الباحث القرآني

فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ أُولئِكَ يَنالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتابِ حظّهم بما كتبوا لهم في اللوح المحفوظ. وقال الحسن والسدي وأبو صلاح: ما كسب لهم من العذاب. وقال سعيد بن جبير ومجاهد وعطيّة: ما سبق لهم من الشقاوة والسعادة. وروى بكر الطويل عن مجاهد في هذه الآية قال: قوم يعملون أعمالا لا بد من أن يعملوها ولم يعملوها بعد. قال ابن عباس وقتادة والضحاك: يعني أعمالهم وما كتب عليهم من خير أو شر، فمن عمل خيرا أجزي به ومن عمل شرا أجزي به. مجاهد عن ابن عباس قال: هو ما وعد من خير وشر. عطيّة عن ابن عباس أنّه قال: ينالهم ما كتب لهم وقد كتب لمن يفتري على الله أن وجهه مسود [[تفسير الطبري: 8/ 225.]] ، يدل عليه [قوله تعالى] ، وُجُوهُهُمْ يومئذ مُسْوَدَّةٌ. قال الربيع والقرظي وابن زيد: يعني ما كتب لهم من الأرزاق والأعمال والأعمار فإذا فنيت و [تم خرابها] حَتَّى إِذا جاءَتْهُمْ رُسُلُنا يَتَوَفَّوْنَهُمْ يقبضون أرواحهم يعني ملك الموت وأعوانه قالُوا أَيْنَ ما كُنْتُمْ تَدْعُونَ تعبدون مِنْ دُونِ اللَّهِ قالُوا ضَلُّوا عَنَّا انشغلوا بأنفسهم وَشَهِدُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ أقروا أَنَّهُمْ كانُوا كافِرِينَ قالوا: [شهدنا] على أنفسنا [بتبليغ الرسل] وغرّتهم الحياة الدنيا وشهدوا وأقروا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين قالَ ادْخُلُوا يقول الله عزّ وجلّ لهم يوم القيامة ادخلوا فِي أُمَمٍ يعني مع جماعات قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فِي النَّارِ يعني كفار الأمم الماضية كُلَّما دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَها في الدين والملة ولم يقل أخاها لأنّه عنى بها الأمّة فيلعن المشركون المشركين واليهود اليهود، وكذلك النصارى النصارى والمجوس المجوس ويلعن الأتباع القادة يقولون: لعنكم الله أنتم غررتمونا يقول الله عزّ وجلّ حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيها أي تلاحقوا جَمِيعاً قرأ الأعمش: حتّى إذا تداركوا، على الأصل، وقرأ النخعي: حتّى إذا أدّركوا، مثقلة الدال من غير ألف أراد فنقلوا من الدرك. قالَتْ أُخْراهُمْ قال مقاتل: يعني أخراهم دخولا للنار وهم الأتباع، لِأُولاهُمْ دخولا وهم القادة. قال ابن عباس: (أُخْراهُمْ) يعني آخر الأمم، (لِأُولاهُمْ) يعني أوّل الأمم، وقال السدي: أُخْراهُمْ يعني الذين كانوا في آخر الزمان. (لِأُولاهُمْ) يعني الذين شرعوا لهم ذلك الدين رَبَّنا هؤُلاءِ أَضَلُّونا عن الهدى. يعني الفساد فَآتِهِمْ أي فأعطاهم عَذاباً ضِعْفاً فِي النَّارِ أي مضعفا من النار قالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ من العذاب وَلكِنْ لا تَعْلَمُونَ حتّى يحل بكم وَقالَتْ أُولاهُمْ لِأُخْراهُمْ فَما كانَ لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ لأنّكم كفرتم كما كفر به ونحن وأنتم في الكفر شرع سواء وفي العذاب أيضا فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْها لا تُفَتَّحُ قرئ بالياء والياء والتشديد والتخفيف جميعا لَهُمْ أَبْوابُ السَّماءِ يعني لا أرواحهم وأعمالهم لأنّها خبيثة فلا يصعد بل تهوى بها إلى [سجن] تحت الصخرة التي تحت الأرضين. روى أبو هريرة عن رسول الله ﷺ‎ قال: إن الميت ليحضره الملائكة فإذا كان الرجل الصالح قالوا: اخرجي أيتها النفس الطيبة التي كانت في الجسد الطيب اخرجي حميدة، وأبشري بروح من الله وريحان ورب غير غضبان فيقولون ذلك حتّى تخرج ثمّ تعرج بها إلى السماء فينفتح لها فيقال: من هذا [فيقال: فلان] فيقولون: مرحبا بالنفس الطيبة التي كانت في الجسد الطيب ادخلي حميدة وأبشري بروح وريحان ورب غير غضبان، فيقال: ذلك لها حتّى يعرج بها إلى السماء السابعة. وإذ كان الرجل السوء قالوا: اخرجي أيتها النفس الخبيثة من الجسد الخبيث اخرجي ذميمة وأبشري بحميم وغساق وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْواجٌ، فيقولون ذلك حتّى يخرج، ثمّ يعرج بها إلى السماء فتفتح لها فيقال: من هذا فيقولون فلان، فيقولون: لا مرحبا بالنفس الخبيثة التي كانت في الجسد الخبيث أرجعي ذميمة فإنه لا يفتح لك أبواب السماء فيرسل من السماء والأرض فيصير إلى القبر [[مسند أحمد: 2/ 364.]] . وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ يعني يدخل البعير في ثقب الإبرة [وهذا مثل والسمّ] وهو الإبرة. وقرأ عكرمة وسعيد بن جبير: الجُمَّل بضم الجيم وبتشديد الميم. وهو حبل السفينة ويقال لها الفلس قال عكرمة: هو الحبل الذي يصعد به إلى النخل وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهادٌ فراش من نار وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَواشٍ وهي جمع غاشية وذلك ما غشاهم وغطاهم وقال القرظي ومجاهد: هي اللحف وَكَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ قال البراء: قال رسول الله ﷺ‎: «يكسي الكافر لوحين من نار في قبره» [182] [[الدر المنثور: 3/ 85.]] ، فذلك قوله لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَواشٍ. وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها أي طاقتها وما يسعها ويحلّ لها فلا تخرج منه ولا تضيق عليه أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ وَنَزَعْنا وأخرجنا وأذهبنا ما فِي صُدُورِهِمْ قلوبهم مِنْ غِلٍّ وحقد وعداوة كان من بعضهم على بعض في الدنيا فجعلناهم إِخْواناً عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ لا [يحسد] بعضهم بعض على شيء خص الله به بعضهم وفضلهم به، روى الحسن بن عليّ (رضي الله عنه) قال: فينا والله أهل البيت نزلت وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْواناً عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ [[كنز العمال: 2/ 450 ح 4472، وفضائل الصحابة لأحمد: 2/ 597 ح 1018.]] . وقال عليّ- كرّم الله وجهه- أيضا: «إنّي لا أرجوا أن أكون أنا وعثمان وطلحة والزبير من الذين قال الله وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ الآية [[تفسير القرآن لعبد الرزاق: 2/ 228.]] . وقال السدي: في هذه الآية: إن أهل الجنة إذا سيقوا إلى الجنّة وجدوا عند بابها شجرة في أصل ساقها عينان فشربوا من إحداهما، فينزع ما في صدورهم من غل فهو الشراب الطهور واغتسلوا من الأخرى فجرت عليهم نضرة النعيم فلم يشعثوا ولم يتسخوا بعدها أبدا [[تفسير الطبري: 8/ 241.]] . وروى الجزائري عن أبي نضرة قال: تحتبس أهل الجنّة حتّى تقتص بعضهم من بعض حتى يدخلوا الجنّة حين يدخلونها، ولا يطلب أحد منهم أحدا علاقة ظفر ظلمها إياه وتحبس أهل النار دون النار حتّى تقتص لبعضهم من بعض يدخلون النار حين يدخلونها، ولا يطلب أحد منهم أحدا بعلاقة ظفر ظلمها إياه تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا وفقنا وأرشدنا إلى هذا يعني طريق الجنّة وقال سفيان الثوري: معناه الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لعمل هذا ثوابه وَما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدانَا اللَّهُ قال رسول الله ﷺ‎: كل أهل النار يرى منزلة من بالجنّة فيقولون: لو هدانا الله نكون [من المؤمنين] وكل أهل الجنّة ترى منزلة من بالنار ويقولون: لولا أنّه هدانا الله فهذا شكرهم قال: وليس [هناك] من كافر ولا مؤمن إلّا وله في الجنّة أو النار منزل [فإذا] دخل أهل الجنّة الجنّة وأهل النار النار فدخلوا منازلهم رفعت الجنّة لأهل النار فنظروا إلى منازلهم فيها فقيل لهم هذه منازلكم لو عملتم بطاعة الله، ثمّ يقال: يا أهل الجنة رثوهم بما كنتم تعملون فيقسم بين أهل الجنّة منازلهم، ونودوا أن صحوا ولا تسقموا وأخلدوا فلا تموتوا وأنعموا ولا تيأسوا وشبّوا فلا تهرموا [[انظر جامع البيان للطبري: 8/ 243، بتفاوت.]] .
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب