الباحث القرآني

(واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم) أي يعبدونه قد تقدم في (الَأنْعَام) [[اسم السورة.]] نهيه صلى الله عليه وسلم عن طرد فقراء المؤمنين بقوله (ولا تطرد الذين يدعون ربهم) وأمره سبحانه هاهنا بأن يحبس نفسه معهم فصبر النفس هو حبسها عن الجوع وبابه ضرب، وصبره حبسه. وهذه الآية [[الأولى أن يقال: هذه الآية أفادت معنى جديداً هو أمره بمجالستهم والمصابرة معهم. لأن قوله: " وهذه الآية أبلغ " تدل على الموازنة بين الآيات في البلاغة والقرآن الكريم كله في غاية البلاغة.]] أبلغ من التي في الأنعام لأن في تلك نهى الرسول عن طردهم وفي هذه أمره بمجالستهم والمصابرة معهم. (بالغداة والعشي) ذكرهما كناية عن الاستمرار على الدعاء في جميع الأوقات، وقيل في طرفي النهار، وقيل المراد صلاة العصر والفجر. وقرئ غدوة وأنكره النحاس وقال ولا تكاد العرب تقول الغدوة، ومعنى (يريدون وجهه) أنهم يرتقبون بدعائهم رضا الله سبحانه لا عرض الدنيا. وعن سلمان قال: جاءت المؤلفة قلوبهم: عيينة بن بدر والأقرع بن حابس فقالوا: يا رسول الله لو جلست في صدر المجلس وتغيبت عن هؤلاء وأرواح جبابهم يعنون سلمان وأبا ذر وفقراء المسلمين وكانت عليهم جباب الصوف جالسناك وحادثناك وأخذنا عنك فأنزل الله (واتل ما أوحي إليك) إلى قوله (إنا اعتدنا للظالمين ناراً) أخرجه البيهقي وغيره. وزاد أبو الشيخ عن سلمان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام يلتمسهم حتى أصابهم في مؤخر المسجد يذكرون الله تعالى فقال " الحمد لله الذي لم يمتني حتى أمرني أن أصبر نفسي مع رجال من أمتي، معكم المحيا والممات ". وعن عبد الرحمن بن سهل بن حنيف قال: نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في بعض أبياته واصبر نفسك الآية فخرج يلتمسهم فوجد قوماً يذكرون الله منهم ثائر الرأس وحاف الجلد وذو الثوب الخلق فلما رآهم جلس معهم وقال: الحمد لله الذي جعل في أمتي من أمرني أن أصبر نفسي معهم ". وعن أبي سعيد وأبي هريرة قالا: جاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ورجل يقرأ سورة الحجر أو سورة الكهف فسكت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " هذا المجلس الذي أمرت أن أصبر نفسي معهم ". وفي الباب روايات. وعن ابن عمر قال: إنهم الذين يشهدون الصلوات الخمس وعن ابن عباس مثله وقيل نزلت في صلاة الصبح وصلاة العصر. ثم أمره سبحانه بالمراقبة لأحوالهم فقال (ولا تعدُ عيناك عنهم) أي لا تتجاوز إلى غيرهم، قال الفراء: معناه لا تصرف عينيك عنهم؛ وقال الزجاج: لا تصرف بصرك إلى غيرهم من ذوي الهيئات والزينة واستعماله بعن لتضمينه معنى النبو، من عدوته عن الأمر أي صرفته عنه، وقال: معناه لا تحتقرهم عيناك عَبَّرَ بهما عن صاحبها. (تريد زينة الحياة الدنيا) أي مجالسة أهل الترف والشرف والغنى وصحبة أهل الدنيا والمعنى حال كونك مريداً لذلك، هذا إذا كان فاعل تريد هو النبي صلى الله عليه وسلم وإن كان الفاعل ضميراً يعود إلى العينين فالتقدير مريدة زينة الحياة الدنيا وإسناد الإرادة إلى العينين مجاز وتوحيد الضمير للتلازم والأول أولى، وهو نهي له صلى الله عليه وسلم وإن لم يًرده وليس هو أكبر من قوله (لئن أشركت ليحبطن عملك) وإن كان أعاذه من الشرك وإنما هو على فرض المحال. (ولا تطع من أغفلنا قلبه) أي جعلناه غافلاً (عن ذكرنا) بالختم عليه نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن طاعة من جعل الله قلبه غافلاً عن ذكره كأولئك الذين طلبوا منه أن ينحي الفقراء عن مجلسه فإنهم طالبوا تنحية الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه وهم غافلون عن ذكر الله. (و) مع هذا فهم ممن (اتبع هواه) وآثره على الحق فاختار الشرك على التوحيد (وكان أمره فرطاً) أي متجاوزاً عن حد الاعتدال من قولهم فرس فرط إذا كان متقدماً على الخيل فهو على هذا من الإفراط، وقيل هو من التفريط وهو التقصير والتضييع والأول أظهر. قال الزجاج: ومن قدم العجز في أمره أضاعه وأهلكه. وعن ابن عباس قال: نزلت في أمية بن خلف وذلك أنه دعا النبي صلى الله عليه وسلم إلى أمر كرهه الله من طرد الفقراء عنه وتقريب صناديد أهل مكة فأنزل الله هذه الآية يعني من ختمنا على قلبه يعني التوحيد واتبع هواه يعني الشرك وكان أمره فرطاً يعني فرطاً في أمر الله وجهالة به. وعن ابن بريدة قال: دخل عيينة بن حصن على النبي صلى الله عليه وآله وسلم في يوم حار وعنده سلمان عليه جبة صوف فثار منه ريح العرق في الصوف فقال عيينة: يا محمد إذا نحن أتيناك فَأَخْرِج هذا وضرباءه من عندك لا يؤذينا فإذا خرجنا فأنت وهم أعلم فأنزل الله (ولا تطع) الآية. وقد ثبت في صحيح مسلم في سبب نزول الآية المتضمنة لمعنى هذه الآية وهي قوله (ولا تطرد الذين) الآية عن سعد بن أبي وقاص قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ستة نفر فقال المشركون للنبي صلى الله عليه وآله وسلم: اطرد هؤلاء لا يجترئون علينا قال: وكنت أنا وابن مسعود ورجل من هذيل وبلال ورجلان نسيت اسمهما فوقع في نفس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما شاء الله أن يقع فحدث نفسه فأنزل الله (ولا تطرد الذين) الآية [[مسلم 2413.]]. ثم بيَنّ سبحانه لنبيه صلى الله عليه وسلم ما يقوله لأولئك الغافلين فقال
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب