الباحث القرآني

وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ معناه وإن استجارك أحد، لأن حروف الجر لا تلي غير الفعل يقول الشاعر: عاود هراة وإن معمورها خربا [[الصحاح: 6/ 2535.]] ، أي وإن غرب معمورها. وقال أخر: أتجزع إن نفس أتاها حمامها ... فهلّا التي عن بين جنبيك تدفع [[القاموس المحيط: 4/ 250.]] ومعنى الآية: وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ الذين أمرتك بقتالهم وقبلهم اسْتَجارَكَ أي استعاذ بك واستأمنك بعد انسلاخ الأشهر الحرم ليسمع كلام الله فَأَجِرْهُ فأعذه وأمنه حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ فتقيم عليه حجة الله، وتبين له دين الله عز وجل، فإن أسلم فقد نال عز الإسلام وخير الدنيا والآخرة وصار رجلا من المسلمين، وإن أبي أن يسلم ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ دار قومه فإن قاتلك بعد ذلك فقدرت عليه فاقتله ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ دين الله وتوحيده. قال الحسن: وهذه الآية محكمة إلى يوم القيامة وليست بمنسوخة. قال سعيد بن جبير: جاء رجل من المشركين إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فقال: إن أراد الرجل منا أن يأتي محمدا بعد انقضاء هذا الأجل يسمع كلامه أو يأتيه لحاجته، فقال علي لا لأن الله عز وجل يقول: وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ الآية. كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ على [معنى] التعجب، ومعناه جحد أي لا يكون لهم عهد، كما تقول في الكلام: هل أنت إلا واحد منّا، أي أنت، وكيف يستيقن مثلك؟ أي لا يستيقن، ومنه: هل أنت إلا إصبع دميت ... وفي سبيل الله ما لقيت ثم استثنى فقال: إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ واختلفوا فيه فقال ابن عياش: هم قريش، وقال قتادة وابن زيد: هم أهل مكة الذين عاهدهم رسول الله ﷺ‎ يوم الحديبية، قال الله عز وجل فَمَا اسْتَقامُوا لَكُمْ على العهد فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ قالوا: فلم يستقيموا ونقضوا العهد وأعانوا بني بكر على خزاعة، فضرب لهم رسول الله ﷺ‎ بعد الفتح بأربعة أشهر يختارون من أمرهم أما أن يسلموا، واما أن يلحقوا بأي بلاد شاؤوا، فأسلموا قبل الأربعة أشهر. قال السدي وابن إسحاق والكلبي: هم من قبائل بكر بن خزيمة وهو مدلج وبنو ضمرة وبنو الدئل، وهم الذين كانوا قد دخلوا في عهد قريش، وعقدهم يوم الحديبية إلى المدة التي كانت بين رسول الله وبين قريش، فلم يكن نقضها إلا قريش وبنو الدئل من بني بكر، فأمر بإتمام العهد لمن لم يكن نقض من بني بكر إلى مدته، وهذا القول أقرب إلى الصواب، لأن هذه الآيات نزلت بعد نقض قريش العهد وبعد فتح مكة، فكيف يأتي شيء قد مضى. فَمَا اسْتَقامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ وإنما هم الذين قال الله عز وجل إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئاً كما نقصكم قريش، وَلَمْ يُظاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَداً كما ظاهرت [من] قريش بني بكر على خزاعة [سلفا] رسول الله (ﷺ‎) . كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ مردود على الآية الأولى تقديره: كيف يكون لهؤلاء عهود وهم إن يظهروا عليكم يظفروا فيقتلوكم لا يَرْقُبُوا قال ابن عباس: لا يحفظوا، وقال الأخفش: كيف لا يقتلونهم، وقال الضحاك: لا ينتظروا، وقال قطرب: لا يراعوا فِيكُمْ إِلًّا قال ابن عباس والضحاك: قرابة، وقال يمان: رحما، دليله قول حسان: لعمرك إنّ إلّك من قريش ... كإلّ السقب من رأل النعام [[لسان العرب: 11/ 26.]] وقال قتادة: الإلّ: الحلف، دليله قول أوس بن حجر: لولا بنو مالك والالّ من فيه ... ومالك فهم اللألاء والشرف وقال السدّي وابن زيد: هو العهد، ولكنه لما اختلف الفظان كرّر وإن كان معنا هما واحدا كقول الشاعر: وألفى قولها كذبا ومينا [[الصحاح: 6/ 2210، والجمع: ميون، ولسان العرب: 13/ 425.]] وهو إحدى الروايتين عن مجاهد يدلّ عليه قول الشاعر: وجدناهم كاذبا إلّهم ... وذو الإلّ والعهد لا يكذب [[تفسير الطبري: 10/ 110.]] وقيل: هو اليمين والميثاق، وقال أبو مجلز ومجاهد في ساير الروايات: الإلّ هو الله عز وجل، وكان عبيد بن عميرة يقرأ جبرإلّ بالتشديد [[أي اللام المشددة ومرادة: (جبر) وهو عبد، و (إل) هو الله.]] ، يعني عبد الله، وفي الخبر أنّ ناسا قدموا على أبي بكر الصديق رضي الله عنه من قوم المسلمين فاستقرأهم أبو بكر كتاب مسيلمة فقرأوا، فقال أبو بكر: إن هذا الكلام لم يخرج من إلّ. والدليل على هذا التأويل قراءة عكرمة: لا يرقبون في مؤمن ايلا، بالياء يعني بالله عز وجل مثل جبرئيل وميكائيل وَلا ذِمَّةً عهدا وجمعها ذمم، وقيل: تذمما ممن لا عهد له يُرْضُونَكُمْ بِأَفْواهِهِمْ يعطونكم ويرونكم بألسنتهم خلاف ما في قلوبهم مثل قول المنافقين وَتَأْبى قُلُوبُهُمْ الإيمان وَأَكْثَرُهُمْ فاسِقُونَ ناكثون ناقضون كافرون. اشْتَرَوْا بِآياتِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِيلًا وذلك أنّهم نقضوا العهد الذي بينهم وبين الرسول الله ﷺ‎ لمّا أطعمهم أبو سفيان بن حرب، وقال مجاهد: أطعم أبو سفيان حلفا وترك حلف محمد ﷺ‎ فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ فمنعوا الناس عن دينه وعن الدخول فيه، قال عطاء كان أبو سفيان يعطي الناقة والطعام ليصدّ الناس بذلك عن متابعة النبي ﷺ‎، وقال ابن عباس: وذلك أن أهل الطائف أمدّوهم بالأموال ليقوّوهم على حرب رسول الله ﷺ‎ وعداوته. إِنَّهُمْ ساءَ بئس ما كانُوا يَعْمَلُونَ لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلا ذِمَّةً يقول: لا تبقوا عليهم أيّها المؤمنون كما لا يبقون عليكم لو ظهروا عليكم [[تفسير الطبري: 10/ 112.]] . وَأُولئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ بنقض العهد فَإِنْ تابُوا من الشرك وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَإِخْوانُكُمْ يعني فهم إخوانكم فِي الدِّينِ لهم ما لكم وعليهم ما عليكم وَنُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ قال ابن عباس: حرّمت هذه الآية دماء أهل القبلة. وقال ابن زيد: افترض الصلاة والزكاة جميعا ولم يفرق بينهما، وأبي أن يقبل الصلاة إلا بالزكاة، وقال: يرحم الله أبا بكر فكان ما أفقهه، وقال ابن مسعود: أمرتم بالصلاة والزكاة فمن لم يزكّ لا صلاة له.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب