الباحث القرآني

إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا ضَلالًا بَعِيداً إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا يعني اليهود الذين علم الله تعالى منهم إنهم لا يؤمنون لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً يعني دين الإسلام إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ يعني اليهودية خالِدِينَ فِيها أَبَداً وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً إلى قوله تعالى يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا الآية نزلت في النسطورية والماريعقوبية والملكانية والمرقوسية وهم نصارى نجران وذلك إن الماريعقوبية قالوا لعيسى: هو الله، وقالت النسطورية: هو ابن الله، وقالت المرقوسية: هو روح الله، فأنزل الله تعالى يا أَهْلَ الْكِتابِ يعني يا أهل الإنجيل وهم النصارى لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ أي لا تتشددوا في دينكم فتفتروا عليّ بالكذب، وأصل الغلو مجاوزة الحد في كل شيء، يقال: غلا بالجارية لحمها وعظمها إذا أسرعت الشباب فجاوزت لداتها [[لداته، اللدات جمع لدة: الترب، وهو الذي ولد معك وتربّى.]] يغلو بها غلوا وغلاء. خالد المخزومي: خمصانة فلق موشحها ... رؤد الشباب غلا بها عظم [[لسان العرب: 15/ 132.]] وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ لا تقولوا أن لله شركاء أو ابنا، ثم بين حال عيسى وصفته فقال إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وهو الممسوح المطهر من الذنوب والأدناس التي تكون في الناس كما يمسح للشيء من الأذى الذي يكون فيه فيطهر، عيسى ابن مريم لا ابن الله بل رسول الله [وعبده قال: إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتانِيَ الْكِتابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا] ردّ بهذا على اليهود والنصارى جميعا وَكَلِمَتُهُ يعني قوله: كُنْ، فكان بشرا من غير أب وذلك قوله تعالى كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ [[سورة آل عمران: 59.]] الآية وقيل: هي بشارة الله مريم بعيسى ورسالته إليها على لسان جبرئيل وذلك قوله تعالى إِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ وقال تعالى مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ ... أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ يعني أعلمها وأخبرها بها كما يقال: ألقيت إليك كلمة حسنة وَرُوحٌ مِنْهُ الآية. قال بعضهم: معناه ونفخة منه وذلك أن جبرئيل نفخ في درع مريم فحملت بإذن الله، فقال: وَرُوحٌ مِنْهُ لأنه بأمره كان المسيح وربما لأنه ريح يخرج من الروح [[هكذا في الأصل.]] ، قال ذو الرمة يصف شرر النار التي تسقط من القداحة: فقلت له ارمها إليك وأحيها ... بروحك واقتته لها قيتة قدرا [[لسان العرب: 2/ 460 وفيه: واجعله لها قتية، وكذا في تاج العروس.]] واجعل لها قوتا بقدر. يدل عليه قوله تعالى وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها الآية هذا معنى قول عذرتها. وقال أبو عبيدة: إنّه كان إنسانا بإحياء الله عز وجل إياه، يدل عليه قول السدّي وَرُوحٌ مِنْهُ أي مخلوق من عنده، وقيل: معناه ورحمة من الله تعالى، عيسى رحمة لمن شهد وآمن به، يدل عليه قوله في المجادلة وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ [[سورة المجادلة: 22.]] أي قوّاهم برحمة منه، فدلّ الروح بالوحي أوحى إلى مريم بالبشارة وأوحى إلى مريم بالمسيح وأوحى أنه ابن مريم يدلّ عليه [قوله تعالى: بِرُوحٍ مِنْهُ] يعني بالوحي، وقال في حم المؤمن: يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ [[سورة غافر: 15.]] . وقال: وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا [[سورة الشورى: 52.]] أي وحينا، وقيل: اهدنا بروح جبرئيل فقال: وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ وألقى إليها أيضا روح منه وهو جبرائيل. يدل عليه قوله في النحل قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ [[سورة النحل: 102.]] نظيره في الشعراء قال: نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ [[سورة الشعراء: 193.]] وقال وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ [[سورة البقرة: 87.]] وقال يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ [[سورة النحل: 2.]] يعني جبرئيل، وقال فَأَرْسَلْنا إِلَيْها رُوحَنا [[سورة مريم: 17.]] الروح الوحي يعني من الإضافة إليه على التخصيص كقوله لآدم (عليه السلام) وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي [[سورة الحجر: 29.]] . قال الثعلبي: وسمعت الأستاذ أبا القاسم الحبيبي يقول: كان لهارون الرشيد غلام نصراني متطبّب وكان أحسن خلق الله وجها وأكملهم أدبا وأجمعهم للخصال التي يتوسل بها إلى الملوك وكان الرشيد مولعا بأن يسلم وهو ممتنع وكان الرشيد يمنيه الأماني [فيأبى] فقال له ذات يوم: ما لك لا تؤمن؟ قال: لأن في كتابكم حجة على من انتحله، قال وما هو؟ قال: قوله وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ أفغير هذا دين النصارى أن عيسى جزء منه، [فغمّ] قلب الرشيد لذلك فدعا العلماء والفقهاء فلم يكن منهم من يزيل تلك الشبهة حتى قيل: قدم حجاج خراسان وفيهم رجل يقال له علي بن الحسين بن واقد من أهل مرو إمام في أهل القرآن، فدعاه وجمع بينه وبين الغلام، فسأل الغلام فأعاد قوله، فاستعجم على علي بن الحسين الوقت جوابه فقال: يا أمير المؤمنين قد علم الله في سابق علمه أن مثل هذا [الحدث] يسألني في مجلسك، وإنه لم يخل كتابه من جوابي وليس يحضرني في الوقت لله عليّ أن لا أطعم حتى آتي الذي فيأمن حقها ان شاء الله، فدخل بيتا مظلما، وأغلق عليه بابه [وانشغل] في قراءة القرآن حتى بلغ سورة الجاثية وَسَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ فصاح بأعلى صوته: افتحوا الباب فقد وجدت، ففتحوا، ودعا الغلام وقرأ عليه الآية بين يدي الرشيد، وقال: إن كان قوله (وَرُوحٌ مِنْهُ) توجبان عيسى بعض منه وجب أن يكون ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ بعضا منه، فانقطع النصراني وأسلم وفرح الرشيد فرحا شديدا ووصل علي بن الحسين بصلة فاخرة فلما عاد إلى مرو صنف كتاب «النظائر في القرآن» وهو كتاب لا يوازيه في بابه كتاب. فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ قال أبو عبيدة: معناه ولا تقولوا هم ثلاثة. وقال الزجاج: ولا تقولوا آلهتنا ثلاثة، وذلك أنهم قالوا: أب وابن وروح القدس، انْتَهُوا عن كفركم خَيْراً لَكُمْ إلى قوله نْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وذلك إن وفد نجران قالوا: يا محمد لم تعيب صاحبنا؟ قال: ومن صاحبكم؟ قالوا: عيسى. قال: وأي شي أقول؟ قال: تقول أنه عبد الله ورسوله، فقال لهم: إنه ليس بعار لعيسى إن يكون عبدا لله. قالوا: بلى، فنزلت نْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ الآية. لم يأنف ولم يتعظّم ولم [يختتم] [[هكذا في الأصل.]] وأصله الأنفة، والتجنب وأصله في اللغة من قولهم نكفت الدمع إذا نحيته بإصبعك عن خدك. قال الشاعر: فباتوا فلولا ما تذكر عنهم ... من الحلف لم ينكف لعينيك تدمع لَا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ هم حملة العرش لا يأبون ان يكونوا عبيدا لله، لأن من الكفار من اتخذ الملائكة آلهة فلذلك ذكرهم ثم أوعدهم فقال مَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعاً المستكبر والمقر فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ في [التضعيف] ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا عن عبادته وَاسْتَكْبَرُوا عن السجود فَيُعَذِّبُهُمْ عَذاباً أَلِيماً وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً ثم قال (اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا) .
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب