الباحث القرآني

لَتَجِدَنَّ يا محمد أَشَدَّ النَّاسِ عَداوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ يهود أهل المدينة. أخبرنا الحسن بن محمد بن الحسين، أبو جعفر علي بن محمد بن أحمد الصفار الهمداني، أبو علي عبد الله بن علي بن الزبير النخعي، إسماعيل بن بهرام الأشجعي، عباد ابن العوّام عن يحيى بن عبد الله عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي ﷺ‎ قال: «ما خلا يهوديان بمسلم إلّا همّا بقتله» [[كشف الخفاء: 2/ 187، ح 2210.]] [104] . وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا مشركي العرب وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى لم يرد به جميع النصارى مع ما فيهم من عداوة المسلمين وتخريب بلادهم وهدم مساجدهم وقتلهم وأسرهم وإحراق مصاحفهم لا ولا كرامة لهم وإنما نزلت هذه الآية في النجاشي وأصحابه. قال المفسرون: ائتمرت قريش بأن يفتنوا المؤمنين عن دينهم فوثبت كل قبيلة على محمد فيها من المسلمين يؤذونهم ويعذبونهم فأفتن ما أفتن وعصم الله منهم من شاء ومنع الله رسوله بعمّه أبي طالب فلما رأى رسول الله ﷺ‎ ما بأصحابه ولم يقدر على منعهم ولم يؤمر بعد بالجهاد أمرهم بالخروج إلى أرض الحبشة وقال: «إن بها ملكا صالحا لا يظلم ولا يظلم عنده أحد» [[تفسير مجمع البيان: 3/ 400.]] [105] . فأخرجوا إليه حتى يجعل الله للمسلمين فرجا وأراد به النجاشي واسمه أصحمة وهو الحبشة عطية فإنما النجاشي اسم الملك كقوله قيصر وكسرى فخرج إليها سرا عشرون رجلا وأربع نسوة وهم عثمان بن عفان وامرأته رقية بنت رسول الله ﷺ‎ والزبير بن العوام وابن مسعود وعبد الرحمن بن عوف وأبو حذيفة بن عتبة وامرأته سهلة بنت سهيل بن عمرو ومصعب بن عمير وأبو سلمة بن عبد الأسد وامرأته أم سلمة بنت أبي أمية وعثمان بن مظعون وعامر بن ربيعة وامرأته ليلى بنت أبي خيثمة وحاطب بن عمرو وسهيل بن البيضاء فخرجوا إلى البحر وأخذوا سفينة إلى أرض الحبشة بنصف دينار وذلك في رجب في السنة الخامسة من مبعث رسول الله ﷺ‎ وهذه الهجرة الأولى، ثم خرج جعفر بن أبي طالب وتتابع المسلمون إليها وكان جميع من هاجر إلى الحبشة من المسلمين إثنين وثمانين رجلا سوى النساء والصبيان فلما علمت قريش بذلك وجّهوا عمرو بن العاص وصاحبه بالهدايا إلى النجاشي وإلى بطارقته ليردهم إليه فيعصمهم الله وقد ذكرت هذه القصة في سورة آل عمران، فلما انصرف عمرو وأقام المسلمون هناك بخير دار وأحسن جوار إلى أن هاجر رسول الله ﷺ‎ هجرته إلى المدينة وذلك في سنة ستة من الهجرة كتب رسول الله (عليه السلام) إلى النجاشي على يدي عمرو بن أمية الضمري يزوجه أم حبيبة بنت أبي سفيان وكانت هاجرت مع زوجها فمات زوجها وبعث إليه من عنده من المسلمين. فأرسل النجاشي إلى أم حبيبة جارية لها يقال لها أبرهة فزوجها حطيئة رسول الله ﷺ‎ إياها وأعطتها أوضاحا لها سرورا بذلك وأمر بها أن يوكل من زوجها فوكلت خالد بن الوليد بن العاص حتى أنكحها على صداق أربعمائة دينار وكان الخاطب لرسول الله النجاشي فدعا النجاشي بأربعمائة دينار وأخذها إلى أم حبيبة على يدي أبرهة فلما جاءتها بها أعطتها منها خمسين دينارا فقالت أبرهة: قد أمرني الملك أن لا آخذ منك شيئا فإن أرد الذي أخذت منك وأنا صاحبة دهن الملك وثيابه وقد صدقت محمدا رسول الله ﷺ‎ وآمنت به وحاجتي إليك أن تقرأه منّي السلام قالت: نعم، وقد أمر الملك نساءه أن يبعثن إليك بما عندهن من عود وعنبر وكان رسول الله ﷺ‎ يراه عليها وعندها فلا ينكره، فقالت: أم حبيب: فخرجنا في سفينتين وبعث النجاشي معنا الملاحين [[في المصدر: النواتي.]] حتى قدمنا الجار ثم ركبنا الظهر إلى المدينة فوجدنا رسول الله ﷺ‎. بخيبر فخرج من خرج إليه وأقمت بالمدينة حتى قدم رسول الله ﷺ‎ فدخلت عليه وكان يسألني عن النجاشي وقرأت عليه من أبرهة السلام فرد رسول الله ﷺ‎ وقال: «لا أدري أنا بفتح خيبر أشد أم بقدوم جعفر» [[تاريخ الطبري: 2/ 296.]] [106] وأنزل الله تعالى عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً يعني أبا سفيان مودة بتزويج أم حبيبة [فقيل لأبي سفيان وهو يومئذ مشرك يحارب النبي ﷺ‎: إنّ محمّدا قد نكح ابنتك قال: ذاك الفحل لا يقرع أنفه] [[تاريخ دمشق: 23/ 446.]] . وبعث النجاشي بعد قدوم جعفر إلى رسول الله ﷺ‎ ابنه أرها بن أصحمة مع ستين رجلا من الحبشة، وكتب إليه: يا رسول الله أشهد أنّك رسول الله صادقا مصدقا وقد بايعتك وبايعت ابن عمك وأسلمت لله رب العالمين، وقد بعثت إليك أرها وإن شئت أن آتيك بنفسي فعلت والسلام عليكم يا رسول الله. فركبوا سفينة مع جعفر وأصحابه، حتى إذا كانوا في وسط البحر غرقوا ورأى جعفر وأصحابه رسول الله في سبعين رجلا عليهم ثياب الصوف منهم اثنان وستون من الحبشة وثمانية من أهل الشام وهم خيرة الحبشة الراهب وأبرهة وإدريس وأشرف وتمام ومريد وأيمن فقرأ عليهم رسول الله ﷺ‎ سورة يس إلى آخرها فبكوا. حين سمعوا القرآن وآمنوا وقالوا: جئتنا بما كان ينزل على عيسى (عليه السلام) فأنزل الله تعالى فيهم لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَداوَةً إلى قوله نَصارى يعني وفد النجاشي الذين غرقوا مع جعفر بن أبي طالب وهم السبعون وكانوا أصحاب الصوامع. وقال مقاتل والكلبي: كانوا أربعين رجلا اثنان وثلاثون في الحبشة وثمانية من أهل الشام. عطاء: كانوا ثمانين رجلا أربعون رجلا من أهل نجران من بني الحرث بن كعب واثنان وثلاثون من الحبشة وثمانية روميّون من أهل الشام. وقال قتادة: نزلت في ناس من أهل الكتاب كانوا على شريعة من أهل الحق وكانوا لعيسى يؤمنون به وينتهون إليه فلما بعث الله محمدا صدّقوه وآمنوا به فأثنى الله عليهم ذلك بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ، أي علماء. قال قطرب: القس والقسيس العالم بلغة الروم. وقال ورقة: بما خبرتنا من قول قس ... من الرهبان أكره أن يعوجا [[البداية والنهاية: 2/ 362 وذكر بقية الأبيات.]] وقال عروة بن الزبير حرّفت النصارى الإنجيل فأدخلوا فيه ما ليس منه وكان الذي غيّر ذلك أربعة نفر لوقاس ومرقوس ويحنس ومتيوس، وبقي قيس على الحق وعلى الاستقامة والإقتصاد فمن كان على هديه ودينه فهو قسيس [[تفسير القرطبي: 6/ 257.]] . عبد الله بن يوسف بن أحمد، محمد بن حامد بن محمد التميمي الحسن بن الهيثم السمري، عبد الله بن محمد، يحيى بن الحمامي، نصير عن زياد الطائي عن الصلت الدهان عن [حامية] [[كذا في تفسير القرطبي، وفي تفسير ابن كثير: جاثمة بن رئاب.]] بن رئاب عن سلمان قال: قرأت على رسول الله ﷺ‎ ذلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْباناً فاقرأ في ذلك بأن منهم صديقين ورهبانا الرهبان العبّاد وهم أصحاب الصوامع وأخذهم راهب مثل فارس وفرسان، وراكب وركبان، وقد يكون واحدا وجمعه رهابين، مثل قربان وقرابين، وجردان وجرادين، وأنشد في الواحد: لو كلمت رهبان دير في القلل ... لانحدر الرهبان يسعى فنزل [[لسان العرب: 1/ 437.]] وأنشد في الجمع: رهبان مدين لو رأوك تنزلوا ... العصم من شعف العقول الغادر [[لسان العرب: 1/ 437.]] وهو من قول القائل: رهب الله أي خافه، يرهبه رهبة ورهبا ورهبانا وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ لا يتكبرون عن الإيمان والإذعان للحق وَإِذا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ محمد ﷺ‎ تَرى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ. أبو عثمان بن أبي بكر الزعفراني، شيخي، أبو جعفر بن أبي خالد عبد الرحمن بن عمر ابن يزيد، ابن أبي عدي، سعيد عن عمرو بن مرّة قال: قدم على أبي بكر الصديق وفد من اليمن. فقالوا: اقرأ علينا القرآن، فقرأ عليهم القرآن فجعلوا يبكون فقال أبو بكر: كذا كنا حتى قست القلوب، وكان أبو بكر لا يملك دمعة حين يقرأ القرآن يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ يعني أمة محمد (عليه السلام) دليله قوله لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَما لَنا لا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ إلى قوله الصَّالِحِينَ أي في أمة محمد (عليه السلام) دليله قوله يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ فَأَثابَهُمُ اللَّهُ جازاهم الله بِما قالُوا إلى قوله خالِدِينَ فِيها على قولهم بالإخلاص بدليل قوله وَذلِكَ جَزاءُ الْمُحْسِنِينَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا ... الآية. يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا الآية. قال المفسرون: جلس رسول الله ﷺ‎ يوما فذكّر الناس يوم القيامة ولم يزدهم على التخويف فرقّ الناس وبكوا فاجتمع عشرة من أصحابه في بيت عثمان بن مظعون الجمحي وهم: أبو بكر وعلي، وابن مسعود، وعبد الله بن عمر وأبو ذر الغفاري، وسالم مولى أبي حذيفة، والمقداد بن الأسود، وسلمان الفارسي، ومعقل بن مقرن، واتفقوا على أن يصوموا النهار ويصوموا الليل ولا يناموا على فرشهم، ولا يأكلوا اللحم والودك، ولا يقربوا النساء والطيب، ويلبسوا المسموح ويرفضوا الدنيا ويسيحوا في الأرض فيذهبوا ويجبوا مذاكيرهم فبلغ ذلك رسول الله ﷺ‎: فأتى دار عثمان بن مظعون، فلم يصادفه فقال لامرأته أم حكم بنت أبي أمية: أين الحولاء وكانت عطارة: أحقّ ما بلغني عن زوجك وأصحابه؟ فكرهت أن تكذب رسول الله وكرهت أن تبدي على زوجها، فقالت: يا رسول الله إن كان أخبرك عثمان فقد صدقك فانصرف رسول الله ﷺ‎ فلما دخل عثمان أخبرته بذلك، فأتى رسول الله هو وأصحابه. فقال لهم: «ألم أنبأ إنكم اتفقتم على كذا وكذا» ، قالوا: بلى يا رسول الله وما أردنا إلّا الخير، فقال (عليه السلام) : إني لم أؤمر بذلك ثم قال: «إن لأنفسكم عليكم حقا صوموا وأفطروا وقوموا وناموا فإني أقوم وأنام وأصوم وأفطر وآكل اللحم والدسم وآتي النساء ومن رغب عن سنتي فليس مني» . ثم جمع الناس وخاطبهم ثم قال: «ما بال أقوام حرموا النساء والطعام والطيب والنوم وشهوات الدنيا أما أني لست آمركم أن تكونوا قسيسين ورهبانا فإنه ليس في ديني ترك اللحم والنساء واتخاذ الصوامع وإن سياحة أمتي الصوم ورهبانيتهم الجهاد اعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وحجوا واعتمروا وأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وصوموا رمضان واستقيموا يستقيم لكم فإنما هلك من كان قبلكم بالتشديد شدّدوا على أنفسهم فشدّد الله عليهم باطلا بإقدامهم في الديرات والصوامع فأنزل الله تعالى هذه الآية» [[أسباب نزول الآيات: 137 بتفاوت يسير وتفسير مجمع البيان: 3/ 404 بتفاوت يسير.]] [107] . وروى عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه قال: ضاف عبد الله بن رواحة ضيفا فانقلب ابن رواحة ولم يتعشّ فقال لزوجته: ما عشيتيه؟ فقالت: كان الطعام قليلا فانتظرتك، فقال: جست ضيفي من أجلي؟ طعامك عليّ حرام فقالت: وهو عليّ حرام إن لم تأكله. وقال الضيف: وهو حرام إن ذقته إن لم تأكلوه، فلما رأى ذلك ابن رواحة، قال: قرّبي طعامك كلوا بسم الله وجاء إلى رسول الله ﷺ‎ وأخبره بذلك، فقال (عليه السلام) : أحسنت ونزلت هذه الآية. روى عكرمة عن ابن عباس: إن رجلا أتى رسول الله ﷺ‎، فقال: يا رسول الله إني صمت من اللحم فأشريت، وأخذتني شهوة فحرمت اللحم، فأنزل الله يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ يعني اللذات التي تشتهيها النفوس وتميل إليها القلوب، وما أحل الله لكم من المطاعم الطيبة والمشارب اللذيذة وَلا تَعْتَدُوا ولا تجاوزوا الحلال إلى الحرام. وقيل: هو جبّ المذاكير وقطع آلة التناسل وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلالًا طَيِّباً قال عبد الله بن المبارك: الحلال ما أخذته من وجهه والطيب ما غذا ونما فأما الجوامد والطين والتراب، وما لا يغذي فمتروك إلّا على جهة للتداوي وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ. روي عن عائشة وأبي موسى الأشعري أن النبي (عليه السلام) كان يأكل الفالوذج والدجاج وكان يعجبه الحلواء والعسل وقال: «إن المؤمن حلو يحب الحلاوة» [[كنز العمال 1/ 146، والجامع الصغير: 2/ 259 وفيه: قلب المؤمن.]] . وقال: «في بطن المؤمن زاوية لا يملأها إلّا الحلواء» [[تفسير مجمع البيان: 3/ 406.]] [108] . وروي أن الحسن كان يأكل الفالوذج فدخل عليه فرقد السبخي فقال: يا فرقد ما تقول في هذا؟ فقال فرقد: لا آكله فلا أحب أكله فأقبل الحسن على غيره كالمتعجب وقال: يا هذا أتحب لباب البر مع سمن البقر؟ هل يعيبه مسلم. وجاء رجل إلى الحسن فقال: إن لي جار لا يأكل الفالوذ، قال: ولم؟ قال: يقول: لا يروي شكره. قال الحسن: ويشرب الماء البارد؟ قال: نعم، قال: جارك جاهل إن نعمة الله عليه في الماء البارد أكثر من نعمته عليه في الفالوذ. قال ابن عباس: لما نزلت لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ الآيتين، قالوا: يا رسول الله كيف نصنع بأيماننا التي حلفنا عليها؟ وكانوا حلفوا على ما عليه اتّفقوا [[تفسير الطبري: 7/ 19، وأسباب النزول للواحدي: 138.]] فأنزل الله تعالى لا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ قرأ أهل الحجاز والبصرة عَقَّدْتُمُ مشددا بمعنى وكّدتم، واختار أبو حاتم فقرأها أهل الكوفة بالتخفيف واختاره أبو عبيدة. [والتشديد التكرير مرّة بعد مرّة، ... ] أمن أن يلزم من قراءتك. [الفراء] : أن لا يوجب الكفارة عليه في اليمين الواحدة متى يرددها مرارا وهذا خلاف الإجماع. وقرأ أهل الشام: عاقدتم بالألف، يكون من واحد مثل: جاياك الله ونحوها. وقرأ الأعمش بما عقدت الأيمان جعل الفعل الإتيان. ومعنى الآية ما قصدتم وتعمدتم وأردتم ونويتم كقوله بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ. فَكَفَّارَتُهُ أي كفّارة ما عقدتم من الأيمان إذا حلفتم إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ واختلفوا في قدرها. فقال الشافعي: مدّ وضوء النبي (عليه السلام) والمدّ رطل وثلث، وكذلك في جميع الكفارات، وهو قول ثابت وابن عباس وابن عمر وابن المسيب والقاسم وسالم وسليمان بن يسار وعطاء والحسن واحتجوا بها. أبو بكر الجورقي، أبو العباس بن منصور الفيروزآبادي، أحمد بن حفص حدّثني أبي حدّثني إبراهيم بن طهمان عن منصور بن المعتمر عن الزهري عن حمد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة قال: رجل أتى رسول الله ﷺ‎ فقال: إني وقعت على أهلي وذلك في رمضان، فأمره أن يعتق رقبة، قال: ما أجدها، قال: «فصم شهرين متتابعين» قال: ما أطيقه، قال: «فأطعم ستين مسكينا» ، قال: ما أجد، قال: فأتى رسول الله ﷺ‎ بكيل فيه خمسة عشر صاعا من تمر، قال: «خذ هذا فأطعمه» ، قال: والذي بعثك بالحق ما بين] لابتيها أدلّ شيء هو منها [فقال رسول الله ﷺ‎: «خذه في أطعمة أهلك» [[فتح الباري: 10/ 457.]] [ ... ] [[كلام غير مقروء.]] وخمسة عشر صاعا إذا قسم على ستين مسكينا خص كل مسكين له مد [109] . وقال أبو حنيفة: إن أطعم من الحنطة نصف صاع وإن أطعم من الشعير والتمر والزيت ونحوها فإنه يعطى صاعا كاملا لا يجزي أقل من ذلك، وقول عمر بن الخطاب وابنه والنخعي والشعبي وابن جبير ومجاهد والحكم والضحّاك واحتجوا بحديث النبي ﷺ‎ أنه أتي بوسق صاعا فأعطى رجلا وجبت عليه كفّارة، وقال: «أعطه لستين مسكينا» . وقال علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه ومحمد بن كعب: غداء وعشاء ، وعند الشافعي لا يجوز أحد القيم في الزكوات والكفارات، وأجاز أبو حنيفة فاعتبر الشافعي النص. وأبو حنيفة المنفعة والمصلحة، وعند الشافعي لا يجوز أن يعطى أقل من عشرة مساكين وأبو حنيفة إن أعطى مسكينا في عشرة أيام جاز، وقال الشافعي: لا يجوز أن يعطي الكفارة إلّا حرّا مسلما محتاجا ولا يجوز أن يعطى العبيد والكفار ولا الأغنياء. فقال أبو حنيفة: إن أعطى الكفارة أهل الذمة جاز فأما الزكاة فلا يجوز أن يعطى أهل الذمة بلا خلاف، ودليل الشافعي قوله وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ [[سورة النساء: 5.]] والكافر من أسفه السفهاء قال الله أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهاءُ [[سورة البقرة: 13.]] وحجة أبي حنيفة قوله وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ [[سورة الإنسان: 8.]] الآية. [والأسير] لا يكون إلّا من الكافرين مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أي من خير قوت عيالكم فلو إنه يقتات الحنطة لم يخوله أن يعطى الشعير. وقرأ الصادق: أهاليكم وكسوتهم قرأه العامة: بكسر الكاف، وقرأ السلمي نصبه. وهما لغتان مثل إسوة وأسوة، ورشوة ورشوة. وقرأ ابن جبير أو كاسوتهم يعني كاسوة أهلك في الطعام والأسوة الميل والتمايل أي يطعمون المساكين كما يطعمون أهليكم، واختلف العلماء في الكسوة التي تجري في الكفارات وقال قوم: هي ثوب واحد مما يقع عليه اسم الكسوة أزار أو رداء أو قميص أو سراويل أو كساء أو عمامة ونحوها. وهو قول ابن عباس والحكم والحسن ومجاهد وعطاء والباقر وإليه ذهب الشافعي . وقال آخرون: ثوب جامع لا تجزي فيها العمامة، وهو مذهب النخعي وأبي حنيفة وقال [مالك كل] ما يجوز فيه الصلاة. وقال ابن المسيب والضحّاك: لكل مسكين ثوبان، واحتجا بأن أبا موسى الأشعري كان بذمته كفارة فكسا عشرة مساكين لكل واحد ثوبين ظهرانيا ومعقدا من معقد البحرين. وقال شهر بن حوشب: ثوب ثمنه خمسة دراهم أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ. قال الشافعي: لا يجوز في كفارة واجبة إلّا رقبة مؤمنة، مثل كفارة القتل واليمين والظهار والجماع في نهار رمضان. والسدي [والوصيفة] ووافقه أبو حنيفة في كفارة القتل وأجاز في غيرها الرقبة الكافرة، ودليل الشافعي أن الله عز وجل قاله في كفارة القتل فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ [[سورة النساء: 92.]] فقيّد وأطلق في سائرها والمطلق محمول على المقيّد واحتج أيضا بما روى: إن رجلا جاء إلى النبي (عليه السلام) فقال: أوجبت يا رسول الله، فقال: أعتق رقبة فجاء برقبة أعجمية إلى النبي (عليه السلام) ، فقال لها رسول الله: من ربك؟ ففهمها الله فأشارت إنه واحد، فقال: من أنا؟ فأشارت إلى السماء أي إنك رسول الله، فقال (عليه السلام) : «أعتقها فإنها مؤمنة» [[مسند أحمد: 2/ 291، السنن الكبرى للبيهقي: 7/ 388.]] وأوجبت لفظة مطلقة [يحتمله] . وروى أبو سلمة عن الشديد أن أمه أوصت أن يعتق عنها رقبة فجاء رسول الله ﷺ‎، وقال: إن أمي أوصت أن يعتق عنها رقبة وعندي جارية نوبية سوداء أفأعتقها؟ قال: أدع بها فجيء بها، فقال: من ربك؟ قالت: الله، قال: من أنا، قالت: رسول الله، قال: أعتقها فإنها مؤمنة ، واتبع أبو حنيفة ظاهر الآية. ويجوز في الكفارة من الرقاب الصغير والكبير والذكر والأنثى، وأما إذا كان معيوبا فاعلم أن العيب عيبان عيب يمنعه من العمل. فلا يجوز مثل الأعمى، والأشل والمقعد والمجنون المطبق والأخرس. فإن كان عيبا خفيفا لا يمنعه من العمل فيجوز مثل الأجدع والمقطوع الخنصر ونحوها وهذا كما يقول في الكسوة. فإن كان الثوب لبيسا قد بلي وانقطع منه جل المنفعة لم يجز وإن لبس خفيفا لم ينقطع منه جل المنفعة. والمكفّر بالخيار، مخير بين هذه الأشياء لأن الله ذكره بلفظ التخيير وهو أو فَمَنْ لَمْ يَجِدْ واختلف الفقهاء في صفة من لم يجد متى يجوز له الصيام. فقال أبو حنيفة: إذا كان عندهم [مائتا] درهم وعشرون مثقالا أو أقل ما يجب فيه الزكاة لم يجز له الصيام، فإن كان أقل من ذلك فهو غير واجد وجاز له الصوم. وقال متأخرو الفقهاء: إذا كان له كفاية من المال يتصرف فيها لمعاشه. فإن فضل عن رأس ماله مقدار ما يكفر منه بالإطعام فليس له أن يصوم وإن لم يفضل عن رأس ماله مقدار ما يطعم فله أن يصوم. وقال الشافعي: إذا كان عنده قوته وقوت عياله يومه وليلته ومن الفضل ما يطعم عشرة مساكين لزمته الكفارة بالطعام وإن لم يكن عنده هذا القدر فله الصيام [[راجع كتاب الام: 2/ 69.]] . وقال بعضهم: إذا ملك ما يمكنه الإطعام فليس له الصيام وإن لم يفضل له من الكفاية شيء. وهو قول ابن جبير والحسن قالا: إذا كان عنده درهمان وثلاثة فهو واحد وإن لم يجد شيئا من هذا فَصِيامُ أي فعليه أي فكفارته صيام ثَلاثَةِ أَيَّامٍ واختلفوا في كيفية الصيام. فللشافعي فيه قولان، أحدهما: إنها متتابعة وإن فرده لم يجز، وهو مذهب أبي حنيفة والثوري واختيار المزني قياسا على الصوم في كفارة الظهار واعتبارا بقراءة عبد الله وأبي، فصيام ثلاثة أيام متتابعات وهذا قول ابن عباس وقتادة. والقول الثاني: إنه بالخيار إن شاء تابع وإن يشأ فرق والمتابعة أحسن وأفضل وهو مذهب مالك. ذلِكَ الذي ذكرت كَفَّارَةُ أَيْمانِكُمْ إِذا حَلَفْتُمْ قسمتم كقوله فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [[سورة البقرة: 184. 185.]] وقوله فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ [[سورة البقرة: 196.]] يعني [فأقصر وأحلق] وَاحْفَظُوا أَيْمانَكُمْ فلا تحلفوا فإذا حلفتم فلا تحزنون كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب