الباحث القرآني

لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (26) ثم قسم سبحانه أهل الدعوة إلى قسمين وبين حال كل طائفة فقال: (للذين أحسنوا) بالقيام بما أوجبه الله عليهم من الإيمان والأعمال والكف عما نهاهم عنه من المعاصي، وقيل للذين شهدوا أن لا إله إلا الله (الحسنى) أي المثوبة الحسنى وإن كان معه ذنوب، فعصاة المؤمنين داخلون في هذا، وقال ابن الأنباري: الحسنى في اللغة تأنيث الأحسن، والعرب توقع هذه اللفظة على الخصلة المحبوبة المرغوب فيها ولذلك ترك موصوفها، وقيل المراد بالحسنى الجنة. (وزيادة) قيل المراد بها ما يزيد على المثوبة من التفضل كقوله: (ليوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله) وقيل الزيادة النظر إلى وجهه الكريم، وبه قال جماعة من الصحابة منهم أبو بكر الصديق وحذيفة وأبو موسى الأشعري وعبادة بن الصامت، وبه قال الحسن وعكرمة والضحاك ومقاتل والسدي. وقيل الزيادة هي مضاعفة الحسنة إلى عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، وقيل الزيادة غرفة من لؤلؤة واحدة لها أربعة أبواب، قاله علي بن أبي طالب، وقيل الزيادة مغفرة من الله ورضوان قاله مجاهد، وقيل هي ما يعطيهم سبحانه في الدنيا من فضله لا يحاسبهم عليه يوم القيامة، قاله ابن زيد، وقيل غير ذلك مما لا فائدة في ذكره. وأخرج أحمد ومسلم والترمذي وابن ماجة وابن خزيمة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وغيرهم عن صهيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تلا هذه الآية ثم قال: " إذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار نادى مناد يا أهل الجنة إن لكم عند الله موعداً يريد أن ينجزكموه فيقولون وما هو؟ ألم يثقل موازيننا ويبيض وجوهنا ويدخلنا الجنة ويزحزحنا عن النار؟ قال فيكشف لهم الحجاب فينظرون إليه فوالله ما أعطاهم الله شيئاً أحب إليهم من النظر إليه، ولا أقر لأعينهم " [[الإمام أحمد، 4/ 333.]]. وفي لفظ من حديث أبي موسى مرفوعاً: الحسنى الجنة والزيادة النظر إلى وجه الرحمن، أخرجه الدارقطني وابن جرير وغيرهما، وروي مثله عن جماعة من الصحابة مرفوعاً بطرق، وقد روي عن التابعين ومن بعدهم روايات في تفسير الزيادة غالبها أنها النظر إلى وجه الله سبحانه، وقد ثبت التفسير بذلك من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يبق حينئذ لقائل مقال ولا التفات إلى المجادلات الواقعة بين المتمذهبة الذين لا يعرفون من السنة المطهرة ما ينتفعون به، فإنهم لو عرفوا ذلك لكفوا عن كثير من هذيانهم والله المستعان. (ولا يرهق) الرهق الغشيان، وقيل أصله المقاربة، وقيل معناه يلحق ومنه قيل غلام مراهق إذا لحق بالرجال، وقيل يعلو والمعاني متقاربة والمعنى لا يغشى (وجوههم قتر) هو غبار معه سواد، وقيل سواد الوجه واحده قترة وقيل هو الدخان ومنه غبار القدر، وقيل التقليل ومنه ولم يقتروا، ومنه على المقتر قدره، وقيل الكآبة. (ولا ذلة) هي ما يظهر على الوجه من الخضوع والانكسار والهوان، يعني لا يعلو وجوههم غبرة ولا يظهر فيها هوان، وقال مجاهد في الآية: خزي، وعن صهيب عنه صلى الله عليه وآله وسلم قال: هذا بعد نظرهم إليه عز وجل، أخرجه أبو الشيخ، والجملة مستأنفة أو في محل نصب على الحال، قاله أبو البقاء. وهذا ليس بجائز لأن المضارع متى وقع حالاً منفياً بلا امتنع دخول واو الحال عليه كالمثبت أو في محل الرفع نسقاً على الحسنى، والتقدير وأن لا يرهق أي وعدم رهقهم. (أولئك أي المتصفون بالصفات السابقة هم (أصحاب الجنة هم فيها خالدون) أي المتنعمون بأنواع نعمها لا يخرجون منها أبداً. وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (27) وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكَانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكَاؤُكُمْ فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ وَقَالَ شُرَكَاؤُهُمْ مَا كُنْتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ (28)
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب