الباحث القرآني

وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسى مِنْ بَعْدِهِ أي من بعد انطلاقه إلى الجبل مِنْ حُلِيِّهِمْ التي استعاروها من قوم فرعون. وكانت بنو إسرائيل في القبط بمنزلة أهل الجزية في الإسلام، وكان لهم يوم عيد يتزينون فيه ويستعيرون من القبط الحلي فزامن ذلك عيدهم فاستعادوا الحلي للقبط فلما أخرجهم الله من مصر وغرق فرعون بقيت تلك الحلي في أيديهم فاتخذ السامري منها عجلا وهو ولد البقر عِجْلًا جَسَداً مجسّد لا روح فيه. وقال وهب: جَسَداً لحما ودما لَهُ خُوارٌ وهو صوت البقر خار خورة واحدة ثمّ لم تعد. وقال وهب: كان يسمع منه الخوار إلّا أنّه لا يتحرك. وقرأ عليّ بن أبي طالب كرم الله وجهه: جوار بالجيم والهمز وهو الصوت أيضا واختلفت القراء في قوله (حُلِيِّهِمْ) ، فقرأ يعقوب بفتح الحاء وجزم اللام وتخفيف الياء على الواحد. وقرأ حمزة والكسائي: حِلِيِّهِمْ بكسر الحاء وتشديد الياء، الباقون بضم الحاء وهما لغتان مثل [صلى] وجثى وبكى [وعثى] يجوز فيها الكسر والضم أَلَمْ يَرَوْا يعني الذين عبدوا العجل من دون الله أَنَّهُ لا يُكَلِّمُهُمْ وَلا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا قال الله اتَّخَذُوهُ عبدوه واتخذوه إلها وَكانُوا ظالِمِينَ كافرين وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ أي ندموا على عبادة العجل وهذا من فصيحات القرآن. والعرب تقول لكل نادم أو عاجز عن شيء: سقط في يديه وأسقط، وهما لغتان وأصله من [الاستئسار] وذلك أن يضرب الرجل الرجل أو يصرعه فيرمي به من يديه إلى الأرض ليأسره فيكتفه، والمرمي فيه مسقوط في يد الساقط [[تفسير الطبري: 9/ 84.]] . وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا قالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنا رَبُّنا يتب علينا ربنا وَيَغْفِرْ لَنا ويتجاوز عنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ بالعقوبة وَلَمَّا رَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ غَضْبانَ أَسِفاً قال أبو الدرداء: الأسف منزلة وراء الغضب أشد منه، وقال ابن عباس والسدي: [رجع حزينا من صنيع قومه] [[تفسير القرطبي: 7/ 286.]] قال الحسن بن غضبان: حزينا قالَ بِئْسَما خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أي بئس الفعل فعلتم بعد ذهابي، يقال: منه خلفه بخير أو شر إذا ألاه في أهله أو قومه بعد شخوصه عليهم خيرا أو شرا. أَعَجِلْتُمْ أسبقتم أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الْأَلْواحَ غضبا على قومه حين عبدوا العجل، وقال قتادة: إنّما ألقاها حين سمع من فضائل أمّة محمد ﷺ‎ وفي الألواح: قال: يا رب اجعلني من أمّة محمد قال رسول الله ﷺ‎: «يرحم الله أخي موسى ما المخبر كالمعاين لقد أخبره الله بفتنة قومه فعرف أنّ ما أخبره الله حق وأنه على ذلك لمتمسّك بما في يديه، فرجع إلى قومه ورآهم فغضب وَأَلْقَى الْأَلْواحَ» [[تاريخ بغداد: 3: 418.]] . قالت الرواة: كانت التوراة سبعة أسباع فلمّا ألقى الألواح تكسرت فوقع منها ستة أسباع وبقي سبع وكان فيها رقع موسى وفيما بقي الهدى والرحمة وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ أي لحيته وذقنه يَجُرُّهُ إِلَيْهِ وكان هارون أكبر من موسى بثلاث سنين وأحبّ إلى بني إسرائيل من موسى، لأنه كان لين الغضب قالَ هارون عند ذلك يا ابْنَ أُمَّ قرأ [أهل] الكوفة بكسر الميم هاهنا وفي طه أراد يا بن أمي فحذف ياء الإضافة، لأنه مبنى النداء على الحذف وأبقى الكسرة في الميم لتدل على الاضافة كقوله يا عِبادِ يدل عليه، قراءة ابن السميقع: يا ابن أمي بإثبات الياء على الأصل، وقرأ الباقون بفتح الميم فهما على معنى يا ابن أماه جعل أصله اسما واحدا وبناه على الفتح كقولهم: حضرموت وخمسة عشر ونحوهما [[راجع تفسير القرطبي فقد فصل ذلك: 7/ 291.]] . إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي باتخاذهم العجل وَكادُوا يعني همّوا وقاربوا يَقْتُلُونَنِي فَلا تُشْمِتْ بضم التاء وكسر الميم ونصب الأعداء قرأه العامّة وقرأ مالك بن دينار فَلا تَشْمَتْ بِيَ الْأَعْداءُ بفتح التاء والميم الأعداء رفع وَلا تَجْعَلْنِي في [موعدتك] عليّ وعقوبتك لي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ يعني أصحاب العجل قالَ موسى لمّا تبيّن له عذر أخيه رَبِّ اغْفِرْ لِي ما صنعت إلي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنا جميعا أنا وأخي فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ في الآخرة وَذِلَّةٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا قال أبو العالية: هو ما أمروا به من قتل أنفسهم. وقال عطيّة العوفي: أراد سَيَنالُهُمْ أولادهم [الكبير] كابرا على عهد رسول الله ﷺ‎ غَضَبٌ ... وَذِلَّةٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا، وهو ما أصاب بني قريظة والنضير من القتل والجلاء لتوليتهم متخذي العجل ورضاهم به، وقال ابن عباس: هو الجزية. وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ الكاذبين قال أبو قلابة: هي والله جزاء كل مفتر إلى يوم القيامة، قال يذله الله عزّ وجلّ. وسمعت أبا عمرو الفراتي سمعت أبا سعيد بكر بن أبي عثمان الخيري سمعت السراج سمعت سوار بن عبد الله الغزّي سمعت أبي يقول: قال مالك بن أنس: ما من مبتدع إلّا [وتجد فوق] رأسه ذلّة ثمّ قرأ إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ الآية يعني المبتدعين.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب