الباحث القرآني

(وإن تعجب) يا محمد من تكذيبهم لك بعدما كنت عندهم من الصادقين (فعجب) أي فأعجب منه (قولهم) أي تكذيبهم بالبعث، والله تعالى لا يجوز عليه التعجب لأنه تغير النفس بشيء تخفى أسبابه، وذلك في حق الله تعالى محال، قاله القرطبي. وقيل العجب تغير النفس برؤية المستبعد في العادة وإنما ذكر ذلك ليعجب منه رسوله واتباعه. قال الزجاج: أي هذا موضع عجب أيضاً أنهم أنكروا البعث وقد بين لهم من خلق السماوات والأرض ما يدل على أن البعث أسهل في القدرة وقد تقرر في النفوس أن الإعادة أهون من الإبداء فهذا موضع التعجيب، وقيل الآية في منكري الصانع مع الأدلة الواضحة بأن المتغير لا بدّ له من مغير فهو محل التعجب. والأول أولى لقوله (أئذا كنا تراباً أئنّا لفي خلق جديد) والجملة في محل الرفع أو النصب والعجب على الأول كلامهم وعلى الثاني تكلمهم بذلك أو لا يرون أنه خلقهم من نطفة، فالخلق منها أشد من الخلق من تراب وعظام، والعامل في إذا نبعث أو نعاد، والاستفهام منهم للإنكار المفيد لكمال الاستبعاد، وفي هذا الاستفهام المكرر اختلف القراء اختلافاً منتشراً وهو في أحد عشر موضعاً في تسع سور من القرآن ولا بدّ من تعيينها. فأولها هنا. والثاني والثالث في الإسراء بلفظ واحد (أئذا كنا عظاماً ورفاتاً أئنا لمبعوثون خلقاً جديداً). والرابع: في المؤمنون (أئذا متنا وكنا تراباً وعظاماً أئنا لمبعوثون). والخامس: في النمل (أئذا كنا تراباً وآباؤنا أئنا لمخرجون). والسادس: في العنكبوت (أئنكم لتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين) (أئنكم لتأتون الرجال). والسابع: في ألم السجدة (أئذا ضللنا في الأرض أئنا لفي خلق جديد). والثامن والتاسع: في الصافات (أئذا متنا وكنا تراباً وعظاماً أئنا لمبعوثون) وأئنا لمدينون. والعاشر: في الواقعة مثل الصافات. والحادي عشر: في النازعات (أئنا لمردودون في الحافرة * أئذا كنا عظاماً نخرة). فهذه هي المواضع المختلف فيها ثم الوجه في قراءة من استفهم في الأول والثاني المبالغة في الإنكار فأتى به في الجملة الأولى وأعاد في الثانية تأكيداً له، والوجه في قراءة من أتى به مرة واحدة حصول المقصود، لأن كل جملة مرتبطة بالأخرى فإذا أنكر في إحداهما حصل الإنكار في الأخرى، ذكره السمين، وتقديم الظرف في قوله (لفي خلق) لتأكيد الإنكار بالبعث. وكذلك تكرير الهمزة في قوله أئنا، والمعنى أي نعاد خلقاً جديداً بعد الموت كما كنا قبله؛ ولم يعلموا أن القادر على إنشاء الخلق وما تقدم على غير مثال قادر على إعادتهم. ثم لما حكى الله سبحانه ذلك عنهم حكم عليهم بأمور ثلاثة: الأول: (أولئك الذين كفروا بربهم) أي أولئك المنكرون لقدرته سبحانه على البعث هم المتمادون في الكفر الكاملون فيه، وفيه دليل على كفر منكري البعث. (و) الثاني (أولئك الأغلال في أعناقهم) الأغلال جمع غل بالضم وهو طوق من حديد يجعل في العنق أو تشد به اليد إلى العنق، أي يغلون بها يوم القيامة كما يقاد الأسير ذليلاً بالغل، وقيل الأغلال أعمالهم السيئة التي هي لازمة لهم لزوم الأطواق للأعناق (و) الثالث (أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون) لا ينفكون عنها بحال من الأحوال، وفي توسيط ضمير الفصل دلالة على تخصيص الخلود بمنكري البعث.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب