الباحث القرآني

(فسبح بحمد ربك) هذا جواب انشرط وهو العامل فيه، والتقدير فسبح بحمد ربك إذا جاء نصر الله كما مر، وقال مكي العامل في (إذا) هو جاء، ورجحه أبو حيان وضعف الأول بأن ما جاء بعد فاء الجواب لا يعمل فيما قبلها. وقوله (بحمد ربك) في محل نصب على الحال أي فقل سبحان الله متلبساً بحمده أو حامداً له، وفيه الجمع بين تسبيح الله المؤذن بالتعجب مما يسره الله له مما لم يكن يخطر بباله ولا بال أحد من الناس، وبين الحمد له على جميل صنعه له وعظيم منته عليه بهذه النعمة التي هي النصر والفتح لأم القرى التي كان أهلها قد بلغوا في عداوته إلى أعلى المبالغ حتى أخرجوه منها بعد أن افتروا عليه من الأقوال الباطلة، والأكاذيب المختلقة ما هو معروف من قولهم هو مجنون هو ساحر هو شاعر هو كاهن ونحو ذلك. ثم ضم سبحانه إلى ذلك أمره نبيه صلى الله عليه وآله وسلم بالاستغفار فقال (واستغفره) أي اطلب منه المغفرة لذنبك، وسله الغفران هضماً لنفسك واستقصاراً لعملك، واستدراكاً لما فرط منك من ترك ما هو الأولى. وقد كان صلى الله عليه وآله وسلم يرى قصوره عن القيام بحق الله ويكثر من الاستغفار والتضرع وإن كان قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وقيل أن الاستغفار منه صلى الله عليه وآله وسلم ومن سائر الأنبياء هو تعبد تعبدهم الله به لا لطلب المغفرة لذنب كائن منهم، وقيل إنما أمره الله سبحانه بالاستغفار تنبيها لأمته وتعريضاً بهم، فكأنهم هم المأمورون بالاستغفار. وقيل إن الله سبحانه أمره بالاستغفار لأمته لا لذنبه وقيل المراد بالتسبيح هنا الصلاة، والأولى حمله على معنى التنزيه مع ما أشرنا إليه من كون فيه معنى التعجب سروراً بالنعمة، وفرحاً بما حباه الله من نصر الدين وكبت أعدائه ونزول الذلة بهم، وحصول القهر لهم. قال الحسن: أعلم الله رسوله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قد اقترب أجله فأمره بالتسبيح والتوبة ليختم له في آخر عمره بالزيادة في العمل الصالح، فكان يكثر أن يقول " سبحانك اللهم وبحمدك اغفر لي إنك أنت التواب ". قال قتادة ومقاتل: وعاش صلى الله عليه وسلم بعد نزول هذه السورة سنتين. وعن عائشة قالت " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر من قول " سبحان الله وبحمده وأستغفره وأتوب إليه " فقلت يا رسول الله أراك تكثر من قول سبحان الله وبحمده واستغفر الله وأتوب إليه، فقال أخبرني ربي أني سأرى علامة من أمتي فإذا رأيتها أكثرت من قول سبحان الله وبحمده وأستغفر الله وأتوب إليه، فقد رأيتها (إذا جاء نصر الله والفتح) فتح مكة ورأيت الناس يدخلون الخ " أخرجه ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه. وأخرج البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه وغيرهم عن عائشة قالت " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده " سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي، بتأويل القرآن تعني (إذا جاء نصر الله والفتح) وفي الباب أحاديث. وقوله (إنه كان تواباً) تعليل لأمره سبحانه نبيه صلى الله عليه وسلم بالاستغفار أي من شأنه التوبة على المستغفرين له، يتوب عليه ويرحمهم بقبول توبتهم، وتواب من صيغ المبالغة، ففيه دلالة على أنه سبحانه مبالغ في قبول توبة التائبين. وقد حكى الرازي في تفسير اتفاق الصحابة رضي الله عنهم على أن هذه السورة دلت على نعي رسول الله صلى الله عليه وسلم. وعن ابن عمر نزلت هذه السورة بمنى في حجة الوداع ثم نزل (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي) فعاش النبي صلى الله عليه وسلم بعدها ثمانين يوماً ثم نزلت آية الكلالة فعاش بعدها خمسين يوماً، ثم نزل (واتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله) فعاش بعدها أحداً وعشرين يوماً، وقيل سبعة أيام، وقيل غير ذلك. وكان فتح مكة في رمضان سنة ثمان، وتوفي صلى الله عليه وسلم في ربيع الأول على رأس العاشرة بالنظر لجعل التاريخ من الهجرة وإن كانت لشهرين وشيء مضت من الحادية عشرة إذا اعتبر التاريخ من أول السنة الشرعية وهو المحرم، فلما هاجر صلى الله عليه وسلم لاثني عشر من ربيع الأول حسبوا الباقي من هذه السنة سنة مع أنها ناقصة شهرين واثني عشر يوماً، فلما كانت وفاته لاثني عشر من ربيع الأول كان الماضي من هذه السنة وهو شهران واثنا عشر يوماً مكملاً ومتمماً لما نقصته السنة الأولى فصح قولهم أنه توفي في العاشرة أي على رأسها وحين كمالها بالنظر لجعل التاريخ من الهجرة، ويصح أن يقال توفي في الحادية عشرة بالنظر لجعل التاريخ من أول السنة الشرعية تأمل والله تعالى أعلم.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب