الباحث القرآني

مدنية. وهي ألف وأربعمائة وخمسة وسبعون حرفا، وثلاثمائة وثلاثة وأربعون كلمة، وثماني عشرة آية أخبرنا أبو الحسن أحمد بن إبراهيم العبدوي قرأه عليه سنة أربع وثمانين وثلاثمائة، قال: أخبرنا أبو عمر ومحمّد بن جعفر بن محمّد العدل، قال: حدّثنا إبراهيم بن شريك بن الفضل، قال: حدّثنا أحمد بن عبد الله بن يونس، قال: حدّثنا سلام بن سليم المدائني، قال: حدّثنا هارون بن كثير، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن أبي أمامة عن أبي بن كعب، قال: قال رسول الله ﷺ‎: «من قرأ الحجرات أعطي من الأجر عشر حسنات بعدد من أطاع الله ومن عصاه» [60] [[تفسير مجمع البيان: 9/ 214.]] . بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ قرأ العامة (تُقَدِّمُوا) بضم (التاء) وكسر (الدال) من التقديم، وقرأ الضحّاك، ويعقوب بفتحهما من التقدّم. واختلف المفسّرون في معنى الآية، فروى علي بن أبي طلحة، عن ابن عبّاس، قال: لا تقولوا خلاف الكتاب والسنّة. عطية عنه: لا تتكلّموا بين يدي كلامه. وأخبرنا عبد الله بن حامد، قال: أخبرنا أبو الحسين عمر بن الحسن بن مالك الشيباني، قال: حدّثنا أحمد بن الحسن بن سعيد بن عثمان الخزاز. قال: حدّثنا حسين بن محارق أبو جنادة، عن عبد الله بن سلامة، عن السبعي، عن جابر بن عبد الله لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ قال: في الذبح يوم الأضحى، وإليه ذهب الحسن، قال: لا تذبحوا قبل أن يذبح النبيّ ﷺ‎، وذلك أن ناسا من المسلمين ذبحوا قبل صلاة النبي ﷺ‎ فأمرهم أن يعيدوا الذبح. وأخبرنا عبد الخالق، قال: أخبرنا ابن حيي قال: حدّثنا أبو بكر بن أبي العوام الرياحي، قال: حدّثنا أبي. قال: حدّثنا النعمان بن عبد السّلم التيمي، عن زفر بن الهذيل، عن يحيى بن عبد الله التيمي عن حبّال بن رفيدة، عن مسروق، عن عائشة رضي الله عنها في قوله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ قالت: لا تصوموا قبل أن يصوم نبيّكم. وروي عن مسروق أيضا، قال: دخلت على عائشة في اليوم الذي جئت فيه، فقالت للجارية: اسقيه عسلا، فقلت: إنّي صائم. فقالت: قد نهى الله تعالى عن صوم هذا اليوم، وفيه نزلت يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وأخبرنا ابن منجويه، قال: حدّثنا عمر بن الخطّاب. قال: حدّثنا عبد الله بن الفضل. قال: حدّثنا إسحاق بن إبراهيم. قال: حدّثني هشام بن يوسف، عن ابن جريح، قال: أخبرني ابن أبي مليكة أنّ عبد الله بن الزبير أخبرهم، قال: قدم ركب من بني تميم على النبيّ ﷺ‎ فقال أبو بكر: أمّر القعقاع بن معبد زرارة، وقال عمر: بل أمّر الأقرع بن حابس، فقال أبو بكر: ما أردت إلّا خلافي، وقال عمر: ما أردت خلافك، فتماريا حتّى ارتفعت أصواتهما، فأنزل الله سبحانه: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ... الآية [61] [[مسند أحمد: 4/ 6 وصحيح البخاري: 5/ 116 ط. دار الفكر.]] . وقال قتادة: نزلت في ناس كانوا يقولون: لو أنزل في كذا، لوضع كذا. فكره الله ذلك وقدّم فيه. مجاهد: لا تفتاتوا [[لا تفتاتوا: لا تبتدعوا الكلام وتفتوا برأيكم.]] على رسول الله بشيء حتّى يقضيه الله على لسانه [[تفسير الطبري: 26/ 150.]] . الضحّاك: يعني في القتال وشرائع الدين يقول: لا تقضوا أمرا دون الله ورسوله. حيان، عن الكلبي لا تستبقوا رسول الله بقول، ولا فعل حتّى يكون هو الذي يأمركم. وبه قال السدّي، وقال عطاء الخراساني: نزلت في قصة بئر معونة، وقيل في الثلاثة الذين نجّوا الرجلين السّلميين، اللذين اعتزما إلى بني عامر وأخذهم مالهما وكانا من أهل العهد، فلمّا أتوا رسول الله ﷺ‎ وقد سبق الخبر إليه، فقال: «بئس ما صنعتم، هما من أهل ميثاقي وهذا الذي معكم من نسوتي [[كذا في المخطوط.]] ، قالا: يا رسول الله إنّهما زعما أنّهما من بني عامر، فقلنا: رجلان ممّن قتل إخواننا. فقلنا: هما لذلك. وأتاه السّلميون، فقال رسول الله ﷺ‎: «لا قود لهما لأنّهما اعتزما إلى عدوّنا» [62] [[بتفاوت في تفسير القرطبي: 16/ 301.]] . ولكنّه أيدهما [[كذا في المخطوط.]] ، فوادّهما رسول الله ﷺ‎ وأنزل الله سبحانه في ذلك: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ حين قتلوا الرجلين ، وهذه رواية ماذان عن ابن عبّاس. وقال ابن زيد: لا تقطعوا أمرا دون رسول الله، وقيل: لا تمشوا بين يدي رسول الله، وكذلك بين أيدي العلماء فإنّهم ورثة الأنبياء. ودليل هذا التأويل ما أخبرنا أبو الحسن الخبازي، قال: حدّثنا أبو القاسم موسى بن محمّد الدينوري بها، قال: حدّثنا أحمد بن يحيى، قال: حدّثنا أحمد بن عبد الله بن يونس، قال: حدّثنا رجل بمكّة، عن ابن جريج، عن عطاء، عن أبي الدرداء، قال: رآني النبيّ ﷺ‎ أمشي أمام أبي بكر، فقال: «تمشي أمام من هو خير منك في الدّنيا والآخرة، ما طلعت الشمس، ولا غربت على أحد بعد النبيّ ﷺ‎ والمرسلين خيرا وأفضل من أبي بكر!!» [63] [[تاريخ بغداد: 14/ 379.]] . وقيل: إنّها نزلت في قوم كانوا يحضرون مجلس رسول الله ﷺ‎ فإذا سئل الرسول عن شيء، خاضوا فيه، وتقدّموا بالقول، والفتوى، فنهوا عن ذلك، وزجروا عن أن يقول أحد في شيء من دين الله سبحانه، قبل أن يقول فيه رسول الله ﷺ‎. وقيل: لا تطلبوا منزلة وراء منزلته. قال الأخفش: تقول العرب: فلان تقدّم بين يدي أبيه، وأمّه، ويتقدّم إذا استبدّ بالأمر دونهما. وَاتَّقُوا اللَّهَ في تضييع حقّه، ومخالفة أمره. إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ لأقوالكم عَلِيمٌ بأفعالكم، وأحوالكم. يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ الآية نزلت في ثابت بن قيس ابن شماس، كان في أذنه وقر، وكان جهوري الصّوت، فإذا كلّم إنسانا جهر بصوته، فربّما كان يكلّم رسول الله ﷺ‎ فينادي بصوته، فأنزل الله سبحانه يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أي لا تغلظوا له في الخطاب، ولا تنادوه باسمه يا محمّد، يا أحمد، كما ينادي بعضكم بعضا، ولكن فخّموه، واحترموه، وقولوا له قولا ليّنا، وخطابا حسنا، بتعظيم، وتوقير: يا نبي الله، يا رسول الله، نظيره قوله سبحانه: لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً [[سورة النور: 63.]] . أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ كي لا تبطل حسناتكم. تقول العرب: أسند الحائط أن يميل وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ فلمّا نزلت هذه الآية قعد ثابت في الطريق، فمرّ به عاصم بن عدي، فقال: ما يبكيك يا ثابت؟ قال: هذه الآية أتخوّف أن تكون نزلت فيّ، وأنا رفيع الصوت، أخاف أن يحبط عملي، وأن أكون من أهل النار، فمضى عاصم إلى رسول الله ﷺ‎ وغلب ثابتا البكاء، فأتى امرأته جميلة بنت عبد الله بن أبي بن سلول، فقال لها: إذا دخلت بيت فرسي، فشدّي على الضبة بمسمار فضربته بمسمار حتى إذا خرجت عطفه، وقال: لا أخرج حتّى يتوفّاني الله، أو يرضى عنّي رسول الله، فأتى عاصم رسول الله، فأخبره بخبره. فقال: «اذهب، فادعه لي» . فجاء عاصم إلى المكان الذي رآه فلم يجده، فجاء إلى أهله، فوجده في بيت الفرس، فقال له: إنّ رسول الله يدعوك، فقال: أكسر الصبّة، فأتيا رسول الله، فقال له رسول الله ﷺ‎: «ما يبكيك يا ثابت؟» فقال: أنا صيّت وأتخوّف أن تكون هذه الآية نزلت فيّ، فقال له رسول الله ﷺ‎: «أما ترضى أن تعيش سعيدا وتقتل شهيدا وتدخل الجنّة» [64] [[فتح الباري: 6/ 457.]] ، فقال: رضيت ببشرى الله ورسوله، لا أرفع صوتي أبدا على رسول الله، فأنزل الله سبحانه: إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ الآية [[تفسير الطبري: 26/ 153.]] . قال أنس: فكنّا ننظر إلى رجل من أهل الجنّة، يمشي بين أيدينا، فلمّا كان يوم اليمامة في حرب مسيلمة، رأى ثابت في المسلمين بعض الانكسار، وانهزمت طائفة منهم، فقال: أف لهؤلاء، وما يصنعون. ثمّ قال ثابت لسالم مولى أبي حذيفة: ما كنا نقاتل أعداء الله مع رسول الله مثل هذا، ثمّ ثبتا، ولم يزالا يقاتلان حتّى قتلا. وثابت بن قيس عليه درع، فرآه رجل من الصحابة بعد موته في المنام أنّه قال له: اعلم أنّ فلانا- رجل من المسلمين- نزع درعي، فذهب بها وهي في ناحية من العسكر عنده فرس تستر في طوله، وقد وضع على درعي لرمه [[كذا في المخطوط، ولعلها: دمه.]] ، فأت خالد بن الوليد، فأخبره حتّى يسترد درعي وأت أبا بكر خليفة رسول الله وقل له: إنّ عليّ دينا حتّى يقضي، وفلان من رقيقي عتيق. فأخبر الرجل خالدا فوجد درعه والفرس على ما وصفه، فاسترد الدرع، وأخبر خالد أبا بكر تلك الرؤيا، فأجاز أبو بكر وصيّته. قال مالك بن أنس: لا أعلم أجيزت بعد موت صاحبها إلّا هذه. حدّثنا أبو محمّد المخلدي، قال: أخبرنا أبو العبّاس السرّاج، قال: حدّثنا زياد بن أيّوب، قال: حدّثنا عباد بن العوّام، ويزيد بن هارون وسعيد بن عادر، عن محمّد بن عمرو، عن أبي سلمة، قال: حدّثنا سعيد، عن أبي هريرة. قال: لمّا نزلت لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ ... الآية، قال أبو بكر: والله لا أرفع صوتي إلّا كأخي السرار [[تفسير القرطبي: 16/ 308، والسرار بالكسر: المسارة أي كصاحب السرار أو كمثل المسارة بخفض صوته (لسان العرب 4/ 362) .]] . وروى ابن أبي مليكة عن أبي الزبير، قال: لمّا نزلت هذه الآية، ما حدّث عمر النبيّ ﷺ‎ بعد ذلك، فيسمع النبيّ ﷺ‎ كلامه حتّى يستفهمه ممّا يخفض صوته، فأنزل الله سبحانه فيهم: إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ إجلالا له أُولئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى أي اختبرها، فأخلصها، واصطفاها كما يمتحن الذهب بالنار، فيخرج خالصه، وقال ابن عبّاس: أكرمها. وأخبرنا أبو سعيد محمّد بن موسى بن الفضل النيسابوري، قال: أخبرنا أبو عبد الله محمّد ابن عبد الله بن أحمد الإصبهاني، قال: حدّثنا أبو بكر عبد الله بن محمّد بن عبد القريشي، قال: حدّثنا محمّد بن يحيى بن أبي خاتم، قال: حدّثني جعفر بن أبي جعفر، عن أحمد بن أبي الخولدي، قال: سمعت أبا سلمان يقول: قال عمر بن الخطّاب في قوله: الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى قال: أذهب الشهوات منها لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ ويقال: إنّ هذه الآيات الأربع من قوله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ إلى قوله: وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ نزلت في وفد تميم. وهو ما أخبرني أبو القاسم الحسن بن محمّد، قال: حدّثني أبو جعفر محمّد بن صالح بن هاني الورّاق سنة سبع وثلاثين وثلاثمائة، قال: حدّثنا الفضل بن محمّد بن المسيب بن موسى الشعراني، قال: حدّثنا القاسم بن أبي شيبة، قال: حدّثنا معلّى بن عبد الرّحمن، قال: حدّثنا عبد الحميد بن جعفر بن عمر بن الحكم، عن جابر بن عبد الله، قال: جاءت بنو تميم إلى النبيّ ﷺ‎، فنادوا على الباب: يا محمّد اخرج علينا، فإنّ مدحنا زين وذمّنا شين. قال: فسمعها النبيّ ﷺ‎، فخرج عليهم، وهو يقول: «إنّما ذلكم الله الذي مدحه زين وذمّه شين» [[أسباب نزول الآيات: 259.]] . قالوا: نحن ناس من بني تميم، جئنا بشاعرنا وخطيبنا نشاعرك ونفاخرك، فقال رسول الله ﷺ‎: «ما بالشعر بعثت، ولا بالفخار أمرت، ولكن هاتوا» [65] [[أسباب نزول الآيات للواحدي: 259.]] . فقال الزبرقان بن بدر لشاب من شبابهم: قم فاذكر فضلك، وفضل قومك. فقام، فقال: الحمد لله الذي جعلنا خير خلقه وآتانا أموالا نفعل فيها ما نشاء، فنحن من خير أهل الأرض، من أكثرهم عدّة، ومالا، وسلاحا، فمن أنكر علينا قولنا، فليأت بقول هو أحسن من قولنا، وفعال هي خير من فعالنا. فقال رسول الله ﷺ‎ لثابت بن قيس بن شماس، وكان خطيب رسول الله: «قم فأجبه» . فقام، فقال: الحمد لله أحمده، وأستعينه، وأومن به، وأتوكّل عليه، وأشهد أن لا إله إلّا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمّدا عبده ورسوله، ثمّ دعا المهاجرين من بني عمّه أحسن الناس وجوها وأعظمهم أحلاما. فأجابوه، فقالوا: الحمد لله الذي جعلنا أنصاره، ووزراء رسوله، وعزّا لدينه، فنحن نقاتل الناس، حتّى يشهدوا أن لا إله إلّا الله، فمن قالها منع منّا ماله، ونفسه، ومن أبى قتلناه، وكان زعمه في الله علينا هينا، أقول قولي وأستغفر الله للمؤمنين والمؤمنات. فقال الزبرقان بن بدر لشاب من شبابهم: قم يا فلان، فقل أبياتا تذكر فيها فضلك، وفضل قومك. فقام الشاب، فقال: نحن الكرام فلا حيّ يعادلنا [[في أسباب النزول: يفاخرنا بدلا من «يعادلنا» .]] ... فينا الرؤوس وفينا يقسم الربع ونطعم الناس عند القحط كلّهم ... من السديف إذا لم يؤنس القزع إذا أبينا فلا يأبى لنا أحد ... إنا كذلك عند الفخر نرتفع قال: فأرسل رسول الله ﷺ‎ إلى حسّان بن ثابت، فانطلق إليه الرّسول، فقال: وما تريد منّي وكنت عنده؟ قال: جاءت بنو تميم بشاعرهم، وخطيبهم، فأمر رسول الله ﷺ‎ ثابت بن قيس، فأجابه، وتكلّم شاعرهم، فأرسل إليك لتجيبه. وذكر له قول شاعرهم. قال: فجاء حسّان، فأمره رسول الله ﷺ‎ أن يجيبه فقال: يا رسول الله مره، فليسمعني ما قال، فقال النبي ﷺ‎: «اسمعه ما قلت» ، فأنشده ما قال، فقال حسّان: إنّ الذوائب من فهر وإخوتهم ... قد شرّعوا سنّة للنّاس تتبّع يرضى بها كلّ من كانت سريرته ... تقوى الإله وكلّ الخير يصطنع ثمّ قال حسّان: نصرنا رسول الله والدين عنوة ... على رغم عات من معد وحاضر بضرب كإيزاغ المخاض مشاشه ... وطعن كأفواه اللقاح الصوادر وسل أحدا يوم استقلت شعابه ... بضرب لنا مثل الليوث الجواذر ألسنا نخوض الموت في حومة الوغى ... إذا طاب ورد الموت بين العساكر ونضرب هام الدارعين وننتمي ... إلى حسب من جذم غسان قاهر فلولا حياء الله قلنا تكرّما ... على النّاس بالخيفين هل من منافر فأحياؤنا من خير من وطئ الحصى ... وأمواتنا من خير أهل المقابر قال: فقام الأقرع بن حابس، فقال: إنّي والله لقد جئت لأمر ما جاء له هؤلاء، وإنّي قد قلت شعرا، فاسمعه منّي، فقال: هات، فقال: أتيناك كيما يعرف الناس فضلنا ... إذا خالفونا عند ذكر المكارم وإنّا رؤس الناس من كلّ معشر ... وأنّ ليس في أرض الحجاز كدارم وإنّ لنا المرباع في كلّ غارة ... تكون بنجد أو بأرض التهائم فقال رسول الله ﷺ‎: «قم يا حسّان فأجبه» . فقام حسّان، فقال: بني دارم لا تفخروا إنّ فخركم ... يعود وبالا عند ذكر المكارم هبلتم علينا تفخرون وأنتم ... لنا خول من بين ظئر وخادم فقال رسول الله ﷺ‎: «لقد كنت غنيا يا أخا دارم أن يذكر منك ما قد ظننت أنّ الناس قد نسوه» . قال: فكان قول رسول الله ﷺ‎ أشدّ عليهم من قول حسّان. ثمّ رجع حسّان إلى شعره. فقال: كأفضل ما نلتم من المجد والعلى ... ردافتنا من بعد ذكر الأكارم فإن كنتم جئتم لحقن دمائكم ... وأموالكم أن تقسموا في المقاسم فلا تجعلوا لله ندّا وأسلموا ... ولا تفخروا عند النبيّ بدارم وإلّا وربّ البيت مالت أكفّنا ... على هامكم بالمرهفات الصوارم قال: فقام الأقرع بن حابس، فقال: إنّ محمّدا المولى، إنه والله ما أدري ما هذا الأمر، تكلّم خطيبنا، فكان خطيبهم أحسن قولا، وتكلّم شاعرنا، فكان شاعرهم أشعر، وأحسن قولا. ثمّ دنا من النبيّ ﷺ‎ فقال: أشهد أن لا إله إلّا الله وأنّك رسوله. فقال له النبيّ ﷺ‎: «ما يضرّك ما كان قبل هذا» . ثمّ أعطاهم رسول الله ﷺ‎ وكساهم، وقد كان يخلف في ركابهم عمرو بن الأهتم، وكان قيس بن عاصم يبغضه لحداثة سنه، فأعطاه رسول الله مثل ما أعطى القوم، فأزرى به قيس، وقال فيه أبيات شعر وارتفعت الأصوات، وكثر اللغط عند رسول الله ﷺ‎. فأنزل الله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ إلى قوله وَأَجْرٌ عَظِيمٌ يعني جزاء وافرا، وهو الجنّة [[بطوله في أسباب النزول: 259 وتاريخ دمشق: 9/ 188- 191 ط. دار الفكر، وزاد المسير لابن الجوزي: 7/ 178.]] .
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب