الباحث القرآني

(قل الله أعلم بما لبثوا) أي بالزمن الذي لبثوا فيه، وقيل: بعد موتهم إلى نزول القرآن فيهم على قول مجاهد أو إلى أن ماتوا على قول الضحاك أو إلى وقت تغيرهم بالبلى على قول بعضهم، قال ابن عطية: فقوله على هذا لبثوا الأول يريد في نوم الكهف، ولبثوا الثاني يريد بعد الإعثار عليهم إلى مدة محمد صلى الله عليه وسلم أو إلى أن ماتوا. وقال القرطبي: إنه لما قال وازدادوا تسعاً لم يدر الناس أهي ساعات أم أيام أم جمع أم شهور أم أعوام؛ فاختلف بنو إسرائيل بحسب ذلك فأمر الله برد العلم إليه في التسع فهي على هذا مبهمة والأول أولى، لأن الظاهر من كلام العرب المفهوم منه بحسب لغتهم أن التسع أعوام بدليل أن العدد في هذا الكلام للسنين لا للشهور ولا للأيام ولا للساعات. قال القشيري: لا يفهم من التسع تسع ليال ولا تسع ساعات لوجود لفظ السنين. وعن الزجاج إن المراد بثلثمائة سنة شمسية وثلثمائة وتسع سنين قمرية. وهذا إنما يكون من الزجاج على جهة التقريب، وقال الشهاب: وأما احتمال كون السنين شمسية أو قمرية وكون التسع سنين أو شهوراً أو أياماً فليس بشيء، قال الضحاك عن ابن عباس: لما نزلت ولبثوا في كهفهم ثلثمائة قيل يا رسول الله أياماً أم أشهراً أم سنين، فأنزل الله سنين وازدادوا تسعاً. وحكى النقاش ما معناه إنهم لبثوا ثلثمائة سنة شمسية بحساب الأمم، فلما كان الإخبار هنا للنبي العربي صلى الله عليه وسلم ذكر التسع إذ المفهوم عنده من السنين القمرية، فهذه الزيادة هي ما بين الحسابين، ونحوه ذكر القونوي أي باختلاف سني الشمس والقمر لأنه يتفاوت في كل ثلاث وثلاثين وثلث، سنة فيكون في ثلثمائة تسع سنين. انتهى. أقول: هذا يبتنى على حساب الكبس، والكبس عندهم مختلف وقد حققناه في كتابنا لقطة العجلان فراجعه. وعن ابن عباس قال: أن الرجل ليفسر الآية يرى أنها كذلك فيهوى أبعد ما بين السماء والأرض، ثم تلا ولبثوا في كهفهم الآية، ثم قال: كم لبث القوم؟ قالوا ثلثمائة وتسع سنين. قال لو كانوا لبثوا كذلك لم يقل الله: قل الله أعلم بما لبثوا، ولكنه حكى مقالة القوم فقال سيقولون ثلاثة إلى قوله رجماً بالغيب، فأخبر أنهم لا يعلمون، ثم قال سيقولون ولبثوا في كهفهم ثلثمائة سنين وازدادوا تسعاً. قال القرطبي: اختلف في أصحاب الكهف هل ماتوا وفنوا أو هم نيام وأجسادهم محفوظة، فروي عن ابن عباس أنه قال: أولئك قوم فنوا وعدموا منذ مدة طويلة، ومشى الناس معه في بعض غزوات الشام إلى موضع الكهف فوجدوا عظاماً. وروت فرقة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " ليحجن عيسى ابن مريم ومعه أصحاب الكهف فإنهم لم يحجوا بعد "، ذكره ابن عيينة ونحوه في التوراة والإنجيل وقد ذكرنا هذا الخبر بكماله في التذكرة، فعلى هذا هم نيام لم يموتوا ولا يموتون إلى يوم القيامة بل يموتون قبل الساعة، انتهى والله أعلم. ثم أكد سبحانه اختصاصه بعلم ما لبثوا بقوله (له غيب السماوات والأرض) أي ما خفي فيهما وغاب من أحوالهما ليس لغيره من ذلك شيء، ثم زاد في المبالغة والتأكيد فجاء بما يدل على التعجب من إدراكه للمبصرات والمسموعات فقال (أبصر به وأسمع) فأفاد هذا التعجب على أن شأنه سبحانه في علمه بالمبصرات والمسموعات خارج عما عليه إدراك المدركين وأنه يستوي في علمه الغائب والحاضر والخفي والظاهر والصغير والكبير واللطيف والكثيف. وكان أصله ما أبصره وما أسمعه، ثم نقل إلى صيغة الأمر للإنشاء على سبيل المجاز والباء زائدة عند سيبويه وخالفه الأخفش، والبحث مقرر في علم النحو، والهاء لله تعالى، وقيل هو أمر حقيقة لا تعجب وأن الهاء تعود على الهدى المفهوم من الكلام أي أبصر بوحيه وإرشاده هداك وحججك والحق من الأمور وأسمع به العالم والأول أولى، وقرئ أبصر وأسمع فعلاً ماضياً والفاعل الله تعالى أي أبصر عباده وأسمعهم. (ما لهم) أي لأهل السماوات والأرض، وقيل لأهل الكهف؛ وقيل لمعاصري محمد صلى الله عليه وسلم من الكفار (من دونه من ولي) أي من موال يواليهم أو يتولى أمورهم أو ينصرهم وفي هذا بيان لغاية قدرته وأن الكل تحت قهره (ولا يشرك في حكمه أحداً) قرأ الجمهور برفع الكاف على الخبر عن الله سبحانه وقرئ بالفوقية وإسكان الكاف على أنه نهي للنبي صلى الله عليه وسلم أن يجعل لله شريكاً في حكمه والمراد بحكم الله ما يقتضيه أو علم الغيب والأول أولى ويدخل علم الغيب في ذلك دخولاً أولياً فإن علمه سبحانه من جملة قضائه.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب