الباحث القرآني

كَلَّا وَالْقَمَرِ وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ يعني ولّى ذاهبا، واختلفت القراءة فيه فقرأ ابن محيصن ونافع وحمزة وخلف ويعقوب وحفص إِذْ بغير ألف. أَدْبَرَ بالألف، غيرهم هم ضده، واختاره أبو عبيد قال: لأنها أشدّ موافقه للحرف الذي يليه، ألا تراه قال: وَالصُّبْحِ إِذا أَسْفَرَ فكيف يكون في أحدهما إذا وفي الآخر إذ، وأبو حاتم قال: لأنه ليس في القرآن لجنبه إذ وأنما الأقسام بجنبها إذا. قال قطرب من قرأ وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ: يريد أقبل، من قول العرب دبر فلان أي جاء خلفي، فكأنّه دبر خلف النهار. قال أبو الضحى: كان ابن عباس يعيب على من يقرأ دبر ويقول: إنما يدبّر ظهر البعير، وقال الفراء: هما لغتان دبّر وأدبر. قال الشاعر: صدعت غزالة قلبه بفوارس ... تركت مسامعه كأمس الدابر [[بلاغات النساء: 129. وفيه: مناظره كأمس الدائر، وفي تاريخ دمشق (43/ 497) : قرعت العابر.]] وقال أبو عمرو: دبّر لغة قريش. وَالصُّبْحِ إِذا أَسْفَرَ قرأه العامة بالألف أي أضاء وأقبل، وقرأ ابن السميع وعيسى ابن الفضل سفر بغير ألف، وهما لغتان يقال: سفر وجه فلان وأسفر، إذا أضاء، ويجوز أن يكون من قولهم: سفرت المرأة إذا ألقت خمارها عن وجهها، ويحتمل أن يكون معناه نفي الظلام كما سفر البيت أي يكنس ويقال للمكنسة المسفرة. إِنَّها لَإِحْدَى الْكُبَرِ يعني أن سفر لإحدى الأمور العظام وواحد الكبر كبرى: نَذِيراً لِلْبَشَرِ يعني أنّ النار نذير للبشر قال الحسن: والله ما أنذر الله بشيء أدهى منها، وهو نصب على القطع من قوله: لَإِحْدَى الْكُبَرِ لأنها معرفة ونَذِيراً نكرة. قال الخليل: النذير مصدر كالنكير، فلذلك وصف به المؤنث، وقيل: هو من صفة الله سبحانه مجازه: وَما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ إِلَّا مَلائِكَةً ... ، نَذِيراً لِلْبَشَرِ أي إنذارا لهم. قال أبو رزين: أنا لكم منها نذير فاتقوها، وقيل: هو صفة محمد (عليه السلام) ، ومعنى الكلام: يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قم نَذِيراً لِلْبَشَرِ فأنذر، وهو معنى قول ابن زيد، وقرأ إبراهيم عن أبي غيلة نذيرٌ للبشر بالرفع على إضمار هو. لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ في الخير والطاعة أَوْ يَتَأَخَّرَ عنها في الشر والمعصية نظيره ودليله وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ يعني في الخير وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ عنه قاله الحسن، وهذا وعيد لهم كقوله: فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ [[سورة الكهف: 29.]] يعني أنّه نذير لهما جميعا. كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ مرتهنة بكسبها مأخوذة بعملها. إِلَّا أَصْحابَ الْيَمِينِ فإنهم لا يحاسبون ولا يرتهنون بذنوبهم ولكن يغفرها الله لهم ويتجاوزها عنهم كما وعدهم. قال قتادة: غلق الناس كلّهم إِلَّا أَصْحابَ الْيَمِينِ واختلفوا فيهم. فأخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا ابن [شنبه] [[غير مقروءة في المخطوط والظاهر ما أثبتناه.]] قال: حدّثنا رضوان بن أحمد قال: حدّثنا أحمد بن عبد الجبار قال: حدّثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي اليقظان عن زاذان عن علي في قوله: إِلَّا أَصْحابَ الْيَمِينِ قال: هم أطفال المسلمين. تدل عليه ما أخبرنا ابن فنجويه قال: حدّثنا ابن حسن قال: حدّثنا البغوي قال: حدّثنا علي ابن الجعد قال: أخبرنا أبو عقيل عن نهيّة عن عائشة قالت: سألت رسول الله ﷺ‎ عن ولدان المؤمنين أين هم؟ قال: في الجنة وسألته عن ولدان المشركين فقال: إن شئت سمّعتك تضاغيهم في النار [60] [[فتح الباري: 3/ 195.]] . وقال أبو ظبيان: عن ابن عباس: هم الملائكة، وروى أبو حمزة الثمالي عن أبي جعفر الباقر قال: نحن وشيعتنا أصحاب اليمين ، وقال مقاتل: هم أهل الجنة الذين كانوا على يمين آدم يوم الميثاق حين قال لهم الله سبحانه: هؤلاء في الجنة ولا أبالي. وقال الحسن: هم المسلمون المخلصون، وعنه أيضا: هم الذين كانوا ميامين على أنفسهم. ابن كيسان هم المؤمنون الصالحون ليسوا مرتهنين لأنهم أدّوا ما كان عليهم. يمان: هم الذين أمكنوا رهونهم، وقال الحكيم: هم الذين أختار الله سبحانه بخدمته فلم يدخلوا في الرهن، لأنهم خدّام الله سبحانه وصفوته وكسبهم لم يضرهم، وقال القاسم: كلّ نفس مأخوذة بكسبها من خير وشر إلّا من اعتمد الفضل والرحمة دون الكسب والخدمة فكل من اعتمد على الكسب فهو رهين به ومن اعتمد على الفضل فإنّه غير مأخوذ. وسمعت أبا عبد الرحمن السلمي يقول: سمعت أبا بكر الرازي يقول: سمعت أبا عمرو البخاري يقول: في قوله سبحانه: كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ قال: فأين الفرار من القدر وكيف القرار على الخطر؟. فِي جَنَّاتٍ يَتَساءَلُونَ عَنِ الْمُجْرِمِينَ المشركين ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخائِضِينَ في الباطل. وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ حَتَّى أَتانَا الْيَقِينُ يعني الموقن به وهو الموت. قال الله سبحانه وتعالى: فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشَّافِعِينَ قال عبد الله بن مسعود: يشفع الملائكة والنبيون والشهداء والصالحون وجميع المؤمنين فلا يبقى في النار إلّا أربعة ثم تلا قوله سبحانه: لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ إلى قوله بِيَوْمِ الدِّينِ قال الحسن: كنا نتحدّث أن الشهيد يشفع في سبعين من أهل بيته. وأخبرنا ابن فنجويه قال: حدّثنا ابن حمدان قال: حدّثنا ابن ماهان قال: حدّثنا موسى بن إسماعيل قال: حدّثنا حماد قال: حدّثنا ثابت عن الحسن أن رسول الله (عليه السلام) قال: «يقول الرجل من أهل الجنة يوم القيامة أي ربي عبدك فلان سقاني شربة من الماء في الدنيا فشفّعني فيه، فيقول اذهب فأخرجه من النار فيذهب فيتجسس النار حتى يخرجه منها» [61] [[تفسير مجمع البيان: 10/ 188.]] . وبإسناد عن حماد عن خالد الحذاء عن عبد الله ابن شفيق عن رجل من بني تميم قال: سمعت رسول الله ﷺ‎ يقول: «ليشفعن رجل من أمتي لأكثر من بني تميم» [62] [[مسند أحمد: 5/ 366 بتفاوت.]] . وأخبرنا الحسن قال: حدّثنا عمر بن نوح البجلي قال: حدّثنا أحمد بن محمد بن شاهين قال: حدّثنا عبد الله بن عمر قال: حدّثنا أبو معاوية قال: حدّثنا داود بن أبي هند عن عبد الله بن قيس الأسدي عن الحرث بن أقشن قال: سمعت رسول الله ﷺ‎ يقول: «من أمتي من سيدخل الله بشفاعته الجنة أكثر من مضر» [63] [[مسند أحمد: 5/ 313 بتفاوت.]] . فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ نصب على الحال، وقيل: صاروا معرضين. كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ جمع حمار مُسْتَنْفِرَةٌ قرأ أهل المدينة والشام وأيوب بفتح الفاء أي منفرة مذعورة، ومثله روى المفضل عن عاصم وأختاره أبو عبيد، وقرأ الآخرون بالكسر أي نافرة يقال: نفرت واستنفرت بمعنى واحد، وأنشد الفراء: أمسك حمارك إنه مستنفر ... في الثر أحمرة عمدن لغرت [[جامع البيان للطبري: 29/ 210.]] وأخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا ابن شنبه قال: حدّثنا أبو حامد المستملي قال: حدّثنا محمد بن حاتم الذمي قال: حدّثنا محمد بن سلام الجمحي قال: سألت أبا سراب الغنوي وكان أعرابيا فصيحا قارئا للقرآن فقلت: حمر ماذا؟ قال: حمر مستنفرة طردها قسورة، قلت: إنّما هي فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ فقال: أفَرَّتْ، قلت: نعم قال: ف مُسْتَنْفِرَةٌ. فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ اختلفوا فيه فقال مجاهد وقتادة والضحاك وابن كيسان: هم الرماة وهي رواية عطاء عن ابن عباس وأبي ظبيان عن أبي موسى الأشعري، وقال سعيد بن جبير: هم القناص وهي رواية عطية عن ابن عباس. وأخبرني الحسين قال: حدّثنا عمر بن أحمد بن القاسم النهاوندي قال: حدّثنا محمد بن أيوب قال: أخبرنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدّثنا وكيع عن شعبة عن أبي حمزة عن ابن عباس: فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ قال: عصب الرجال. وأخبرني عقيل قال: أخبرنا المعافى قال: أخبرنا محمد بن جرير قال: حدّثنا ابن المثنى قال: حدّثني عبد الصمد بن عبد الوارث قال: سمعت أبي تحدث قال: حدّثني داود قال: حدّثني عباس بن عبد الرحمن مولى بني هاشم قال: سئل ابن عباس عن القسورة فقال: هي جمع الرجال ألم تسمع ما قالت فلانة في الجاهلية: يا بنت كوني خيرة لخيرة ... أخوالها الحي وأهل القسورة [[فتح القدير: 5/ 333.]] وأخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا ابن حمدان قال: حدّثنا محمد بن عمران قال: حدّثنا أبو عبيد الله المخزومي قال: حدّثنا سفيان بن عيينة عن عمرو وعن عطاء عن ابن عباس في قوله سبحانه فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ قال: هي ركز الناس. وأخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا ابن حبش قال: حدّثنا أبو يعلي الموصلي قال: حدّثنا يحيى بن معين قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن إسماعيل بن مسلم العبدي عن أبي المتوكّل في قوله سبحانه: فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ قال: هو لغط القوم، وقال أبو هريرة: هي الأسد. وأخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا ابن حمدان قال: حدّثنا ابن ماهان قال: حدّثنا موسى بن إسماعيل قال: حدّثنا حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن سليمان بن قتة عن ابن عباس فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ قال: هو بلسان العرب: الأسد، وبلسان الحبش: القسورة، وبلسان فارس: شير، وبلسان النبط: أريا. وقيل: هو فعولة من القسر وهو القهر، سمي بذلك لأنه يقهر السباع كلّها. وأخبرني الحسين قال: حدّثنا محمد بن علي بن الحسن الصوفي قال: حدّثنا محمد بن صالح بن ذريح قال: حدّثنا حبارة بن مغلس قال: حدّثنا عبد الأعلى بن أبي المساور عن عكرمة عن ابن عباس في قوله تعالى فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ قال: من حبال الصيادين، وقال عكرمة: من ظلمة الليل، وقيل: هي سواد أول الليل ولا يقال لسواد آخر الليل: قسورة، وقال زيد بن أسلم: أي من رجال أقوياء، وكلّ ضخم شديد عند العرب فهو قسور وقسورة. قال لبيد: إذا ما هتفنا هتفة في ندينا ... أتانا الرجال العائذون القساور [[تفسير القرطبي: 19/ 89.]] بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتى صُحُفاً مُنَشَّرَةً وذلك أنهم قالوا: يا محمد إن سرّك أن نتبعك فأتنا بكتاب خاصة إلى فلان وفلان من ربّ العالمين نؤمر فيه باتباعك، نظيره قوله: وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتاباً نَقْرَؤُهُ [[سورة الإسراء: 93.]] . بادان عن ابن عباس يقول: كان المشركون يقولون: لو كان محمد صادقا فليصح عند كل رأس رجل منا صيحة فيها براءته وأمنه من النار. قال مطر الوراق: كانوا يريدون أن يؤتوا براءة من غير عمل، وقال الكلبي: إن المشركين قالوا: يا محمد بلغنا أن الرجل من بني إسرائيل يصبح مكتوب عند رأسه ذنبه وكفارته فأتنا بمثل ذلك، فكرهه رسول الله ﷺ‎، وأنزل الله سبحانه هذه الآية كَلَّا ليس كما تقولون وتريدون وقيل: حقا وكل ما ورد عليك منه فهذا وجهه بَلْ لا يَخافُونَ الْآخِرَةَ كَلَّا إِنَّهُ يعني القرآن تَذْكِرَةٌ وليس بسحر فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ وَما يَذْكُرُونَ بالتاء نافع، يعقوب وغيرهما بالياء إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ أي أهل أن تتقى محارمه وأهل أن يغفر لمن اتقاه. أخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا عمر بن الخطاب قال: حدّثنا عبد الله بن الفضل قال: حدّثنا هدية بن خالد قال: وحدّثنا عبد الله بن عبد الرحمن الدقاق وهارون بن محمد قالا: حدّثنا محمد بن عبد العزيز قال: حدّثنا هدية قال: حدّثنا موسى بن محمد بن علي قال: حدّثنا الحسن ابن علي المعمري قال: حدّثنا هدية قال: حدّثنا سهيل بن أبي حزم عن ثابت عن أنس أن رسول الله ﷺ‎ قال هذه الآية: هُوَ أَهْلُ التَّقْوى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ: قال ربكم عزّ وجلّ: أنا أهل أن اتقى ولا يشرك بي غيري وأنا أهل لمن اتقى أن يشرك بي أن أغفر له» [64] [[سنن ابن ماجة: 2/ 1437.]] . وأخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا ابن مالك قال: حدّثنا ابن حنبل قال: حدّثنا أبي قال: حدّثنا عبد القدوس بن بكر قال: سمعت محمد بن النظر الجارقي يذكر في قوله سبحانه: هُوَ أَهْلُ التَّقْوى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ قال: أنا أهل أن يتقيني عبدي فإن لم يفعل كنت أنا أهلا أن أغفر له.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب