الباحث القرآني

(قالوا أجئتنا لتلفتنا عما وجدنا عليه آباءنا) مستأنفة، قال مجاهد: لتلوينا وتصرفنا، وقال السدي: لتصدنا عن آلهتنا، وفي هذا ما يدل على أنهم انقطعوا عن الدليل وعجزوا عن إبراز الحجة، ولم يجدوا ما يجيبون به عما أورده عليهم، بل لجؤوا إلى ما يلجأ إليه أهل الجهل والبلادة، وهو الاحتجاج بما كان عليه آباؤهم من الكفر، وضموا إلى ذلك ما هو غرضهم وغاية مطلبهم وسبب مكابرتهم للحق وجحودهم للآيات البينة وهو الرياسة الدنيوية التي خافوا عليها وظنوا أنها ستذهب عنهم إن آمنوا. وكم بقي على الباطل وهو يعلم أنه باطل بهذه الذريعة من طوائف هذا العالم في سابق الدهر ولاحقه، فمنهم من حبسه ذلك عن الخروج من الكفر، ومنهم من حبسه عن الخروج إلى السنة من البدعة وإلى الرواية الصحيحة من الرأي البحت. قال أبو السعود: استئناف بياني مسوق لبيان أنه عليه السلام ألقمهم الحجر فانقطعوا عن الإتيان بكلام له تعلق بكلامه صلى الله عليه وسلم فضلاً عن الجواب الصحيح، واضطروا إلى التشبث بذيل التقليد الذي هو دأب كل عاجز محجوج وديدن كل عاند لدود. انتهى. واللفت والفتل أخوان وكلاهما من باب ضرب، يقال لفته لفتاً إذا صرفه عن الشيء ولواه عنه، وفي السمين: اللفت الليَّ والصرف، يقال لفته عن رأيه إذا صرفه، ولواه عنه إلى ذات اليمين أو الشمال. وقال الأزهري: لفت الشيء وفتله لواه وهذا من المقلوب. قلت ولا يدعي فيه قلب حتى يرجح أحد اللفظين في الاستعمال على الآخر. أي تريد أن تصرفنا عن الشيء الذي وجدنا عليه آباءنا وهو عبادة الأصنام. (وتكون لكما) أي لموسى وهارون (الكبرياء) مصدر على وزن فعلياء ومعناها العظمة والملك والسلطان (في الأرض) أي مصر، وفيه خمسة أوجه جوزها أبو البقاء. " أحدها " أن يكون متعلقاً بنفس الكبرياء " الثاني " أن يتعلق بنفس تكون " الثالث " أن يتعلق بالاستقرار في لكما لوقوعه خبراً " الرابع " أن يكون حالاً من الكبرياء " الخامس " أن يكون حالاً من الضمير في لكما لتحمله إياه. قال الزجاج: سمي الملك كبرياء لأنه أكبر ما يطلب من أمور الدنيا، وقيل سمي بذلك لأن الملك يتكبر، والحاصل أنهم عللوا عدم قبولهم دعوة موسى بأمرين: التمسك بالتقليد للآباء والحرص على الرياسة الدنيوية، لأنهم إذا أجابوا النبي وصدقوه صارت مقاليد أمر أمته إليه، ولم يبق للملك رياسة تامة لأن التدبير للناس بالدين يرفع تدبير الملوك لهم بالسياسات والعادات. ثم قالوا (وما نحن لكما بمؤمنين) تصريحاً منهم بالتكذيب وقطعاً للطمع في إيمانهم، وقد أفردوا الخطاب لموسى في قولهم أجئتنا لتلفتنا ثم جمعوا بينه وبين هارون في الخطابين الأخيرين، ووجه ذلك أنهم أسندوا المجيء والصرف عن طريق آبائهم إلى موسى لكونه المقصود بالرسالة المبلغ عن الله ما شرعه لهم، وجمعوا بينهما في الضميرين الآخرين لأن الكبرياء شامل لهما في زعمهم، ولكن ترك الإيمان بموسى يستلزم ترك الإيمان بهارون، وقد مرت القصة في الأعراف.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب