الباحث القرآني

مكيّة. وهي خمس وعشرون آية، ومائة وسبع كلمات، وأربع مائة وأربع وثلاثون حرفا أخبرني سعيد بن محمد وكامل بن أحمد ومحمد بن القاسم قالوا: أخبرنا محمد بن مطر قال: حدّثنا إبراهيم بن شريك قال: حدّثنا أحمد بن يونس قال: حدّثنا سلام بن سليم قال: حدّثنا هارون بن كثير عن زيد بن أسلم عن أبيه عن أبي أمامة عن أبيّ بن كعب قال: قال النبي ﷺ‎: «من قرأ سورة انشقت أعاذه الله سبحانه أن يعطيه كِتابَهُ وَراءَ ظَهْرِهِ» [112] [[تفسير مجمع البيان: 10/ 301.]] . بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ وَأَذِنَتْ لِرَبِّها أي سمعت أمر ربها بالانشقاق وطاعته وَحُقَّتْ أي وحق لها أن تطيع ربّها وحق الله ذلك عليه. وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ مدّ الأديم العكاظي وزيد في سعتها. وَأَلْقَتْ أخرجت ما فِيها من الموتى والكنوز وَتَخَلَّتْ وخلت فليس في باطنها شيء. وَأَذِنَتْ لِرَبِّها وَحُقَّتْ، واختلفوا في جواب قوله إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ فقيل جوابه متروك لأنّ المعنى مفهوم، وقيل جوابه يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ إِنَّكَ كادِحٌ إِلى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ ومجازه: إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ لقي كل كادح ما عمله، قال المبرّد: فيه تقديم وتأخير تقديره يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ إِنَّكَ كادِحٌ إِلى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ، وقيل: جوابه وَأَذِنَتْ، وحينئذ يكون الواو زائدة. ومعنى قوله كادِحٌ إِلى رَبِّكَ كَدْحاً أي عامل واصل به إلى ربّك عملا فملاقيه ومجازى به خيرا كان أو شرا، وقال القتيبي ناصب في معيشتك إلى لقاء ربك، والكدح: السعي والجهد في الأمر حتى يكدح ذلك فيه، أي يؤثّر ومنه قول النبي ﷺ‎: «من سأل وله ما يغنيه جاءت مسئلته يوم القيامة خدوشا أو خموشا أو كدوحا في وجه» [113] [[سنن ابن ماجة: 1/ 589.]] أي أثر الخدش، قال ابن مقبل: وما الدهر إلّا تارتان فمنهما ... أموت وأخرى أبتغي العيش أكدح [[جامع البيان للطبري: 21/ 40.]] وأخبرني الحسين قال: حدّثنا موسى قال: حدّثنا ابن علوية قال: حدّثنا إسماعيل قال: حدّثنا إسحاق بن بشر عن سفيان الثوري عن أبيه عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي ﷺ‎ قال: «النادم ينتظر الرحمة والمعجب ينتظر المقت وكل عامل سيقدم على ما سلف» [114] [[كنز العمال: 15/ 936، ح 43607.]] . فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ ديوان أعماله بِيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً وَيَنْقَلِبُ إِلى أَهْلِهِ مَسْرُوراً. أخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا ابن مندة قال: حدّثنا محمد بن غالب قال: حدّثني سعيد بن سليمان قال: حدّثنا مبارك بن فضالة عن أيوب عن أبي مليكة عن عائشة قالت: سمعت رسول الله ﷺ‎ يقول: «من يحاسب يعذّب» قالوا: يا رسول الله أليس قد قال الله سبحانه: فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً قال: «ذاكم العرض ولكن من نوقش الحساب عذّب» [115] [[مسند أحمد: 6/ 127.]] . وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ وَراءَ ظَهْرِهِ فتغلّ يده اليمنى إلى عنقه وتجعل يده الشمال وراء ظهره فيؤتى كتابه بشماله من وراء ظهره، وقال مجاهد: يخلع يده وراء ظهره. فَسَوْفَ يَدْعُوا ثُبُوراً ينادى بالويل والهلاك وَيَصْلى سَعِيراً قرأ أبو جعفر وأيوب وكوفي غير الكسائي بفتح الياء والتخفيف واختاره أبو عبيد لقوله سبحانه: إِلَّا مَنْ هُوَ صالِ الْجَحِيمِ [[سورة الصافّات: 163.]] ، وقوله يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرى [[سورة الأعلى: 12.]] وقرأ الباقون بضم الياء وتشديد اللام، واختاره أبو حاتم لقوله سبحانه ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ [[سورة الحاقّة: 31.]] وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ [[سورة الواقعة: 94.]] إِنَّهُ كانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُوراً سمعت السلمي يقول: سمعت منصور بن عبد الله يقول: سمعت أبا القاسم المصري يقول: قال ابن عطاء لنفسه متابعا ساعيا. إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ يرجع إلينا قال النبي ﷺ‎: «أعوذ بك من الحور بعد الكور» [116] [[جامع البيان للطبري: 30/ 148.]] وقال ابن عباس: كنت لا أدري ما معنى يحور حتى سمعت إعرابية تدعوا بنية لها فتقول: حوري حوري أي أرجعي، وقال الشاعر: وما المرء إلّا كالشهاب وضوءه ... يحور رمادا بعد إذ هو ساطع [[الدر المنثور: 6/ 330.]] ثم قال: بَلى، أي ليس كما ظن بلى يحور إلينا ويبعث. إِنَّ رَبَّهُ كانَ بِهِ بَصِيراً فَلا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ قال مجاهد وغيره: هو النهار كلّه، عكرمة: ما بقي من النهار، وقال ابن عباس وأكثر الناس: هو الحمرة التي تبقى في الأفق بعد غروب الشمس وبغيبوبته يتعلّق أول وقت العشاء الآخرة وإليه ذهب من الصحابة ابن مسعود وابن الزبير وعمر وابنه وعبادة بن الصامت وشداد بن أوس وأنس بن مالك وأبو قتادة الأنصاري وأبو هريرة وجابر بن عبد الله ومن التابعين سعيد بن المسيّب وسعيد بن جبير وطاوس وعبد الله بن دينار ومكحول، ومن الفقهاء مالك والأوزاعي والشافعي وأبو يوسف وأبو ثور وابن عبيد وأحمد وإسحاق، وقال قوم: هو البياض، وإليه ذهب عمر بن عبد العزيز وأبو حنيفة، والاختيار القول الأول لإجماع العبادلة عليه، ولأن الشواهد في كلام العرب وأشعارهم تشهد له، قال الفراء: سمعت بعض العرب يقول: الثور أحمر كأنه الشقق، وقال الشاعر: أحمر اللون كمحمر الشفق وقال آخر: قم يا غلام أعني غير محتشم ... على الزمان بكأس حشوها شفق [[تفسير مجمع البيان: 10/ 303، تفسير القرطبي: 19/ 275، وفيه مرتبك محتشم.]] ويقال للحفرة الشفق، وزعم الحكماء أنّ البياض لا يغيب أصلا قال الخليل: صعدت منارة اسكندرية فرمقت البياض فرأيته يتردّد من أفق الى أفق ولم أره يغيب، والله أعلم بالصواب. وَاللَّيْلِ وَما وَسَقَ أي جمع وجمل، ويقال: وسقته أسقه وسقا، ومنه قيل للطعام المجتمع الكبير: وسق وهو ستون صاعا، وطعام موسّق أي مجموع في غرارة ووعاء، وقال مجاهد: برواية ابن أبي بحج: وما آوي فيه من دابة، منصور عنه: وما لفّ وأظلم عليه ودخل فيه، عكرمة: وما جمع فيه منّ دوابه وعقاربه وحيّاته وظلمته، ضحاك ومقاتل: وما ساق من ظلمه فإذا كان الليل ذهب كل شيء إلى مأواه، وقال الأستاذ أبو القاسم بن حبيب: شيبه أن يكون على هذا القول من المقلوب، لأن أصل ساق يسوق، عثمان: حمل من الظلمة، أبو حيان: أقبل من ظلمة أو كوكب، سعيد بن جبير: وما عمل فيه، وروى ابن أبي مليكة وابن جبير عن ابن عباس: وما جمع قال: ألم تسمع قول الشاعر: أن لنا قلائصا [[في لسان العرب: إبلا نقانقا.]] حقائقا ... مستوسقات لو يجدن سائقا [[تفسير جامع البيان للطبري: 30/ 150، وتفسير القرطبي: 19/ 277، ولسان العرب: 10/ 380.]] الْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ أي أجتمع واستوى وتمّ نوره، قتادة: إذا استدار وقيل: سار، مرّة الهمداني: أرتفع وهو في الأيام البيض، ويقال: اتسق الشيء إذا تتابع، واستوسق من الإبل إذا اجتمعت وانضمت وهو أفتعل من الوسق. لَتَرْكَبُنَّ قرأ أهل مكة والكوفة إلّا عاصما بفتح التاء، وهي قراءة عمر بن الخطاب وابن مسعود وأصحابه وابن عباس وأبي العالية، وقالوا: يعني لتركبن يا محمد سماء بعد سماء ودرجة بعد درجة ورتبة بعد رتبة، وقيل: أراد به السماء تتغير لون بعد لون فتصير تارة كَالدِّهانِ وتارة كَالْمُهْلِ وتشقق بِالْغَمامِ مرّة ويطوي [[في الطبري: وتحمر.]] أخرى [[راجع تفسير الطبري: 30/ 155.]] ، وقرأ الآخرون بضمّة وأختاره أبو عبيد قال: لأنّ المعنى بالناس أشبه منه بالنبي ﷺ‎ إنّما ذكر قبل الآية من يؤتى منهم كتابة بيمينه وشماله ثم قال: بعدّها فَما لَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ وذكر ركوبهم طبقا بعد طبق بينهما. واختلف المفسرون في معنى الآية فقال أكثرهم: حالا بعد حال وأمرا بعد أمر في مواقف القيامة عن محمد بن مروان عن الكلبي، حيان عنه: مرّة يعرفون ومرة يجهلون، مقاتل: يعني الموت ثم الحياة ثم الموت ثم الحياة، عطا: مرّة فقرأ ومرة غنى، عمرو بن دينار عن ابن عباس: الشدائد والأهوال الموت ثم البعث ثم العرض، والعرب تقول لمن وقع في أمر شديد: وقع في بنات طبق وفي أخرى بنات طبق، أبو عبيدة: لتركبن سنن من كان قبلكم وأحوالكم، عكرمة: حالا بعد حال، رضيع ثم فطيم ثم غلام ثم شاب ثم شيخ، قالت الحكماء: يشتمل الإنسان من كونه نطفة الى أن يهرم ويموت على سبعة وثلاثين حالا من سبعة وثلاثين اسما: نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم خلقا آخر ثم جنينا ثم وليدا ثم رضيعا ثم فطيما ثم يافعا ثم ناشئا ثم مترعرعا ثم حزورا [[هو الغلام إذا اشتد وقوي وخدم، راجع لسان العرب: 4/ 187.]] ثم مراهقا ثم محتلما ثم بالغا ثم أمرد ثم طاردا ثم طارا ثم باقلا ثم مسيطرا ثم مطرخما ثم مختطا ثم صملا ثم ملتحيا ثم مستويا ثم مصعدا ثم مجتمعا- والشاب يجمع ذلك كلّه ثم ملهوزا ثم كهلا ثم أشمط ثم شيخا ثم أشيب ثم حوقلا ثم صفتانا ثم هرما ثم ميتا، فهذا معنى قوله سبحانه وتعالى: لَتَرْكَبُنَّ. طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ والطبق في اللغة الحال، قال الأقرع بن حابس: إني امرؤ قد حلبت الدهر أشطره ... وساقني طبق منه الى طبق [[تفسير القرطبي: 19/ 280.]] فلست أصبو الى خل يفارقني ... ولا تقبض أحشائي من الفرق وأنشدني أبو القاسم عبد الله بن محمد البابي قال: أنشدني أبو سعيد عثمان بن جعفر بن نصره الموصلي قال: أنشدنا أبو يعلي أحمد بن علي المثنى: الصبر أجمل [[في المصدر: أحمد.]] والدنيا مفجعة ... من ذا الذي لم يذق من عيشه رنقا إذا صفا لك من مسرورها طبق ... أهدى لك الدهر من مكروهها طبقا [[الرنق الكدر، واليتان في مجمع البيان: 10/ 303.]] وقال مكحول في هذه الآية: في كل عشرين عاما يحدثون أمرا لم يكونوا عليه، وهذا أدلّ دليل على حدث العالم وإثبات الصانع، قالت الحكماء: من كان اليوم على حالة وغدا أخرى فليعلم أن يدبيره الى سواه، وقيل لأبي بكر الوراق: ما الدليل على أنّ لهذا العالم صانع فقال: تحويل الحالات وعجز القوة وضعف الأركان وقهر المنّة وفسخ العزيمة. سمعت أبا القاسم المفسّر يقول: سمعت أبا الفضل أحمد بن محمد بن حمدون النّسوي يقول: سمعت أبا عبد الرحمن الأرزياني يقول: دخل أبو الفم علي بن محمد بن زيد العلوي بطبرستان عائدا فأنشأ يقول: إني اعتللت ولا كانت بك العلل ... وهكذا الدّهر فيه الصاب [[الصاب: العلقم وهو شجر مرّ.]] والعسل إنّ الذي لا تحل الحادثات به ... ولا يغير فيه الله لا الرجل فَما لَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ وَإِذا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لا يَسْجُدُونَ لا يخضعون ولا يستكينون له، وقال الكلبي ومقاتل: لا يصلّون. أخبرنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن يوسف بقراءتي عليه قال: أخبرنا مكّي قراءة عليه سنة تسع عشر وثلاثمائة قال: حدّثني محمد بن يحيى قال: وفيها قرأ علي بن عبد الله بن نافع المدنيّ وحدّثني مطرف بن عبد الله عن مالك بن أنس عن عبد الله بن زيد مولى الأسود بن سفيان عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن أحمد أنّ أبا هريرة قرأ إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ [[سورة الإنشقاق: 1.]] فسجد فيها، فلما انصرف أخبرهم أنّ رسول الله ﷺ‎ سجد فيها. وأخبرنا أبو سعيد عبد الرحمن بن أحمد بن عبد الله بن نوح قرأه عليه سنة ست وثمانين وثلاثمائة قال: أخبرنا أبو العباس السراج قال: حدثنا قتيبة عن الليث عن بكر عن نعيم بن عبد الله بن محمد قال: صليت مع أبي هريرة فوق هذا المسجد فقرأ إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ فسجد فيها وقال: رأيت رسول الله ﷺ‎ سجد فيها. بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما يُوعُونَ قال مجاهد: يكتمون، قتادة: يُوعُونَ في صدورهم، ابن زيد يجمعون من الأعمال الصالحة والسيئة. فَبَشِّرْهُمْ أخبرهم بِعَذابٍ أَلِيمٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ. غير منقوص ولا مقطوع.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب