الباحث القرآني

(وإذ قلنا للملائكة) أي واذكر وقت قولنا لهم (اسجدوا لآدم) سجود تحية وتكريم بالخرور كما مر تحقيقه (فسجدوا) طاعة لأمر الله وامتثالاً لطلبه السجود. (إلا إبليس) فإنه أبى واستكبر ولم يسجد (كان من الجن) مستأنفة لبيان سبب عصيانه وأنه لم يكن من الملائكة فلهذا عمى، والاستثناء منقطع وإبليس هو أبو الجن وأصلهم كما أن آدم أصل الإنس وله ذرية ذكرت معه بعد، والملائكة لا ذرية لهم، وقيل كان من حي من الملائكة يقال لهم الجن خلقوا من نار السموم. وعلى هذا القول فقد نقل عن ابن عباس أن هذا النوع يتوالد وليس معصوماً والاستثناء متصل وكونه، من الملائكة لا ينافي كونه من الجن بدليل قوله سبحانه (وجعلوا بينه وبين الجنة نسباً) وذلك أن قريشاً قالت: إن الملائكة بنات الله فهذا يدل على أن الملك يسمى جناً وتعضده اللغة لأن الجن من الاجتنان وهو الستر فتدخل الملائكة فيه، فكل ملائكة جن لاستتارهم وليس كل جن ملائكة. ووجه كونه من الملائكة أن الله سبحانه استثناه من الملائكة والاستثناء يفيد إخراج ما لولاه لدخل أو يصح دخوله وذلك يوجب كونه من الملائكة، ووجه من قال إنه من الجن هذه الآية. والجن جنس مخالف للملائكة. وأجيب عن الاستثناء بأنه منقطع كما تقدم وهو مشهور في كلام العرب قال تعالى (وإذ قال إبراهيم لأبيه وقومه إنني براء مما تعبدون إلا الذي فطرني) وقال تعالى (لا يسمعون فيها لغواً إلا سلاماً). (ففسق عن أمر ربه) أي خرج عن طاعته بترك السجود لأدم عليه السلام قال الفراء: تقول العرب فسقت الرطبة عن قشرها لخروجهما منه، قال النحاس: اختلف في معناه على قولين: الأول مذهب الخليل وسيبويه أن المعنى أتاه الفسق لما أمر فعمى فكان سبب الفسق أمر ربه كما تقول أطعمه من جوع، والقول الآخر قول قطرب أن المعنى على حذف المضاف أي فسق عن ترك أمره. وعن ابن عباس قال: إن من الملائكة قبيلة يقال لهم الجن فكان إبليس منهم وكان يوسوس ما بين السماء والأرض فعصى فسخط الله عليه فمسخه شيطاناً رجيماً وعنه قال: كان خازن الجنان فسمي بالجان، وعن الحسن قال: قاتل الله أقواماً زعموا أن إبليس كان من الملائكة والله يقول كان من الجن وعنه قال: ما كان من الملائكة طرفة عين إنه لأصل الجن كما أن آدم أصل الإنس. ثم إنه سبحانه عجب من حال من أطاع إبليس في الكفر والمعاصي وخالف أمر الله فقال (أفتتخذونه) كأنه قال أعقيب ما وجد منه من الإباء والفسق تتخذونه (و) تتخذون (ذريته) أي أولاده، وقيل أتباعه مجازاً، قال قتادة: يتوالدون كما يتوالد بنو آدم، وقال مجاهد: من ذرية إبليس لاقس وولهان وهما صاحبا الطهارة والصلاة اللذان يوسوسان فيهما ومن ذريته مرة وبه يكنى وزلنبور وبتر الأعور ومطروس وداسم. (أولياء من دوني) فتطيعونهم بدل طاعتي وتستبدلونهم بي (و) الحال أن (هم) أي إبليس وذريته (لكم عدو) أي أعداء وأفرده لكونه اسم جنس أو لتشبيهه بالمصادر كما في قوله: (فإنهم عدو لي إلا رب العالمين) وقوله هم العدو أي كيف تصنعون هذا الصنيع وتستبدلون بمن خلقكم وأنعم عليكم بجميع ما أنتم فيه من النعم بمن لم يكن لكم منه منفعة قط بل هو عدو لكم يترقب حصول ما يضركم في كل وقت. (بئس للظالمين) الواضعين للشيء في غير موضعه المستبدلين بطاعة ربهم طاعة الشيطان فبئس ذلك البدل الذي استبدلوه (بدلاً) عن الله سبحانه والتقدير بئس البدل إبليس وذريته.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب