الباحث القرآني

(إلا) أي لكن (من استرق السمع) من غير دخول، وهذا وجه الانقطاع، والسمع بمعنى المسموع وذلك أن الشياطين يركب بعضهم بعضاً حتى يبلغوا إلى السماء فيسترقوا السمع من الملائكة، وقيل الاستثناء متصل، أي إلا من استرق فإنها لا تحفظ منه. قال أبو السعود: محله النصب على المتصل إن فسر الحفظ بمنع الشياطين من التعرض لها على الإطلاق والوقوف على ما فيها في الجملة أو المنقطع إن فسر ذلك بالمنع من دخولها والتصرف فيها انتهى. قال ابن عباس: أراد أن يخطف السمع كقوله إلا من خطف الخطفة. (فأتبعه شهاب مبين) والمعنى حفظنا السماء من الشياطين أن تسمع شيئاً من الوحي وغيره إلا من استرق السمع فإنه تتبعه وتلحقه الشهب فتقتله أو تخبله أو تحرقه أو تثقبه، ومعنى فأتبعه تبعه ولحقه أو أدركه والشهاب الكوكب نفسه أو النار المشتعلة الساطعة منه كما في قوله بشهاب قبس. وصنيع البيضاوي يقتضي أن الشهاب بمعنى الشعلة هو الحقيقة والكثير وبمعنى الكوكب هو القليل، وسمي الكوكب شهاباً لبريقه شبه بشهاب النار وانفصاله منها، والمبين الواضح الظاهر للمبصرين يرونه لا يلتبس عليهم. قال القرطبي: واختلف في الشهاب هل يقتل أم لا، فقال ابن عباس: يجرح ويحرق ويخبل ولا يقتل، يقال خبلته خبلاً من باب ضرب إذا أفسدت عضواً من أعضائه أو أذهبت عقله، والخبال بالفتح يطلق على الفساد والجنون. وقال الحسن وطائفة يقتل. فعلى هذا القول في قتلهم بالشهب قبل إلقاء السمع إلى الجن قولان: أحدهما: أنهم يقتلون قبل إلقائهم ما استرقوه من السمع إلى غيرهم فلا تصل أخبار السماء إلى غير الأنبياء ولذلك انقطعت الكهانة. والثاني: أنهم يقتلون بعد إلقائهم ما استرقوه من السمع إلى غيرهم من الجن قال ذكره الماوردي ثم قال: والقول الأول أصح. قال: واختلف هل كان رمى بالشهب قبل المبعث فقال الأكثرون نعم: وقيل لا، وإنما ذلك بعد المبعث، قال الزجاج: والرمي بالشهب من آيات النبي صلى الله عليه وسلم مما حدث بعد مولده لأن الشعراء في القديم لم يذكروه في أشعارهم والجمع بين هذين القولين إن الرمي بالنجوم كان موجوداً قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم فلما بعث شدد ذلك وزيد في حفظ السماء وحراستها صوناً لأخبار الغيوب. وعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إذا قضى الله الأمر في السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خضعاناً لقوله كالسلسلة على صفوان فإذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم قالوا الحق وهو العلي الكبير، فيسمعها مسترقو السمع ومسترقو السمع هكذا بعضهم فوق بعض ووصف سفيان بكفه فحرفها [[أي أمالها انتهى مجمع البخار.]] وبدد بين أصابعه فيسمع الكلمة فيلقيها إلى من تحته، ثم يلقيها الآخر إلى من تحته حتى يلقيها على لسان الساحر أو الكاهن فربما أدركه الشهاب قبل أْن يلقيها وربما ألقاها قبل أن يدركه فيكذب معها مائة كذبة فيقال له أليس قد قال لنا كذا وكذا فيصدق بتلك الكلمة التي سعت من السماء " أخرجه البخاري [[البخاري كتاب التوحيد الباب 32 - كتاب التفسير سورة 15/ 1 سورة 34/ 1 الترمذي تفسير سورة 34/ 2.]]. قال كثير من أهل العلم: نحن نرى انقضاض الكواكب فيجوز أن يكون ذلك كما نرى ثم تصير ناراً إذا أدرك الشيطان ويجوز أن يقال يرمون بشعلة من نار الهواء فيخيل إلينا أنه نجم يسري. وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ (19) وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ (20) وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ (21) وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ (22) وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوَارِثُونَ (23) وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ (24)
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب