الباحث القرآني

وَذَرُوا ظاهِرَ الْإِثْمِ وَباطِنَهُ يعني الذنوب كلها لا يخلو من هذين الوجهين. واختلفوا فيها فقال قتادة: سرّه وعلانيته، عطاء: قليله وكثيره. ومجاهد: ما ينوي وما هو عامله. الكلبي: ظاهِرَ الْإِثْمِ الزنا وَباطِنَهُ المخالة. السدي: الزواني الذي في الحوانيت وهو بيت أصحاب الرايات وَباطِنَهُ الصديقة يتخذها الرجل فيأتيها سرّا [[تفسير الطبري: 8/ 20.]] . وقال مرّة الهمذاني: كانت العرب تجوز الزنا وكان الشريف إن يزني يستر ذلك وغيره لا يبالي إذا زنا ومتى زنا فأنزل الله تعالى هذه الآية. وقال الضحاك: كان أهل الجاهلية يسترون الزنا ويرون ذلك حلالا ما كان سرّا، فحرم الله تعالى لهذه الأمة السرّ منه والعلانية. وروى حيان عن الكلبي: ظاهِرَ الْإِثْمِ طواف الرجال بالنهار عراة وَباطِنَهُ طواف النساء بالليل عراة. وقال سعيد بن جبير: الظاهر ما حرم الله تعالى بقوله وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ [[سورة النساء: 22.]] وقوله حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ [[سورة النساء: 23.]] الآية والباطن منه الزنا. وقال ابن زيد: ظاهِرَ الْإِثْمِ التعرّي والتجرّد من الثياب في الطواف والباطن الزنا. إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ في الآخرة بِما كانُوا يَقْتَرِفُونَ بما يكسبون في الآخرة وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ فاقد [التسمية] ولم يدرك ذكاته أو ذبح لغير الله وَإِنَّهُ يعني الأكل لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ ليوسوسون إِلى أَوْلِيائِهِمْ من المشركين لِيُجادِلُوكُمْ. وذلك إن المشركين قالوا: يا محمد أخبرنا عن الشاة إذا ماتت من قتلها؟ قال: الله قتلها. وقالوا: فتزعم إن ما قتلت أنت وأصحابك حلال وما قتل الصقر والكلب حلال وما قتله الله حرام؟ فأنزل الله عز وجل هذه الآية. وقال عكرمة: معناه ولي الشياطين يعني مردة المجوس لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ من مشركي قريش وكانوا أولياءهم في الجاهلية وذلك أن المجوس من أهل فارس لما أنزل الله تعالى تحريم الميتة كتبوا إلى مشركي قريش. وكانت بينهم مكاتبة. إن محمدا وأصحابه يزعمون إنهم يتبعون أمر الله ثم يزعمون إن ما ذبحوا فهو حلال، وما ذبحه الله فهو حرام ولا يأكلونه، فوقع في أنفس ناس من المسلمين من ذلك شيء فأنزل الله تعالى هذه الآية وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ في أكل الميتة إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ قوله تعالى أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ هو ألف الاستفهام والتقدير دخلت على واو النسق فبقيت على فتحها يعني أومن كان كافرا ميتا بالضلالة فهديناه واجتبيناه بالإيمان وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يستضيء به ويَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ على قصد السبيل ومنهج الطريق. قال ابن زيد: يعني بهذا النور الإسلام نيابة قوله يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ. وقال قتادة: هذا المؤمن معه من الله نورا وبينة يعمل بها ويأخذ وإليها ينتهي كتاب الله كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ. قال بعضهم: المثل زائد تقديره كمن في الظلمات. وقال بعضهم: معناه كن أو شبه بشيء كان يشبهه من في الظلمات من ظلمة الكفر والجهل والضلالة والمسير. لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها لا يبصر شيئا ولا يعرف طريقا كالذي ضل طريقه في ظلمة الليل فهو لا يجد مخرجا ولا يهتدي طريقا. وقيل: إن هذه الآية نزلت في رجلين بأعيانهما، ثم اختلفوا فيهما. فقال ابن عباس: أَوَمَنْ كانَ [مَيْتاً] فَأَحْيَيْناهُ وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ. يريد حمزة بن عبد المطلب كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها. أبو جهل، وذلك إن أبا جهل رمى النبي ﷺ‎ بالحجارة وحمزة لم يؤمن بعد فأخبر حمزة بما فعل أبو جهل، وهو راجع من قنصه وبيده قوس، فأقبل غضبان حتى علا أبا جهل بالقوس وهو يتضرع كعبد مسكين يقول: يا با يعلى أما ترى ما جاء به سفّه عقولنا وسبّ آلهتنا وخالف أبانا. فقال حمزة: ومن أسفه منكم تعبدون الحجارة من دون الله، أشهد أن لا إله إلّا الله لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله فأنزل الله تعالى هذه الآية. وقال الضحاك [ويمان] : نزلت في عمر بن الخطاب وأبي جهل. قال عكرمة والكلبي: نزلت في عمار بن ياسر وأبي جهل. كَذلِكَ زُيِّنَ لِلْكافِرِينَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ من الكفر والمعصية وَكَذلِكَ أي وكما زيّنا للكافرين أعمالهم كذلك جعلنا. وقيل: وكما جعلنا فسّاق مكة أكابرها كذلك جَعَلْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكابِرَ يعني عظماء، جمع أكبر مثل أفضل وأحمر وأحامر وأسود وأساود مُجْرِمِيها إن شئت نصبته على التقديم تقديره وكذلك جعلنا في كل قرية مجرميها أكابر، كما تقول: جعلت زيدا رئيسها وإن شئت خفضته على الإضافة لِيَمْكُرُوا فِيها وَما يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنْفُسِهِمْ لأن وبال مكرهم وجزاءه راجع إليهم وَما يَشْعُرُونَ إنه كذلك وَإِذا جاءَتْهُمْ آيَةٌ قالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتى مِثْلَ ما أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ من النبوة، وذلك إن الوليد بن المغيرة قال: والله لو كانت النبوة حقا لكنت أولى بها منك لأني أكبر منك سنا وأكثر منك مالا، فأنزل الله تعالى هذه الآية. وقال مقاتل: نزلت في أبي جهل بن هشام وذلك أنه قال: زاحمنا عبد مناف في الشرف حتى إذا صرنا كفرسي رهان، قالوا: منا نبي يوحى إليه، والله لا نؤمن به ولا نتبعه أبدا إلّا أن يأتينا وحي كما يأتيه وأنزل الله تعالى وَإِذا جاءَتْهُمْ آيَةٌ حجة على صدق محمد ﷺ‎ وصحت نبوته. قالُوا: يعني أبو جهل. قالوا: لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتى مِثْلَ ما أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ يعني محمدا رسول الله ﷺ‎ ثم قال اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ فخص بها محمدا ﷺ‎ سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغارٌ ذل وهوان عِنْدَ اللَّهِ أي من عند الله نصب بنزع حرف الصفة. قال النحاس: سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغارٌ عِنْدَ اللَّهِ على التقديم والتأخير وَعَذابٌ شَدِيدٌ بِما كانُوا يَمْكُرُونَ. وقال أبو روق: صغار في الدنيا وهذا العذاب في الآخرة. فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ أي يوسّع عقله أو ينوّره ليقبل الإسلام فأنزل الله تعالى هذه الآية. سئل رسول الله ﷺ‎ عن شرح الصدر ما هو؟ قال: «نور يقذفه الله تعالى في قلب المؤمن فينشرح له صدره وينفسح» [157] قالوا: فهل لذلك من أمارة يعرف بها؟ قال: نعم الإنابة إلى دار الخلود والتجافي عن دار الغرور والاستعداد للموت قبل نزول الموت [[زاد المسير: 3/ 82، وفيه: قبل نزوله.]] . وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً قرأ ابن كثير: ضيْقا بالتخفيف. والباقون: بالتشديد وهي لغتان مثل هين وهيّن، ولين وليّن، حَرَجاً كسر أهل المدينة، راءه وفتحها الباقون وهما لغتان مثل الأنف والأنف، والفرد والفرد، والوعد والوعد. وقال سيبويه: الحرج بالفتح المصدر كالصلب والحلب ومعناه ذا حرج، والحرج بالكسر الإسم وهو أشد الضيق، يعني قلبه ضيقا لا يدخله الإيمان. وقيل: أثيما لقول العرب: حرج عليك ضلمي أي ضيق وأثم. وقال السدي: حرجها شاكا. وقال قتادة: ملتبسا. وقال النضر بن شميل: ملقا. وقال ليس للخير فيه منفذ. وقال عبيد بن عمير. قرأ ابن عباس: هذه الآية، فقال: هل هاهنا أحد من بني بكر؟ فقال. رجل: نعم، قال: ما الحرج فيكم؟ قال: الوادي الكثير الشجر المتمسك الذي لا طريق فيه. قال ابن عباس: كذلك قلب الكافر. وقال أبو الصلت الثقفي وعمر بن الخطاب (رضي الله عنه) : هذه الآية ضَيِّقاً حَرَجاً بنصب الراء. وقرأ بعض من عنده من أصحاب رسول الله ﷺ‎ حَرِجاً بالكسر. فقال عمر: ابعثوا إلى رجل من كنانة وجعلوه راعيا فأتوه به فقال له عمر: يا فتى ما الحرجة فيكم؟ قال الحرجة فينا الشجرة التي تكون بين الأشجار التي لا يصل إليها راعية ولا وحشية ولا شيء. فقال عمر (رضي الله عنه) : كذلك قلب المنافق لا يصل إليه شيء من الخير كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ يعني يشق عليه الإيمان، ويمتنع ويعجز عنه كما يشق عليه صعود السماء. واختلف القراء في ذلك، فقرأ أهل المدينة وأبو عمرو وحمزة والكسائي: يَصَّعَّدُ بتشديد الصاد والعين بغير ألف أي يصعد فأدغمت التاء في الصاد. فاختاره أبو حاتم وأبو عبيد [اعتزازا] بقراءة عبد الله كأنما يتصعد في السماء. وقرأ طلحة وعاصم وأبو عبيد والنخعي ومجاهد: بالألف مشددا بمعنى تصاعد [[راجع تفسير الطبري: 8/ 42.]] . وقرأ ابن كيسان وابن [محيصن] ، والأعرج وأبو رجاء: يَصْعُدُ حقيقة [[أي من الصعود.]] . كَذلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ قال مجاهد: الرجس ما لا خير فيه. ابن زيد: الرجس العذاب مثل الرجز. وقال ابن عباس: هو الشيطان الذي يسلطه عليه. وقال الكلبي: هو المأثم، وقيل: هو النجس. ويقال: رجس رجاسة ونجس نجاسة [[راجع تفسير القرطبي: 7/ 83.]] . وكان رسول الله ﷺ‎ إذا دخل الخلاء قال: «اللهم إني أعوذ بك من نجس منجس الخبث المخبث الشيطان الرجيم» [[جامع البيان: 8/ 43، بتفاوت واختلاف.]] [158] . وَهذا صِراطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيماً أي هذا الذي بيّنا طريق ربّك والذي ارتضاه لنفسه دينا وجعله مستقيما لا عوج فيه وهو الإسلام. وقال ابن مسعود: هو القرآن. وقال: إن الصراط محتضر يحضره الشياطين ينادون: يا عبد الله هلم هذا الطريق لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ف اعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ وهو كتاب الله قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب