الباحث القرآني

(وقال يا بني لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة) لما تجهز أولاد يعقوب للسير إلى مصر خاف عليهم أبوهم أن تصيبهم العين لكونهم كانوا ذوي جمال ظاهر، وثياب حسنة مع كونهم أولاد رجل واحد، فنهاهم أن يدخلوا مجتمعين من باب واحد، لأن في ذلك مظنة لإصابة العين لهم والعين حق فأمرهم أن يدخلوا من أبواب متفرقة، وكان لمدينة مصر يومئذ أربعة أبواب، وقال السدي؛ أراد الطرق لا الأبواب ولم يأمرهم بالتفرق في الكرة الأولى لأنهم كانوا مجهولين في الكرة الأولى. ولم يكتف بقوله (لا تدخلوا من باب واحد) من قوله (وادخلوا من أبواب متفرقة) لأنهم لو دخلوا من بابين مثلاً كانوا قد امتثلوا النهي عن الدخول من باب واحد، ولكنه لما كان في الدخول من بابين مثلاً نوع اجتماع يخشى معه أن تصيبهم العين، أمرهم أن يدخلوا من أبواب متفرقة. قال النخعي: أحب يعقوب أن يلقى أخاه في خلوة، قيل وكان قد علم أن ملك مصر هو ولده يوسف عليه السلام إلا أن الله لم يأذن له في إظهاره ذلك، فلما بعث أبناءه إليه قال لهم ذلك القول، والأول أولى، أعني أنه خاف عليهم العين، وبه قال ابن عباس ومجاهد وقتادة وجمهور المفسرين. وقد أنكر بعض المعتزلة كأبي علي الجبائي وأتباعه أن للعين تأثيراً إنكاراً بليغاً ولم يذكروا في إنكاره شبهة فضلاً عن حجة، وليس هذا بمستنكر من هؤلاء فقد صار دفع أدلة الكتاب والسنة بمجرد الاستبعادات العقلية دأبهم وديدنهم، وأي مانع من إصابة العين بتقدير الله سبحانه لذلك. وقد وردت الأحاديث الصحيحة بأن العين حق وأصيب بها جماعة في عصر النبوة منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأعجب من إنكار هؤلاء لما وردت به نصوص هذه الشريعة ما يقع من بعضهم من الإزراء على من يعمل بالدليل المخالف لمجرد الاستبعاد العقلي، والتنطع في العبارات كالزمخشري في تفسيره فإنه في كثير من المواطن لا يقف على دفع دليل الشرع بالاستبعاد الذي يدعيه على العقل حتى يضم إلى ذلك الوقاحة في العبارة على وجه يوقع المقصرين في الأقوال الباطلة والمذاهب الزائفة. وبالجملة فقول هؤلاء مدفوع بالأدلة المتكاثرة وإجماع من يعتد به من هذه الأمة سلفاً وخلفاً، وبما هو مشاهد في الوجود، فكم من شخص من هذا النوع الإنساني وغيره من أنواع الحيوان هلك بهذا السبب، وقد اختلف العلماء فيمن عرف بالإصابة بالعين، فقال قوم يمنع من الاتصال بالناس دفعاً لضرره بحبس أو غيره من لزوم بيته، وقيل ينفى، وأبعد من قال أنه يقتل إلا إذا كان يتعمد ذلك ويتوقف إصابته على اختياره وقصده ولم ينزجر عن ذلك فإنه إذا قتل كان له حكم القاتل. ثم قال يعقوب لأولاده (وما أغني عنكم من الله من شيء) أي لا أدفع عنكم ضرراً ولا أجلب إليكم نفعاً بتدبيري هذا بل ما قضاه الله عليكم فهو واقع لا محالة قال الزجاج وابن الأنباري: لو سبق في علم الله أن العين تهلكهم مع الاجتماع لكان تفرقهم كاجتماعهم. وقال آخرون: ما كان يغني عنهم يعقوب شيئاً قط حيث أصابهم ما أصابهم مع تفرقهم من إضافة السرقة إليهم، قال أبو السعود: ولم يرد عليه السلام إلغاء الحذر بالمرة، كيف لا وقد قال تعالى (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) وقال تعالى (خذوا حذركم) بل أراد بيان أن ما وصاهم به ليس مما يستوجب المراد لا محالة بل هو تدبير في الجملة، وإنما التأثير وترتب المنفعة عليه من العزيز القدير، وأن ذلك ليس بمدافعة للقدر بل هو استعانة بالله وهرب منه إليه. ثم صرح يعقوب بأنه لا حكم إلا لله سبحانه فقال (إن الحكم إلا لله) وحده لا لغيره ولا يشاركه فيه مشارك (عليه) لا على غيره (توكلت) أي اعتمدت ووثقت في كل إيراد وإصدار (وعليه) لا على غيره (فليتوكل المتوكلون) على العموم ويدخل فيه أولاده دخولاً أولياً.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب