الباحث القرآني

وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ يسأل بعضهم بعضا قال ابن عباس: إذا بعثوا من قبورهم، وقال غيره: في الجنة وهو الأصوب لقوله سبحانه قالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنا مُشْفِقِينَ خائفين من عذاب الله فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنا وَوَقانا عَذابَ السَّمُومِ قال الحسن: السّموم: اسم من أسماء جهنم. أخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا أبو بكر بن مالك، قال: حدّثنا عبد الله، قال: حدّثنا أبي قال: حدّثنا أنس بن عياض، قال: حدّثني شيبة بن نصاح عن القاسم بن محمد قال: غدوت يوما وكنت إذا غدوت بدأت بعائشة رضي الله عنها أسلّم عليها، فوجدتها ذات يوم تصلّي السبحة [[السبحة: صلاة التطوع والنافلة.]] وهي تقرأ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنا وَوَقانا عَذابَ السَّمُومِ وتردّدها وتبكي، فقمت حتى مللت ثم ذهبت إلى السوق بحاجتي ثم رجعت فإذا هي تقرأ وترددها وتبكي وتدعو. إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ في الدنيا نَدْعُوهُ نخلص له العبادة إِنَّهُ قرأ الحسن وأبو جعفر ونافع والكسائي بفتح الألف، أي لأنّه، وهو اختيار أبي حاتم، وقرأ الآخرون بالكسر على الابتداء، وهو اختيار أبي عبيدة هُوَ الْبَرُّ قال ابن عباس: اللطيف، وقال الضحاك: الصادق فيما وعد الرَّحِيمُ. فَذَكِّرْ يا محمد فَما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ أي برحمته وعصمته بِكاهِنٍ يبتدع القول ويخبر بما في غد من غير وحي، والكاهن: الذي يقول: إنّ معي قرينا من الجن. وَلا مَجْنُونٍ نزلت هذه الآية في الخرّاصين الذين اقتسموا عقاب مكة، يصدون الناس عن الإيمان، ويرمون رسول الله ﷺ‎ بالكهانة والجنون والسحر والشعر. فذلك قوله سبحانه: أَمْ يَقُولُونَ يعني هؤلاء المقتسمين الخرّاصين شاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ حوادث الدهر فيكفينا أمره بموت أو حادثة متلفة فيموت ويتفرق أصحابه، وذلك أنهم قالوا: ننتظر به ملك الموت فيهلك كما هلك من قبله من الشعراء زهير والنابغة وفلان وفلان، إنّما هو كأحدهم، وإنّ أباه توفي شابا، ونحن نرجو أن يكون موته كموت أبيه. والمنون يكون بمعنى الدهر، ويكون بمعنى الموت، سمّيا بذلك لأنّهما ينقصان ويقطعان الأجل، قال الأخفش: لأنّهما يمنيان قوى الإنسان ومنيه أي ينقصان، وأنشد ابن عباس: تربّص بها ريب المنون لعلّها ... تطلّق يوما أو يموت حليلها [[لسان العرب: 7/ 40.]] قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ حتى يأتي أمر الله فيكم. أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلامُهُمْ عقولهم بِهذا وأنّهم كانوا يعدون في الجاهلية أهل الأحلام ويوصفون بالعقل، وقيل لعمرو بن العاص: ما بال قومك لم يؤمنوا وقد وصفهم الله سبحانه بالعقول؟. فقال: تلك عقول كادها الله، أي لم يصحبها التوفيق. أَمْ هُمْ بل هم قَوْمٌ طاغُونَ. أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لا يُؤْمِنُونَ استكبارا. فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ أي مثل هذا القرآن يشبهه إِنْ كانُوا صادِقِينَ أنّ محمدا تقوّله من تلقاء نفسه، فإنّ اللسان لسانهم، وهم مستوون في البشرية واللغة والقوة. أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ قال ابن عباس: من غير ربّ، وقيل: من غير أب ولا أم، فهم كالجماد لا يعقلون، ولا يقوم لله عليهم حجة، أليسوا خلقوا من نطفة ثم علقة ثم مضغة؟ قاله ابن عطاء، وقال ابن كيسان: أم خلقوا عبثا وتركوا سدى لا يؤمرون ولا ينهون، وهذا كقول القائل: فعلت كذا وكذا من غير شيء يعني لغير شيء. أَمْ هُمُ الْخالِقُونَ لأنفسهم. أَمْ خَلَقُوا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لا يُوقِنُونَ أَمْ عِنْدَهُمْ خَزائِنُ رَبِّكَ قال ابن عباس: المطر والرزق، وقال عكرمة: يعني النبوّة، وقيل: علم ما يكون أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ المسلطون الجبّارون. قاله أكثر المفسّرين، وهي رواية الوالبي عن ابن عباس، وقال عطاء: أرباب قاهرون، وقال أبو عبيدة: يقال: خولا تسيطرت عليّ: اتّخذتني، وروى العوفي عن ابن عباس: أم هم المنزلون. أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ [يدّعون أن لهم] مصعدا ومرقاة يرتقون به إلى السماء يَسْتَمِعُونَ فِيهِ الوحي فيدّعون أنّهم سمعوا هناك أنّ الذي هم عليه حق، فهم مستمسكون به لذلك. فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُمْ إن ادّعوا ذلك بِسُلْطانٍ مُبِينٍ حجة بيّنة. أَمْ تَسْئَلُهُمْ أَجْراً جعلا على ما جئتهم به ودعوتهم إليه فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ غرم مُثْقَلُونَ مجهودون. أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ أي علم ما غاب عنهم حتى علموا أنّ ما يخبرهم الرسول من أمر القيامة والبعث والحساب والثواب والعقاب باطل غير كائن، وقال قتادة: لمّا قالوا نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ أنزل الله سبحانه أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فهم يعلمون حتى بموت محمد، وإلى ماذا يؤول أمره؟ وقال ابن عباس: يعني أم عندهم اللوح المحفوظ فَهُمْ يَكْتُبُونَ ما فيه، ويخبرون الناس به، وقال القتيبي فَهُمْ يَكْتُبُونَ أي يحكمون. والكتاب: الحكم، ومنه قول النبي ﷺ‎ للرجلين اللذين تخاصما «لأقضين بينكم بكتاب الله» [111] [[السنن الكبرى: 3/ 478.]] . أي بحكم الله. أَمْ يُرِيدُونَ كَيْداً مكرا في دار الندوة فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ الممكور بهم يعود الضرر عليهم، ويحيق المكر بهم، وكل ذلك أنّهم قتلوا ببدر. أَمْ لَهُمْ إِلهٌ غَيْرُ اللَّهِ سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ قال الخليل بن أحمد: ما في سورة الطور من ذكر أَمْ كلّه استفهام وليس بعطف. وَإِنْ يَرَوْا كِسْفاً مِنَ السَّماءِ ساقِطاً كسفا قطعة وقيل: قطعا واحدتها كسفة مثل سدرة وسدر مِنَ السَّماءِ ساقِطاً ذكره على لفظ الكسف يَقُولُوا بمعاندتهم وفرط غباوتهم ودرك شقاوتهم هذا سَحابٌ مَرْكُومٌ موضوع بعضه على بعض. هذا جواب لقولهم: فَأَسْقِطْ عَلَيْنا كِسَفاً مِنَ السَّماءِ وقولهم: أَوْ تُسْقِطَ السَّماءَ كَما زَعَمْتَ عَلَيْنا كِسَفاً فقال: لو فعلنا هذا لقالوا: سَحابٌ مَرْكُومٌ. فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يَصْعُقُونَ أي يموتون، وقرأ الأعمش وعاصم وابن عامر يُصْعَقُونَ بضم الياء وفتح العين، أي يهلكون، وقال الفرّاء: هما لغتان مثل سعد وسعد. يَوْمَ لا يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا كفروا عَذاباً دُونَ ذلِكَ قال البراء بن عازب: هو عذاب القبر، وقال ابن عباس: هو القتل ببدر، وقال مجاهد: الجوع والقحط سبع سنين، وقال ابن زيد: المصائب التي تصيبهم من الأوجاع وذهاب الأموال والأولاد. وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ إن العذاب نازل بهم. وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنا بمرأى ومنظر منا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ قال أبو الأحوص عوف بن مالك وعطاء وسعيد بن جبير: قل سبحانك اللهم وبحمدك حين تقوم من مجلسك، فإن كان المجلس خيرا ازددت احتسابا، وإن كان غير ذلك كان كفارة له. ودليل هذا التأويل ما أخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا محمد بن الحسن بن صقلاب، قال: حدّثنا ابن الحسن أحمد بن عيسى بن حمدون الناقد بطرطوس. قال: حدّثنا أبو أمية، قال: حدّثنا حجاج، قال: حدّثنا ابن جريج، قال: أخبرني موسى بن عقبة عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي ﷺ‎ قال: «من جلس في مجلس كثر فيه لغطه فقال قبل أن يقوم: سبحانك اللهم وبحمدك لا إله إلّا أنت أستغفرك وأتوب إليك غفر له ما كان في مجلسه ذلك» [112] [[مسند أحمد: 2/ 494.]] . وقال ابن زيد: [سبّح] بأمر ربّك حِينَ تَقُومُ من منامك، وقال الضحاك والربيع: إذا قمت إلى الصلاة فقل: سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدّك: ولا إله غيرك، وعن الضحاك أيضا يعني: قل حِينَ تَقُومُ إلى الصلاة: (الله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا وسبحان الله بكرة وأصيلا) ، وقال الكلبي: يعني ذكر الله باللسان حين تقوم من فراشك إلى أن تدخل الصلاة، وقيل: هي صلاة الفجر. وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ أي وصلّ له، يعني صلاتي العشاء، وَإِدْبارَ النُّجُومِ. قال علي بن أبي طالب وابن عباس وجابر بن عبد الله وأنس بن مالك يعني: ركعتي الفجر. انبأني عقيل، قال: أخبرنا المقابي، قال: أخبرنا ابن جرير، قال: أخبرنا بسر قال: حدّثنا سعيد بن قتادة عن زرارة بن أوفى عن سعيد بن هشام عن عائشة أن رسول الله ﷺ‎ قال في ركعتي الفجر «هما خير من الدنيا جميعا» [113] [[مسند أحمد: 6/ 149.]] . وقال الضحاك وابن زيد: هي صلاة الصبح الفريضة. قرأ سالم بن أبي الجعد (وَأَدْبارِ) بفتح الألف، ومثله روى زيد عن يعقوب يعني: بعد غروب النجوم.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب