الباحث القرآني

ثم نزل في المتخلفين عن غزوة تبوك من المنافقين لَوْ كانَ اسمه مضمر أي لو كان ما يدعوهم إليه عَرَضاً قَرِيباً غنيمة حاضرة وَسَفَراً قاصِداً وموضعا قريبا. قال المبرّد: قاصِداً أي ذا قصد نحو تامر ولابن [[أي ذو تمر وذو لبن.]] ، وقيل: هو طريق مقصود فجعلت صفته على [فاعلة بمعنى مفعولة] كقوله عِيشَةٍ راضِيَةٍ [[سورة الحاقة: 21.]] أي مرضية. لَاتَّبَعُوكَ وَلكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ يعني المسافة وقال الكسائي: هي الغزاة التي يخرجون إليها، وقال قطرب: هي السفر البعيد سمّيت شقة لأنّها تشقّ على الإنسان، والقراءة بضم الشين وهي اللغة الغالبة، وقرأ عبيد ابن عمير بكسر الشين وهي لغة قيس. وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنا قرأ الأعمش بضم الواو لأن أصل الواو الضمة، وقرأ الحسن بفتح الواو لأن الفتح أخفّ الحركات، وقرأ الباقون بالكسر لأن الجزم يحرّك بالكسر لَخَرَجْنا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ بالحلف الكاذب وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ في أيمانهم [واعتلالهم] عَفَا اللَّهُ عَنْكَ قدّم العفو على القتل. قال قتادة وعمرو بن ميمون: شيئان فعلهما رسول الله ﷺ‎ ولم يؤمر بهما: إذنه للمنافقين وأخذه من الأسارى الفدية فعاتبه الله كما تسمعون [[راجع تفسير الطبري: 8/ 155.]] . وقال بعضهم: إنّ الله عز وجل وقره ورفع محله [فهو افتتاح] الكلام بالدعاء له، كما يقول الرجل لمخاطبه إن كان كريما عنده: عفا الله عنك ما صنعت في حاجتي ورضي الله عنك إلّا زرتني، وقيل: معناه: أدام الله لك العفو. لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا في أعذارهم وَتَعْلَمَ الْكاذِبِينَ فيها لا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ إلى قوله تعالى وَارْتابَتْ قُلُوبُهُمْ شكّت ونافقت قلوبهم فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ متحيّرين، وَلَوْ أَرادُوا الْخُرُوجَ إلى الغزو لَأَعَدُّوا لهيّأوا لَهُ عُدَّةً وهي المتاع والكراع وَلكِنْ كَرِهَ اللَّهُ لم يرد الله انْبِعاثَهُمْ [خروجهم] فَثَبَّطَهُمْ فمنعهم وحبسهم وَقِيلَ اقْعُدُوا في بيوتكم مَعَ الْقاعِدِينَ يعني المرضى والزمنى، وقيل: النساء والصبيان. لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ الآية، وذلك أن رسول الله ﷺ‎ أمر الناس بالجهاد لغزوة تبوك، فلمّا خرج رسول الله ﷺ‎ هو وعسكره على ثنيّة الوداع، ولم يكن بأقلّ العسكرين، فلمّا سار رسول الله ﷺ‎ تخلف عنه عبد الله بن أبيّ فيمن تخلف من المنافقين وأهل الريب، فأنزل الله تعالى [يعزي] نبيه ﷺ‎: لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ يعني المنافقين ما زادُوكُمْ إِلَّا خَبالًا فسادا ، وقال الكلبي: شرّا وقيل: غدرا ومكرا وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يعني ولأوضعوا ركابهم بينكم، يقال: وضعت الناقة تضع وضعا ووضوعا إذا أسرعت السير، وأوضعها إيضاعا أي جدّ بها فأسرع، قال الراجز: يا ليتني فيها جذع ... أخبّ فيها وأضع [[تفسير الطبري: 10/ 187. البيت لدريد بن الصمة قاله في يوم هوازن كما في لسان العرب: 8/ 398.]] وقال: أقصر فإنك طالما ... أوضعت في إعجالها قال محمد بن إسحاق يعني: أسرع الفرار في أوساطكم وأصل الخلال من الخلل وهو الفرجة بين الشيئين وبين القوم في الصفوف وغيرها، ومنه قول النبي ﷺ‎: «تراصّوا في الصفوف لا يخللكم الشيطان كأولاد الحذف» [20] [[المعجم الصغير للطبراني: 1/ 119.]] . يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ أي يبغون لكم، يقول: يطلبون لكم ما تفتنون به، يقولون: لقد جمع [العدو] لكم فعل وفعل، يخبلونكم. وقال الكلبي: يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ يعني الغيب والسر، وقال الضحاك: يعني الكفر، يقال فيه: بغيته أبغيه بغاء إذا التمسته بمعنى بغيت له، ومثله عكمتك إن عكمت لك فيها، وإذا أرادوا أعنتك عليه قالوا: أبغيتك وأحلبتك وأعكمتك [[تفسير الطبري: 10/ 187.]] . وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ قال مجاهد وابن زيد بينكم عيون لهم عليكم [يوصلون] ما يسمعون منكم، وقال قتادة وابن يسار: وفيكم من يسمع كلامهم ويطبعهم وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ أي عملوا بها لصد أصحابك عن الدين وردهم إلى الكفر بتخذيل الناس عنك قبل هذا اليوم، كفعل عبد الله بن أبي يوم أحد حين انصرف عنك بأصحابه وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ أجالوا فيك وفي إبطال دينك الرأي بالتخذيل عنك وتشتّت أصحابك. حَتَّى جاءَ الْحَقُّ أي النصر والظفر وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ دين الله وَهُمْ كارِهُونَ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي الآية. نزلت في جد بن قيس المنافق وذلك أن رسول الله ﷺ‎ لمّا تجهّز لغزوة تبوك، قال له: يا أبا وهب، هل لك في جلاد بني الأصفر تتخذ منهم وصفاء، قيل: وإنما أمر بذلك لأن الحبش غلبت على ناحية الروم فولدت لهم بنات قد أنجبت من بياض الروم وسواد الحبشة فكنّ صفر اللعس [[اللعس: سواد اللثة والشفة، وقيل: سواد في حمزة وقيل: سواد يعلو شفة المرأة البيضاء.]] ، فلمّا قال له ذلك رسول الله ﷺ‎ قال جد: يا رسول الله لقد عرفت قومي أني رجل مغرم بالنساء وأني أخشى إن رأيت بنات الأصفر أن لا أصبر عنهن فلا تفتنّي بهن وائذن لي في القعود وأعينك بمالي، فأعرض عنه رسول الله ﷺ‎ وقال: قد أذنت لك، فأنزل الله (وَمِنْهُمْ) يعني ومن المنافقين (مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي) في التخلف (وَلا تَفْتِنِّي) ببنات الأصفر [[جامع البيان للطبري: 10/ 192.]] ، قال قتادة: ولا تأتمنّي أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا ألا في الإثم والشرك وقعوا بخيانتهم وخلافهم أمر الله ورسوله وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ مطيفة بهم وجامعتهم فيها، فلما نزلت هذه الآية قال رسول الله ﷺ‎ لبني سلمة وكان منهم: من سيّدكم؟ قالوا: جدّ بن قيس غير أنه نحيل جبان، فقال النبي ﷺ‎ وأي داء أدوى من البخل، بل سيّدكم الفتى الأبيض الجعد بشر بن البراء بن معرور، فقال فيه حسّان: وقال رسول الله والقول لاحق ... بمن قال منّا من تعدّون سيّدا فقلنا له جدّ بن قيس على الذي ... نبخّله [[في أسباب النزول: ببخله.]] فينا وإن كان أنكدا فقال وأي الداء أدوى من الذي ... رميتم به جدا وعالى بها يدا وسوّد بشر بن البراء لجوده ... وحق لبشر ذي الندى أن يسوّدا إذا ما أتاه الوفد أنهب ماله ... وقال خذوه إنه عائد غدا [[أسباب النزول للواحدي: 167، وتفسير القرطي: 8/ 159.]]
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب