْتَحْوَذَ خرج على الأصل [[راجع لسان العرب: 3/ 487.]] ، فمن قال: حاذ يحوذ لم يقل إلّا استحاذ يستحذ وإن كان أحوذ يحوذ كما قال بعضهم: أحوذت [وأطّيبت] بمعنى أحذت وأطبت. قال اسْتَحْوَذَ استخرجه على الأصل وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ونمنعكم منازلة المؤمنين فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ يعني بين أهل الإيمان وأهل النفاق ثم يفصل بينهم وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا. عكرمة والضحاك عن ابن عباس يعني حجة. الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس: وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ يعني أصحاب محمد ﷺ‎ سَبِيلًا يعني ظهورا عليهم. وقال علي (رضي الله عنه) : وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ في الآخرة ، وفي هذه الآية دليل على أن المنافق ليس بمؤمن وليس الإيمان هو الإقرار فقط، إذ لو كان الإيمان هو الإقرار لكانوا بذلك هم مؤمنين. وفيه دليل أيضا على صحة نبوة النبي ﷺ‎ لأن القوم كانوا كاتمين اعتقادهم فأظهر الله عز وجل رسوله على اعتقادهم وكان ذلك حجة له عليهم إذ علموا إنه لا يطلع على ضمائر القلوب إلا البارئ جل وعز.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب