الباحث القرآني

(ثم لتسئلن يومئذ عن النعيم) أي عن نعيم الدنيا الذي ألهاكم عن العمل للآخرة، وثم للترتيب الإخباري لا المعنوي، لأن السؤال قبل رؤية الجحيم. قال قتادة: يعني كفار مكة كانوا في الدنيا في الخير والنعمة فيسألون يوم القيامة عن شكر ما كانوا فيه، ولم يشكروا رب النعم حيث عبدوا غيره وأشركوا به، قال الحسن: لا يسأل عن النعم إلا أهل النار. وقال قتادة: إن الله سبحانه سائل كل ذي نعمة عما أنعم عليه وهذا هو الظاهر ولا وجه لتخصيص النعيم بفرد من الأفراد، أو نوع من الأنواع، لأن تعريفه للجنس أو للاستغراق. ومجرد السؤال لا يستلزم تعذيب المسؤول على النعمة التي سئل عنها فقد يسأل الله المؤمن عن النعم التي أنعم بها عليه فيم صرفها وبم عمل فيها ليعرف تقصيره وعدم قيامه بما يجب عليه من الشكر. قيل السؤال عن الأمن والصحة، وقيل عن الصحة والفراغ، وقيل عن الإدراك بالحواس، وقيل عن ملاذ المؤكول والمشروب، وقيل عن الغداء والعشاء، وقيل عن بارد الشراب وظلال المساكن، وقيل عن اعتدال الخلق، وقيل عن لذة النوم، وقيل غير ذلك والأولى العموم كما ذكرنا. وعن ابن عباس في الآية قال صحة الأبدان والأسماع والأبصار، وهو أعلم بذلك منهم، وهو قوله (إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولاً). وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن زيد بن أسلم عن أبيه قال: " قرأ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (ألهاكم التكاثر) يعني عن الطاعة (حتى زرتم المقابر) يقول حتى يأتيكم الموت " (كلا سوف تعلمون) يعني لو قد دخلتم قبوركم (ثم كلا سوف تعلمون) يقول لو قد خرجتم من قبوركم إلى محشركم (كلا لو تعلمون علم اليقين) قال لو قد وقفتم على أعمالكم بين يدي ربكم (لترون الجحيم) وذلك أن الصراط يوضع وسط جهنم فناج مسلم ومخدوش مسلم ومكدوش في نار جهنم (ثم لتسئلن يومئذ عن النعيم) يعني شبع البطون وبارد الشراب وظلال المساكن واعتدال الخلق ولذة النوم. وأخرج ابن مردويه عن عياض بن غنم مرفوعاً نحوه، وعن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الآية قال: " الأمن والصحة " رواه عبد الله بن أحمد في زائد الزهد وابن أبي حاتم وغيرهما. وعن علي قال النعيم العافية، وعنه قال من أكل خبز البر وشرب ماء الفرات مبرداً وكان له منزل يسكنه فذلك من النعيم الذي يسأل عنه. عن أبي الدرداء قال: قال رسول صلى الله عليه وآله وسلم في الآية: " أكل خبز البر والنوم في الظل وشرب ماء الفرات مبرداً " أخرجه ابن مردويه، ولعل رفع هذا لا يصح فربما كان من قول أبي الدرداء. وعن أبي قلابة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الآية قال: " ناس من أمتي يعقدون السمن والعسل بالنقى فيأكلونه " أخرجه أحمد في الزهد وابن مردويه وهذا مرسل. وعن عكرمة قال لما نزلت هذه الآية قال الصحابة يا رسول الله أي نعيم نحن فيه، وإنما نأكل في إنصاف بطوننا خبز الشعير، فأوحى الله إلى نبيه صلى الله عليه وسلم أن قل لهم " أليس تحتذون النعال وتشربون الماء البارد، فهذا من النعيم " أخرجه عبد بن حميد وابن أبي حاتم. وعن محمود بن لبيد قال لما نزلت (ألهاكم التكاثر) فقرأ حتى بلغ النعيم، قالوا يا رسول الله أي نعيم نسأل عنه، وإنما هما الأسودان الماء والتمر وسيوفنا على رقابنا والعدو حاضر، فعن أي نعيم نسأل؟ قال " أما إن ذلك سيكون " أخرجه ابن أبي شيبة وهناد وأحمد وابن جرير وابن مردويه والبيهقي في الشعب. وأخرجه الترمذي وغيره من حديث أبي هريرة. وأخرجه أحمد والترمذي وحسنه وغيرهما من حديث الزبير بن العوام. وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " أن أول ما يسأل العبد عنه يوم القيامة من النعيم أن يقال له ألم نصح لك جسدك ونرويك من الماء البارد " [[روى البخاري في " صحيحه " 11/ 196 عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ ". قال الحافظ ابن حجر في " الفتح " -[371]- 11/ 197: وقوله في الحديث: " مغبون فيهما كثير من الناس " كقوله تعالى: (وقليل من عبادي الشكور) فالكثير في الحديث في مقابلة القليل في الآية، ونقل عن ابن بطال أن معنى الحديث: أن المرء لا يكون فارغاً حتى يكون مكفياً صحيح البدن، فمن حصل له ذلك، فليحرص على أن لا يغبن بأن يترك شكر الله على ما أنعم به عليه، ومن شكره امتثال أوامره واجتناب نواهيه، فمن فرط في ذلك فهو المغبون. قال ابن حجر: وأشار بقوله: " كثير من الناس " إلى أن الذي يوفق لذلك قليل. ونقل عن ابن الجوزي قوله: قد يكون الإنسان صحيحاً ولا يكون متفرغاً لشغله بالمعاش، وقد يكون مستغنياً ولا يكون صحيحاً، فإذا اجتمعا فغلب عليه الكسل عن الطاعة فهو المغبون، وتمام ذلك أن الدنيا مزرعة الآخرة، وفيها التجارة التي يظهر ربحها في الآخرة، فمن استعمل فراغه وصحته في طاعة الله فهو المغبوط، ومن استعملها في معصية الله فهو المغبون، لأن الفراغ يعقبه الشغل، والصحة يعقبها السقم.]] أخرجه أحمد والترمذي وابن حبان والحاكم والبيهقي وغيرهم. وعن جابر بن عبد الله قال: جاءنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر فأطعمناهم رطباً وسقيناهم ماء فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " هذا من النعيم الذي تسألون عنه " أخرجه أحمد والنسائي وابن جرير وابن المنذر وعبد بن حميد وغيرهم. وأخرج مسلم وأهل السنن وغيرهم عن أبي هريرة قال: " خرج النبي صلى الله عليه وسلم فإذا هو بأبي بكر وعمر فقال ما أخرجكما من بيوتكما الساعة؟ قالا: الجوع يا رسول الله، قال والذي نفسي بيده لأخرجني الذي أخرجكما فقوما فقاما معه فأتى رجلاً من الأنصار فإذا هو ليس في بيته فلما رأته المرأة قالت مرحباً فقال النبي صلى الله عليه وسلم أين فلان؟ فقالت انطلق يستعذب لنا الماء إذ جاء الأنصاري، فنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبيه فقال الحمد لله ما أحد اليوم أكرم أضيافاً مني، فانطلق فجاء بعذق فيه بسر وتمر فقال كلوا من هذا، وأخذ المدية فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم إياك والحلوب، فذبح لهم فأكلوا من الشاة ومن ذلك العذق وشربوا فلما شبعوا ورووا قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأبي بكر وعمر " والذي نفسي بيده لتسألن عن هذا النعيم يوم القيامة " وفي الباب أحاديث.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب