الباحث القرآني

أَمْ يَحْسُدُونَ يعني اليهود النَّاسَ: قال قتادة: يعني العرب حسدوهم على النبوّة وبما أكرمهم الله تعالى به محمد ﷺ‎. عن محمد بن كعب القرظي قال: سمعت عليا (عليه السلام) على المنبر في قوله أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ قال: هو رسول الله وأبو بكر وعمر (عليهم السلام) . وقال آخرون: المراد بالناس هنا يعني رسول الله ﷺ‎، حسدوه على ما أحل الله له من النساء وذلك ما روى علي بن علي عن أبي حمزة الثمالي في قوله أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ يعني بالناس في هذه الآية نبيّ الله، قالت اليهود: انظروا إلى هذا النبي، والله ما يشبع من طعام، لا والله ماله همّ إلّا النساء، لو كان نبي لشغله أمر النبوة عن النساء، فحسدوه على كثرة نسائه وعيّروه بذلك فقالوا: لو كان نبيّا ما رغب في كثرة النساء، فأكذبهم الله تعالى فقال: فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ، يعني بالحكمة النبوّة. وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً فأخبرهم بما كان لداود وسليمان من النساء، فوبّخهم لذلك، فأقرت اليهود لنبي الله (عليه السلام) أنّه اجتمع عند سليمان ألف امرأة، ثلاثمائة مهرية وسبعمائة سرية، وعند داود مائة امرأة. فقال لهم رسول الله ﷺ‎: ألف امرأة عند رجل، ومائة امرأة عند رجل أكثر أو تسع نسوة؟ وكان يومئذ تسع نسوة عند رسول الله ﷺ‎ فسكتوا [[تفسير أبي حمزة الثمالي: 144، والدر المنثور: 2/ 173.]] . قال الله تعالى: فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ يعني بمحمد ﷺ‎، يعني عبد الله بن سلام وأصحابه وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ أعرض عنه فلم يؤمن به وَكَفى بِجَهَنَّمَ سَعِيراً وقودا. قال السدي: [الآيتان] راجعتان الى إبراهيم (عليه السلام) وذلك أنه زرع ذات سنة وزرع الناس، فهلكت زروع الناس وزكا زرع إبراهيم، واحتاج الناس إليه، وكانوا يأتون إبراهيم (عليه السلام) يسألونه، فقال لهم: من آمن بالله أعطيته، ومن أبى منعته، فمن آمن به أتاه الزرع ومن أبى لم يعطه [[المصدر السابق.]] . عن عمرو بن ميمون الأودي قال: لمّا تعجل موسى (عليه السلام) إلى ربّه عزّ وجل، مرّ برجل غبطه لقربه من العرش، فسأل عنه، فقال: يا ربّ من هذا؟ فقيل له: لن يخبرك اسمه، وسيخبرك بعمله، كان لا يمشي بالنميمة، ولا يحسد الناس عَلى ما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ، وكان لا يعقّ والديه. أبو زياد عن أنس قال: قال رسول الله ﷺ‎: «الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب» [[سنن ابن ماجة: 2/ 1408 ح 4210.]] [349] . وعن يوسف بن الحسين الرازي قال: سمعت ذا النون يقول: الحسود لا يسود. الأصمعي قال: قال سفيان لمغني: إنّ الله يقول: «الحاسد عدوّ نعمتي غير راض بقسمتي بين عبادي» . قال الثعلبي: وأنشدت لمنصور الفقيه في معناه: ألا قل لمن كان لي حاسدا ... أتدري على من أسأت الأدب أسأت على الله في فعله ... إذا أنت لم ترض لي ما ذهب جزاؤك منه الزيادات لي ... وأن لا تنال الذي تطلب [[روضة الواعظين للفتال النيشابوري: 424.]] إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِنا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ ناراً ندخلهم نارا، وقرأ حميد بن قيس: نصليهم بفتح النون: أي نسوّيهم، وقيل: معناه نصليهم. فنصب نارا على هذه القراءة بنزع الخافض تقديره بنار. كُلَّما نَضِجَتْ (جُلُودُهُمْ) بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها غير الجلود المحترقة. قال ابن عبّاس: يبدّلون جلودا بيضا كأصناف القراطيس. نافع عن ابن عمر قال: قرأ رجل عند عمر كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها قال عمر: أعدها، فأعادها، قال معاذ بن جبل: عندي تفسيرها: بدّلت في ساعة مائة مرّة؟، قال عمر: هكذا سمعت رسول الله ﷺ‎ يقول. هشام عن الحسن في قوله تعالى: كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها قال: تأكلهم كل يوم سبعين ألف مرّة كلّما أكلتهم فأنضجتهم قيل لهم: عودوا فيعودون كما كانوا. المسيّب عن الأعمش عن مجاهد قال: ما بين جلده ولحمه ودمه دود فأجلدت كجلدة حمر الوحش. الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي ﷺ‎: «غلظ جلد الكافر اثنان وأربعون ذراعا وضرسه مثل أحد» [[كنز العمال: 14/ 529، والدر المنثور: 2/ 174.]] [350] . فإن قيل: كيف جاز أن يعذّب جلد لم يعصه قلنا: إنّ المعاصي والألم واقع على نفس. الإنسان لا الجلد، لأن الجلود إنما تألم بالأرواح، والدليل على من يقصد تعذيب الأبدان لا يعذّب [الجلود] قوله: لِيَذُوقُوا الْعَذابَ [[سورة النساء: 56.]] ، لم يقل ليذوق العذاب. وقيل: معناه: يبدّل جلودا هي تلك الجلود المحترقة، وذلك أنّ غير على ضربين: غير تضاد، وغير تناف، وغير تبديل، فغير تضاد مثل قولك: للصّائغ صغ لي من هذا الخاتم خاتما غيره فيكسره ويصوغ لك خاتما، فالخاتم المصوغ هو الأول ولكن الصياغة تغيّرت والفضّة واحد. وهذا كعهدك بأخ لك صحيحا ثم تراه بعد ذلك سقيما مدنفا فتقول: فكيف أنت؟ فيقول: أنا على غير ما عهدت، فهو هو، ولكن حاله تغيّرت، ونظير هذا قوله تعالى يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ [[سورة إبراهيم: 48.]] وهي تلك الأرض بعينها إلّا أنها قد بدّلت جبالها وآكامها وأنهارها وأشجارها، وأنشد: فما النّاس بالنّاس الذين عهدتهم ... ولا الدّار بالدّار التي كنت أعرف قال الثعلبي: وسمعت أبا القاسم الحبيبي يقول: سمعت أبا نصير محمد بن محمد بن مزاحم يقول: سمعت مزاحم بن محمد بن شاردة الكشي يقول: سمعت جابر بن زيد يقول: سمعت وكيع بن الجراح يقول: سمعت إسرائيل يقول: سمعت الشعبي يقول: جاء رجل إلى ابن عباس فقال: ألا ترى ما صنعت عائشة ذمّت دهرها وذلك [أنها] أنشدت بيتي لبيد: ذهب الذين يعاش في أكنافهم ... وبقيت في خلف كجلد الأجرب يتلذّذون مجانة ومذلّة ... ويعاب قائلهم وإن لم يشغب [[تفسير الطبري: 9/ 140، وتفسير القرطبي: 5/ 255، ولسان العرب: 9/ 84.]] فقالت: رحم الله لبيد وكيف لو أدرك زماننا هذا. فقال له ابن عباس: لئن ذمّت [عائشة] دهرها لقد ذمت عاد دهرها، وذلك إنه وجد في خزانة عاد بعد ما هلكت سهم كأطول ما يكون من رماحا عليه مكتوب: وليس لي أحناطي [[كذا في المخطوط وفي المعجم: ألا هل إلى أبيات شمخ بذي اللوى.]] بذي اللوى ... لوى الرمل من قبل النفوس [[في المعجم: الممات.]] معاد بلاد بها كنا ونحن من أهلها ... إذ الناس ناس [[في المعجم: إذ الأهل أهل.]] والبلاد بلاد [[معجم البلدان للحموي: 3/ 362.]] البلاد باقية كما هي إلّا أن أحوالها وأحوال أهلها تنكرت وتغيرت [[تفسير القرطبي: 5/ 255.]] . وقالت الحكماء: كما إن الجلد يلي قبل البعث فأنشئ كذلك تبدل [ورجع] . وقال: [السدّيّ] : إنما تبدل الجلود جلودا غيرها من لحم الكافر، يعيد الجلد لحما ويخرج من اللحم جلدا آخر لم يبدّل بجلد لم يعمل خطيئة. وقيل: أراد بالجلود سرابيلهم من قطران سمّيت بها للزومها جلودهم على [المجاورة] كما يقال للشيء [الخاص] بالإنسان هو جلدة ما بين [عضمه] ووجهه فكلما احترقت السرابيل عذّب. قال الشاعر: كسا اللؤم تيما خضرة في جلودها ... فويل لتيم من سرابيلها الخضر [[لسان العرب: 11/ 738 وتفسير القرطبي: 5/ 254.]] فكنّى عن جلودهم بالسرابيل. قال عبد العزيز بن يحيى: إن الله تعالى أبدل أهل النار جلودا لا تألم ويكون [رماده] عذاب عليهم فكلّما أحرق جلدهم أبدلهم الله تعالى جلدا غيره. يكون هذا عذابا عليهم كما قال: سَرابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرانٍ [[سورة إبراهيم: 50.]] فتكون السرابيل تؤلمهم ولا يألم. وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ إلى قوله ظِلًّا ظَلِيلًا. كثيف لا يسخنه الشمس. إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها. نزلت في عثمان بن طلحة الحجبي من بني عبد الدار وكان سادن الكعبة، فلما دخل النبي ﷺ‎ مكة يوم الفتح، أغلق عثمان باب البيت وصعد السطح فطلب رسول الله ﷺ‎ المفتاح، فقيل: إنّه مع عثمان، فطلب منه علي (رضي الله عنه) فأجاب: لو علمت إنه رسول الله لم أمنعه المفتاح، فلوى عليّ بن أبي طالب (رضي الله عنه) يده، فأخذ منه المفتاح وفتح الباب، ودخل رسول الله ﷺ‎ وصلّى فيه ركعتين، فلما خرج سأله العباس أن يعطيه المفتاح وجمع له بين السقاية والسدانة فأنزل الله تعالى هذه الآية فأمر رسول الله ﷺ‎ عليا أن يردّ المفتاح إلى عثمان، فأوعز إليه ففعل ذلك علي (رضي الله عنه) . فقال له عثمان: يا علي [كرهت] [[هكذا في الأصل.]] وآذيت ثم جئت ترفق، فقال له: بما أنزل الله تعالى في شأنك؟ وقرأ عليه هذه الآية. فقال عثمان: أشهد أن لا إله إلّا الله وأشهد أنّ محمدا رسول الله، وأسلم، فجاء جبرائيل رسول الله ﷺ‎ إنه مادام هذا البيت أول لبنة من لبناته قائمة فإن المفتاح والسدانة في أولاد عثمان وهو اليوم في أيديهم. وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا أي نعم الشيء أي يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كانَ سَمِيعاً بَصِيراً يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ. اختلفوا فيهم، فقال عكرمة: أولي الأمر منكم أبو بكر وعمر رضي الله عنهما، ويدلّ عليه ما روى مالك بن أنس عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي شريح الكعبي أن رسول الله ﷺ‎ قال: «اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر [[المستدرك: 3/ 75.]] إن لي وزيرين في السماء ووزيرين في الأرض أما في السماء جبرئيل وميكائيل، وفي الأرض أبو بكر وعمر» ! [[الجامع الصغير: 1/ 373 ح 2438 وفيه: من أهل السماء، بدل: في السماء، ومن أهل الأرض، بدل: في الأرض.]] [351] وهما عندي بمنزلة الرأس من الجسد! ومثلهما في الدنيا بالرأفة فمثل أبي بكر كمثل ابراهيم وعيسى، قال إبراهيم: فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي [[سورة إبراهيم: 36.]] . وقال عيسى: إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ [[سورة المائدة: 118.]] الآية. ومثل عمر كمثل موسى ونوح قال موسى: رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ [[سورة يونس: 88.]] . وقال نوح: رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً [[سورة نوح: 26.]] . وقال أبو بكر [الورّاق] : هم الخلفاء الراشدون: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي (عليهم السلام) ، ويدلّ عليه ما روى [هشيم] عن ابن بشير عن أبي [الزبير عن] جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله ﷺ‎: «الخلافة بعدي في أمتي في أربع في أبي بكر وعمر وعثمان وعلي» [352] . وروي سعيد بن جمهان عن سفينة مولى رسول الله ﷺ‎ قال: لما بنى رسول الله ﷺ‎ المسجد، جاء أبو بكر بحجر فوضعه، ثم جاء عمر بحجر فوضعه، ثم جاء عثمان بحجر فوضعه فقال: هؤلاء ولاة الأمر من بعدي. عطاء: هم المهاجرون والأنصار والتابعون بالإحسان، دليل قوله تعالى: وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ الآية. بكر بن عبد الله المزني: هم أصحاب رسول الله ﷺ‎ يدلّ عليه قول النبيّ ﷺ‎: «أصحابي كالنجوم بأيّهم اقتديتم اهتديتم» [353] [[كشف الخفاء: 1/ 132.]] . وعن الحسن: إنّ رسول الله ﷺ‎ قال: «مثل أصحابي في الناس مثل الملح في الطعام فلما ذهب فسد الطعام» [354] [[الجامع الصغير: 2/ 533 ح 816 بتفاوت يسير، وكنز العمال: 11/ 531 ح 32476.]] . جابر بن عبد الله والحسن والضحاك ومجاهد والمبارك بن فضالة وإسماعيل بن أبي خالد: هم الفقهاء والعلماء أهل الدين والفضل الذين يعلّمون الناس معالم دينهم ويأمرونكم بالمعروف وينهونكم عن المنكر، وأوجب الله طاعتهم على العباد. هذه رواية علي بن أبي طلحة عن ابن عباس هو دليل هذا التأويل. قوله تعالى: وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ الآية. فقال أبو الأسود الدؤلي: ليس شيء أعزّ من العلم الملوك حكام على الناس والعلماء حكام على الملوك. ابن كيسان: أولو العقل والرأي الذين [يهتمّون] بأمور الناس. قال ابن عباس: أساس الدين بني على العقل وفرضت الفرائض على العقل، وربّنا يعرف بالعقل ويتوسل إليه بالعقل، والعاقل أقرب إلى ربه من جميع المجتهدين بغير عقل، ولمثقال ذرّة من [بر] العاقل أفضل من جهاد الجاهل ألف عام [[راجع روضة الواعظين: 4.]] . وعن إسماعيل بن عبد الملك قال: قال: [الثوري] أوحى الله تعالى إلى نبي من الأنبياء: إذا رأيت عاقلا فكن له خادما. ميمون بن مهران ومقاتل والسدي [والشعبي] : أمراء السرايا. [سعيد بن جبير] عن ابن عباس قال: بعث رسول الله ﷺ‎ خالد بن الوليد في سرية إلى حي من أحياء العرب وكان معه عمار بن ياسر فسار خالد حتى إذا دنا من القوم عرّس لكي ينصحهم فأتاهم [النذير] وهربوا غير رجل كان قد أسلم فأمر أصحابه تهيّأوا للمسير فثم انطلق حتى اتى عسكر خالد فدخل على عمار فقال: يا أبا اليقظان إني مسلم وإن قومي لما سمعوا بكم هربوا وأقمت كلامي ونافعي ذلك أو أهرب كما هرب قومي. فقال: أقم فإنّ ذلك نافعك، فانصرف الرجل إلى أهله وأمرهم بالمقام، فأصبح خالد وقام على القوم فلم يجد غير ذلك الرجل فأخذه وأخذ ماله فأتاه عمار فقال: خلّ سبيل الرجل فإنه مسلم وقد كنت آمنته وأمرته بالمقام. فقال خالد: إنك تجير عليّ وأنا الأمير، فقال: نعم. أجير عليك وأنا الأمير، وكان في ذلك منهما كلام، فانصرفوا إلى النبي ﷺ‎ فأخبروه خبر الرجل فآمنه النبي ﷺ‎ وأجاز أمان عمار ونهاه بعد ذلك على أمير بغير إذنه. قال: فاستبّ عمار وخالد أمام النبي ﷺ‎ فأغلظ عمار لخالد وغضب خالد وقال: يا رسول الله اتدع هذا العبد يسبني فو الله لولا أنت ما سبّني عمار. وكان عمار مولى لهاشم بن المغيرة. فقال رسول الله ﷺ‎: «يا خالد كف عن عمار فإنه من يسبّ عمارا يسبّه الله ومن يبغض عمارا يبغضه الله» [[أسباب نزول الآيات: 106.]] [355] ، فقام عمار وتبعه خالد فأخذ بثوبه وسأله أن يرضى عنه فرضي عنه. وأنزل الله هذه الآية وأمر بطاعة أولي الأمر. وقال أبو هريرة وابن زيد: هم الأمراء والسلاطين لما أمروا بأداء الأمانة في الرعيّة، لقوله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها [أمرت الرعية] بحسن الطاعة لهم. وقال عليّ كرم الله وجهه: «حق على الإمام أن يحكم بِما أَنْزَلَ اللَّهُ ويؤدي الأمانة، فإذا فعل ذلك حق على الرعية أن يسمعوا له ويطيعوا ويجيبوا إذا دعوا» [356] . قال الشافعي (رضي الله عنه) : إن من كان حول مكة من العرب لم يكن يعرف أمارة وكانت تأنف أن يعطي بعضها بعضا طاعة الأمارة، فلما دانت لرسول الله ﷺ‎ بالطاعة لم تكن ترى ذلك يصلح لغير رسول الله ﷺ‎ فأمروا أن يطيعوا أولي الأمر [[الرسالة للشافعي: 80، رقم 261.]] . وقال عكرمة: أمهات الأولاد أحرار بالقرآن. قيل له: أي القرآن قال: اعتقهن عمر بن الخطاب. ألم تسمع قول الله تعالى وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ وأن عمر من أولي الأمر! وأنه قال: أعتقها ولدها وإن كان سقطا. عبد الرحمن بن الأعرج وهمام بن منبه وأبو صالح كلهم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ‎: «من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصى الله ومن يطع الأمير فقد أطاعني ومن يعص الأمير فقد عصاني» [[رياض الصالحين: 338، ومسند الشاميين: 4/ 272، بزيادة نهاية الحديث في المصدر الثاني.]] [357] . وعن أبي حازم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ‎: «إن بني إسرائيل كانت تسوسهم الأنبياء فإذا مات نبي قام نبي وانه ليس بعدي نبي» [358] . فقال رجل: فما يكون بعدك؟ قال يكون خلفاء [ويكثر] . قالوا: وكيف نصنع؟ قال: « [أدوا] بيعة الأول فالأول، وأدّوا إليهم مالهم فإن الله سائلهم عن الذي لكم» [[صحيح ابن حبّان: 10/ 419.]] [359] . علقمة بن وائل عن أبيه قال: سمعت رسول الله ﷺ‎ ورجل يسأله: أرأيت إن كان علينا أمراء يمنعوننا حقّنا ويسألوننا حقّهم، فقال رسول الله ﷺ‎: «اسمعوا وأطيعوا فإنّ عليهم ما حمّلوا وَعَلَيْكُمْ ما حُمِّلْتُمْ» [[نظرات في الكتب الخالدة: 95.]] [360] . وعن أبي إمامة قال: سمعت رسول الله ﷺ‎ يقول: في حجة الوداع: «وهو على [الجدعاء] يعني ناقته فدعا في الركاب يتطاول» [361] . قال: ليسمع الناس فقال: ألا تسمعون؟ - يطول بها صوته- فقال قائل من طوائف الناس: ما تعهد إلينا يا رسول الله؟ فقال: «اعبدوا ربكم وصلّوا خمسكم وصوموا شهركم وأدّوا زكاة أموالكم وأطيعوا أولي الأمر تدخلوا جنة ربكم» [[كنز العمال: 5/ 294، بتفاوت يسير.]] [362] . مكحول عن معاذ بن جبل قال: قال رسول الله ﷺ‎: «يا معاذ أطع كل أمير وصل خلف كل إمام ولا تسبّنّ أحدا من أصحابي» [363] . هشام عن أبي صالح عن أبي هريرة أنّ رسول الله ﷺ‎ قال: «سيليكم بعدي ولاة فيليكم البر ببرّه والفاجر بفجوره فاسمعوا لهم وأطيعوا في كلّ ما وافق الحقّ وصلّوا وراءهم فإن أحسنوا فلكم ولهم وإن أساءوا فلكم وعليهم» [[المعجم الأوسط: 6/ 237.]] [364] . فَإِنْ تَنازَعْتُمْ اختلفتم فِي شَيْءٍ من أمر دينكم اختلاف الآراء فيتعاطى كلّ واحد ما يرى خلاف رأي صاحبه وأصله من النزع كان المتنازعين يتحازبان ويتحالفان، ومنه قال: مناوأة: منازعة. قال الأعشى: نازعتم قضب الريحان متكئا ... وقهوة مرّة راووقها خضل [[تفسير القرطبي: 5/ 261، والراووق: المصفّاة.]] فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ يعني إلى كتاب الله وَالرَّسُولِ ما دام حيّا، فإذا مات فإلى سنّته، وقوله: ذلِكَ خَيْرٌ أي ذلك الردّ خير لكم وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا جزاء وعاقبة، والتأويل ما يؤول للأمر. أبو المليح الهذلي عن معقل بن يسار قال: قال رسول الله ﷺ‎: «اعملوا بالقرآن، أحلّوا حلاله وحرّموا حرامه وآمنوا به ولا تكفروا بشيء منه، وما اشتبه عليكم، فردّوه إلى الله وإلى أولي العلم من بعدي كيما يخبروكم، وآمنوا به وآمنوا بالتوراة والإنجيل والزبور وَما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وليسعكم القرآن وما فيه من البيان فإنّه شافع مشفّع وكامل مصدّق وله بكلّ حرف نور يوم القيامة» [[تفسير الثعالبي: 1/ 177، والمستدرك: 1/ 568.]] [365] . أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا الآية. قال الحسن: انطلق رجل يحاكم آخر إلى النبي ﷺ‎ فقال: الآخر لا بل انطلق إلى وثن بيت فلان [فأنزل] الله هذه الآية. قال الشعبي: كان بين رجل من اليهود ورجل من المنافقين خصومة فقال اليهودي: أحاكمك إلى محمّد، وقال المنافق: لا، فجعل اليهودي يدعو إلى المسلمين لأنّه علم أنهم لا يقبلون الرشوة ولا يجورون في الحكم، وجعل المنافق يدعو إلى اليهود لأنّه علم أنّهم يقبلون الرشوة ويميلون في الحكم فاختلفا. ثم اتّفقا على أن يأتيا كاهنا في جهينة فيتحاكما إليه فأنزل الله تعالى هذه الآية. الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال: نزلت في رجل من المنافقين يقال له بسر، كان بينه وبين يهودي خصومة، فقال: انطلق بنا إلى محمّد وقال المنافق بل إلى كعب بن الأشرف، وهو الذي سماه الله الطاغوت، فأبى اليهودي أن يخاصمه إلّا إلى رسول الله ﷺ‎ فلمّا رأى المنافق ذلك أتى معه رسول الله ﷺ‎ فاختصما إليه، فقضى رسول الله ﷺ‎ لليهودي فلما خرجا من عنده لزمه المنافق، وقال: انطلق بنا إلى عمر (رضي الله عنه) فأقبلا إلى عمر، فقال اليهودي: اختصمت أنا وهذا إلى محمّد فقضى لي عليه فلم يرض بقضائه وزعم أنه يخاصم إليكم وأنه تعلق بي فجئت معه فقال عمر للمنافق: أكذلك؟ قال: نعم. فقال لهما: رويد كما حتى أخرج إليكما فدخل عمر البيت وأخذ السيف ثم خرج إليهما فضرب به المنافق حتى برد وقال. هكذا أقضي بين من لم يرض بقضاء الله وقضاء رسول الله ﷺ‎ وهرب اليهودي ونزلت هذه الآية. وقال جبريل: إن عمر فرق بين الحق والباطل فسمي الفاروق. وقال السدي: كان ناس من اليهود أسلموا وأبى بعضهم وكانت قريضة والنضير في الجاهلية إذا قتل رجل من بني قريضة رجلا من بني النضير قتل به وأخذ ديته مائة وسق تمر وإذا قتل رجل من بني النضير رجلا من قريضة لم يقتل به وأعطى ديته ستّين وسقا من تمر وكانت النضير وهم حلفاء الأوس أكثر وأشرف من قريضة وهم حلفاء الخزرج. فلما جاء الله بالإسلام وهاجر النبي ﷺ‎ إلى المدينة. قتل رجل من بني النضير رجلا من قريضة فاختصموا في ذلك. فقالت بنو النضير: قد كنا وأنتم اصطلحنا في الجاهلية على أن نقتل منكم ولا تقتلون منا، وعلى أن ديتكم ستون وسقا والوسق ستون صاعا وديتنا مائة وسق فنحن نعطيكم ذلك. وقالت الخزرج: هذا شيء كنتم قلتموه [[في المصدر: فعلتموه.]] في الجاهلية لأنكم كثرتم وقللنا، فقهرتمونا ونحن وأنتم اليوم إخوة وديننا ودينكم واحد وليس لكم علينا فضل، وقالت بنو النضير: لا بل نحن على ما كنا. فقال المنافقون منهم: انطلقوا إلى أبي بردة الكاهن الأسلمي ومالك بن خزيمة، وقال المسلمون من الفريقين: لا بل إلى النبي ﷺ‎، فأبى المنافقون فانطلقوا إلى أبي بردة ليحكم بينهم. فقال: أعظموا اللقمة- يعني الرشوة- فقالوا: لك عشرة أوسق قال: لا. بل مائة وسق ديتي فاني أخاف إن نصرت النضيري قتلتني قريظة أو أنصر قريظة قتلتني النضير، فأبوا أن يعطوه فوق عشرة أوسق وأبى أن يحكم بينهم، فأنزل الله تعالى هذه الآية وأنزل قوله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى [[سورة البقرة: 178.]] وقوله وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ [[سورة المائدة: 45.]] الآية فدعا النبي ﷺ‎ كاهن [اسلم] إلى الإسلام فأتى وانصرف فقال النبي ﷺ‎: لابنيه: «أدركا أباكما فإنّه إن جاوز عقبة كذا لم يسلم أبدا» [366] فأدركاه فلم يزالا به حتى انصرف وأسلم، فأمر النبي ﷺ‎ مناديا ينادي ذلك الكاهن أسلم قد أسلم [[أسباب النزول للواحدي: 109.]] ، فذلك قوله: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ يعني الصنم ، وقيل: الكاهن، وقيل: كعب بن الأشرف، وقيل: حيي بن أخطب. وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ إلى قوله: يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً إعراضا فكل الفعل بمصدره كقوله: وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسى تَكْلِيماً وقوله: وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً فَكَيْفَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ يعني فكيف يصنعون إذا أصابتهم مصيبة بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ يعني عقوبة صدودهم، هذا وعيد وتهديد وتم الكلام. ثم ابتدأ الخبر عن فعلهم يعني يتحاكمون إلى الطاغوت وهم يكفرون بالله ومعنى قوله ثُمَّ جاؤُكَ أي يحيوك. وقيل: أراد بالمصيبة قتل صاحبهم وذلك أنّ عمر (رضي الله عنه) لما قتل المنافق جاءوا قومه يطلبون الدية ويحلفون «إِنْ أَرَدْنا» ما أردنا بكون إن بمعنى إذ وبمعنى ما، أي ما أردنا بالترافع إلى عمر. إِلَّا إِحْساناً وَتَوْفِيقاً. قال الكلبي: إِلَّا إِحْساناً في القول وَتَوْفِيقاً صوابا. ابن كيسان: حقا وعدلا نظيرها وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنا إِلَّا الْحُسْنى أُولئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ ما فِي قُلُوبِهِمْ من النفاق فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ في الملأ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغاً وقيل: فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ باللسان ولا تعاقبهم، وقيل: توعّدهم بالقتل إن لم يتوبوا من الشرك أعرض عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ يعني في الملأ. وَقُلْ لَهُمْ ... قَوْلًا بَلِيغاً في السر والملأ، وقيل: هذا منسوخ بآية القتال.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب