الباحث القرآني

مكية، وهي ألف وستمائة وستة وثلاثون حرفا، وثلاثمائة وإحدى وخمسون كلمة، وثمان وسبعون آية أخبرنا الأستاذ أبو الحسين الجباري قال: حدّثت عن أحمد بن الحسن المقري قال: حدّثنا محمد بن يحيى الكيساني قال: حدّثنا هشام البربري قال: حدّثنا علي بن حمزة الكسائي قال: حدّثنا موسى بن جعفر عن أبيه جعفر عن أبيه عن علي بن الحسين عن أبيه عن علي قال: سمعت رسول الله ﷺ‎ يقول: «لكلّ شيء عروس، وعروس القرآن سورة الرحمن جلّ ذكره» [163] [[كنز العمال: 1/ 582 ج 2638.]] . وأخبرني أبو الحسين أحمد بن إبراهيم العبدي سنة أربع وثمانين وثلاثمائة قال: أخبرنا أبو عمرو محمد بن جعفر بن محمد الحبري قال: حدّثنا إبراهيم بن شريك بن الفضل الكوفي قال: حدّثنا أحمد بن عبد الله قال: حدّثنا سلام بن سليم المدائني قال: حدّثنا هارون بن كثير عن زيد بن أسلم عن أبيه عن أبي أمامة عن أبي بن كعب قال: قال رسول الله ﷺ‎: «من قرأ سورة الرحمن رحم الله ضعفه، وأدّى شكر ما أنعم الله عليه» [164] [[تفسير مجمع البيان: 9/ 326.]] . روى هشام بن عروة عن أبيه قال: أول من جهر بالقرآن بمكة بعد رسول الله ﷺ‎ عبد الله ابن مسعود، وذلك أن أصحاب رسول الله اجتمعوا فقالوا: ما سمعت قريش القرآن يجهر به، فمن رجل يسمعهم؟ فقال ابن مسعود: أنا، فقالوا: إنّا نخشى عليك منهم، وإنّما نريد رجلا له عشيرة يمنعونه، فقال: دعوني فإنّ الله سيمنعني، ثم قام عند المقام فقال: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، الرَّحْمنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ، رافعا بها صوته، وقريش في أنديتها فتأمّلوا وقالوا: ما يقول ابن أم عبد؟ ثم قاموا إليه فجعلوا يضربونه وهو يقرأ حتى يبلغ منها ما شاء، ثم انصرف إلى أصحابه، وقد أثّروا في وجهه، فقالوا: هذا الذي خشينا عليك. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الرَّحْمنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ نزلت حين قالُوا: وَمَا الرَّحْمنُ؟، وقيل: هو جواب لأهل مكة حين قالوا: إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ. خَلَقَ الْإِنْسانَ قال ابن عباس وقتادة: يعني آدم عليه السّلام. عَلَّمَهُ الْبَيانَ أسماء كل شيء، وقيل: علّمه اللغات كلّها، وكان آدم عليه السّلام يتكلم بسبعمائة ألف لغة أفضلها العربية، وقال آخرون: أراد جميع الناس لأن الإنسان اسم الجنس ثم اختلفوا في معنى البيان، فروي عن قتادة أنّه قال: علّمه بيان الحلال والحرام، وبيّن له الخير والشر، وما يأتي وما يذر ليحتج بذلك عليه. وقال أبو العالية ومرّة الهمذاني وابن زيد: يعني الكلام. الحسن: النطق والتمييز. محمد ابن كعب: ما يقول وما يقال له. السدي: علّم كل قوم لسانهم الذي يتكلمون به. يمان: الكتابة والخط بالقلم. نظيره عَلَّمَ بِالْقَلَمِ. ابن كيسان: خَلَقَ الْإِنْسانَ يعني محمدا ﷺ‎، عَلَّمَهُ الْبَيانَ يعني بيان ما كان وما يكون لأنه كان يبيّن عن الأولين والآخرين وعن يوم الدين. الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ أي بحساب ومنازل لا تعدّونها، قاله ابن عباس وقتادة وأبو ملك. قال ابن زيد وابن كيسان: يعني بهما بحسب الأوقات والأعمار والآجال، لولا الليل والنهار والشمس والقمر لم يدر أحد كيف نحسب شيئا، لو كان الدهر كلّه ليلا كيف نحسب؟ أو كلّه نهارا كيف نحسب؟ وقال الضحاك: يجريان بعدد. مجاهد: كحسبان الرحى يدوران في مثل قطب الرحا. السدي: بأجل كآجال الناس، فإذا جاء أجلهما هلكا. نظيره كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى. يمان: يجريان بأهل الدنيا وقضائها وفنائها. والحسبان قد يكون مصدر حسبت حسابا وحسبانا مثل الغفران والكفران والرجحان والنقصان، وقد تكون جمع الحساب كالشهبان والرهبان والقضبان والركبان. وارتفاع الشمس والقمر بإضمار فعل مجازه الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ يجريان بِحُسْبانٍ، وقيل: مبتدأ وخبره فيما بعده. ونظم الآية الرَّحْمنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ وقدر الشمس والقمر، وقيل: هو مردود على البيان، أي عَلَّمَهُ الْبَيانَ، إن الشمس والقمر بحسبان. ويقال: سعة الشمس ستة آلاف فرسخ وأربعمائة فرسخ في مثلها، وسعة القمر ألف فرسخ في ألف فرسخ. مكتوب في وجه الشمس: لا إله إلّا الله، محمد رسول الله، خلق الشمس بقدرته، وأجراها بأمره، وفي بطنها مكتوب: لا إله إلّا الله، رضاه كلام، وغضبه كلام، ورحمته كلام، وعذابه كلام، وفي وجه القمر مكتوب: لا إله إلّا الله، محمد رسول الله، خلق الله القمر، وخلق الظلمات والنور، وفي بطنه مكتوب: لا إله إلّا الله خلق الخير والشر بقدرته، يبتلي بهما من يشاء من خلقه، فطوبى لمن أجرى الله الخير على يديه، والويل لمن أجرى الله الشر على يديه. وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدانِ. قيل: هو ما ليس له ساق من الأشجار، وينبسط على وجه الأرض، وقال السدّي: هو جمع النبات سمّي نجما لطلوعه من الأرض، وسجودها سجود ظلها، وقال مجاهد وقتادة: هو الكوكب، وسجوده طلوعه. وَالسَّماءَ رَفَعَها وَوَضَعَ الْمِيزانَ قال مجاهد: العدل، وقال الحسن والضحاك وقتادة: هو الذي يوزن به ليوصل به الإنصاف والانتصاف، وقال الحسين بن الفضل: هو القرآن، وأصل الوزن التقدير. أَلَّا تَطْغَوْا يعني لئلّا تميلوا وتظلموا وتجاوزوا الحق فِي الْمِيزانِ وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ بالعدل، وقال أبو الدرداء: أقيموا لسان الميزان بالقسط، وقال ابن عيينة: الإقامة باليد والقسط بالقلب وَلا تُخْسِرُوا ولا تنقصوا الْمِيزانَ ولا تطففوا في الكيل والوزن. قال قتادة في هذه الآية: اعدل يا بن آدم كما تحب أن يعدل عليك، وأوف كما تحب أن يوفى لك، فإن العدل صلاح الناس. وقراءة العامة تُخْسِرُوا بضم التاء وكسر السين، وقرأ بلال بن أبي بردة بفتح التاء وكسر السين وهما لغتان. وَالْأَرْضَ وَضَعَها لِلْأَنامِ للخلق، وقال الحسن: للجن والإنس، وقال ابن عباس والشعبي: لكلّ ذي روح. فِيها فاكِهَةٌ يعني [ألوان] الفواكه، وقال ابن كيسان: يعني ما يفكههم به من النعم التي لا تحصى، وكل النعم يتفكه بها وَالنَّخْلُ ذاتُ الْأَكْمامِ أوعية التمر، واحدها: كم، وكل ما يسترنا فهو كم وكمة، ومنه كمّ القميص، ويقال: للقلنسوة: كمّة، قال الشاعر: فقلت لهم كيلوا بكمّة بعضكم ... دراهمكم إني كذاك أكيل [[تفسير القرطبي: 17/ 156.]] قال الضحاك: ذاتُ الْأَكْمامِ أي ذات الغلف. الحسن: أكمامها: ليفها. قتادة: رقابها. ابن زيد: الطلع قبل أن يتفتق. وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ قال مجاهد: هو ورق الزرع، قال ابن السكّيت: يقول العرب لورق الزرع: العصف والعصيفة والجل بكسر الجيم، قال علقمة بن عبدة: تسقي مذانب قد مالت عصيفتها ... حدورها من أتيّ الماء مطموم [[تفسير القرطبي: 17/ 157، لسان العرب: 4/ 121 وفيه: تسقي مذانب قد طالت عصيفتها ... جدورها من أتى الماء مطموم.]] العصف: ورق الزرع الأخضر إذا قطع رؤوسه ويبس. نظيره كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ. وَالرَّيْحانُ قال مجاهد: هو الرزق، وهي رواية عكرمة عن ابن عباس قال: كل ريحان في القرآن فهو رزق. قال مقاتل بن حيان: الرَّيْحانُ: الرزق بلغة حمير. قال الشاعر: سلام الإله وريحانه ... ورحمته وسماء درر [[الصحاح 1/ 371.]] سعيد بن جبير عن ابن عباس: الرَّيْحانُ: الريع. الضحّاك: هو الطعام. قال: فالعصف هو التين وَالرَّيْحانُ ثمرته. الحسن وابن زيد: هو ريحانكم هذا الذي يشم. الوالبي عن ابن عباس: هو خضرة الزرع. سعيد بن جبير: هو ما قام على ساق. وقراءة العامة (وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحانُ) كلّها مرفوعا بالرد على الفاكهة، ونصبها كلّها ابن عامر على معنى خلق هذا الإنسان وخلق هذه الأشياء، وقرأ أهل الكوفة إلّا عاصم (وَالرَّيْحانِ) بالجر عطفا على العصف. فَبِأَيِّ آلاءِ نعم رَبِّكُما تُكَذِّبانِ أيها الثقلان. يدل عليه ما أخبرنا الحسين بن محمد قال: حدّثنا أحمد بن جعفر بن مسلم الحنبلي قال: حدّثنا أحمد بن محمد بن عبد الخالق قال: حدّثنا عبد الوهاب الوراق قال: حدّثنا أبو إبراهيم الترجماني قال: حدّثنا هشام بن عمار الدمشقي، قال: حدّثنا الوليد بن مسلم قال: حدّثنا وهب ابن محمد عن ابن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال: قرأ علينا رسول الله ﷺ‎ سورة الرّحمن حتى ختمها. ثم قال: «ما لي أراكم سكوتا؟ للجن أحسن منكم ردّا، ما قرأت عليهم هذه الآية مرة فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ إلّا قالوا: ولا بشيء من نعمك ربّنا نكذب» [165] [[كنز العمال: 2/ 325 ج 4146.]] . وقيل: خاطب بلفظ التثنية على عادة العرب، وقد مضت هذه المسألة في قوله سبحانه: أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ. وأما الحكمة من تكرارها فقال القتيبي: إن الله سبحانه وتعالى عدّد في هذه السورة نعماه، وذكّر خلقه آلاءه. ثم أتبع ذكر كلّ كلمة وضعها، ونعمة ذكرها بهذه الآية، وجعلها فاصلة بين كل نعمتين لينبههم على النعم ويقرّرهم بها، وهو كقولك لرجل [[في المخطوط: كقول الرجل.]] : أحسنت إليه وتابعت بالأيادي، وهو في كل ذلك ينكرك ويكفرك: ألم تكن فقيرا فأغنيتك؟ أفتنكر؟ ألم تكن عريانا فكسوتك؟، أفتنكر هذا؟ ألم أحملك وأنت راحل؟ أفتنكر هذا؟ ألم تكن خاملا فعززتك؟، أفتنكر هذا؟ ألم تكن صرورة فحججت بك؟ أفتنكر هذا؟ والتكرار سائغ في كلام العرب، حسن في مثل هذا الموضع. قال الشاعر: المم سلومه المم [[كذا في المخطوط.]] المم وقال الآخر: كم نعمة كانت لكم ... كم كم وكم [[تفسير القرطبي: 17/ 160.]] وقال آخر: فكادت فرارة تصلى بنا ... فاولى فرارة أولى فرارا وقال آخر: لا تقطعن الصديق ما طرفت ... عيناك من قول كاشح أشر [[تفسير القرطبي: 17/ 160.]] ولا تملّنّ من زيارته ... زره وزره وزر وزر وزر وقال الحسين بن الفضل: التكرار لطرد الغفلة وتأكيد الحجة.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب