الباحث القرآني

(وإذا تتلى عليهم) فيه التفات عن الخطاب إلى الغيبة إعراضاً عنهم (آياتنا) التي في الكتاب العزيز، أي وإذا تلا التالي عليهم آياتنا الدالة على إثبات التوحيد وإبطال الشرك حال كونها (بينات) أي واضحات الدلالة على المطلوب (قال الذين لا يرجون لقاءنا) أي لا يخافون البعث وهم المنكرون للمعاد. وقال قتادة: هم مشركو مكة، وقد تقدم تفسيره قريباً، أي قالوا لمن يتلوها عليهم وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم. (ائت بقرآن غير هذا أو بدّله) طلبوا منه صلى الله عليه وسلم لما سمعوا ما غاظهم فيما تلاه عليهم من القرآن من ذم عبادة الأوثان والوعيد الشديد لمن عبدها أحد أمرين: إما الإتيان بقرآن غير هذا القرآن مع بقاء هذا القرآن على حاله؛ وإما تبديل هذا القرآن بنسخ بعض آياته أو كلها ووضع أخرى مكانها مما يطابق إرادتهم ويلائم غرضهم. قال الرازي: إقدامهم على هذا الالتماس إما على سبيل السخرية والاستهزاء أو على سبيل التجربة والامتحان، حتى أنه لو فعل ذلك علموا أنه كاذب في قوله إن هذا القرآن ينزل عليه من عند الله تعالى. فأمره الله أن يقول في جوابه (قل ما يكون) أي ما ينبغي ولا يحل (لي أن أبدله من تلقاء نفسي) فنفى عن نفسه أحد القسمين وهو التبديل لأنه الذي يمكنه لو كان ذلك جائزاً بخلاف القسم الآخر وهو الإتيان بقرآن آخر، فإن ذلك ليس بوسعه ولا يقدر عليه. وقيل أنه صلى الله عليه وسلم نفى عن نفسه أسهل القسمين ليكون دليلاً على نفي أصعبهما بالطريق الأولى، وهذا منه صلى الله عليه وسلم من باب مجازاة السفهاء. إذ لا يصدر مثل هذا الاقتراح عن العقلاء بعد أن أمره الله سبحانه بذلك وهو أعلم بمصالح عباده وبما يدفع الكفار عن هذه الطلبات الساقطة والسؤالات الباردة. قال الزجاج: سألوه إسقاط ما فيه من ذكر البعث والنشور، وقيل سألوه أن يسقط ما فيه من عيب آلهتهم وتسفيه أحلامهم، وقيل سألوه أن يحول الوعد وعيداً والحرام حلالاً والحلال حراماً. ثم أمره أن يؤكد ما أجاب به عليهم من أنه ما صح له ولا استقام أن يبدله من تلقاء نفسه بقوله (إن أتبع إلا ما يوحى إليّ) من عند الله سبحانه من غير تبديل ولا تحويل ولا تحريف ولا تصحيف، فقصر حاله صلى الله عليه وسلم على اتباع ما يوحى إليه، وربما كان مقصد الكفار بهذا السؤال التعريض للنبي (- صلى الله عليه وسلم -) بأن القرآن كلامه، وأنه يقدر على الإتيان بغيره والتبديل له. ثم أمره الله سبحانه أن يقول لهم تكميلاً للجواب عليهم (إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم) فإن هذه الجملة كالتعليل لما قدمه من الجواب قبلها واليوم العظيم هو يوم القيامة، أي إني أخاف إن عصيت ربي بفعل ما تطلبون على تقدير إمكانه عذاب يوم القيامة. ثم أكد سبحانه كون هذا القرآن من عند الله وإنه صلى الله عليه وسلم إنما يبلغ إليهم منه ما أمره الله بتبليغه لا يقدر على غير ذلك فقال
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب