الباحث القرآني

وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آَيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آَلُ مُوسَى وَآَلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (248) (وقال لهم نبيهم إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت) التابوت فعلوت من التوب وهو الرجوع لأنهم يرجعون إليه أي علامة ملكه إتيان التابوت الذي أخذ منكم أي رجوعه إليكم، وهو صندوق التوراة قيل وكان من خشب الشمشاد وهو الذي تتخذ منه الأمشاط طوله ثلاثة أذرع في عرض ذراعين. (فيه سكينة من ربكم) السكينة فعيلة مأخوذة من السكون والوقار والطمأنينة أي فيه سبب سكون قلوبكم فيما اختلفتم فيه من أمر طالوت، وقيل الضمير للإتيان أي في إتيانه سكون لكم أو للتابوت أي مودع فيه ما تسكنون إليه وهو التوراة، قال ابن عطية: الصحيح أن التابوت كانت فيه أشياء فاضلة من بقايا الأنبياء وآثارهم فكانت النفوس تسكن إلى ذلك وتأنس به وتتقوى، وقد اختلف في السكينة على أقوال سيأتي بيان بعضها. (وبقية مما ترك آل موسى وآل هرون) اختلف في البقية فقيل هي عصا موسى ورضاض الألواح، قال ابن عباس وقيل عصا موسى وعصا هرون وشيء من ألواح التوراة، وقيل كانت التوراة والعلم وقيل كان فيه عصا موسى ونعلاه وعصا هرون وعمامته وقفيز من المن، وكان عند بني اسرائيل يتوارثونه قرناً بعد قرن، فلما عصوا وأفسدوا سلّط عليهم العمالقة فغلبوهم عليه وأخذوه منهم، وقيل غير ذلك. وقيل المراد بآل موسى وهرون هما أنفسهما أي مما ترك موسى وهرون، ولفظ آل مقحمة لتفخيم شأنهما، وقيل المراد الأنبياء من بني يعقوب لأنهما من ذرية يعقوب فسائر قرابته ومن تناسل منه آل لهما. (تحمله الملائكة) أي تسوقه، قال ابن عباس: جاءت الملائكة بالتابوت تحمله بين السماء والأرض وهم ينظرون إليه حتى وضعته عند طالوت فلما رأوا ذلك قالوا نعم، فسلموا له الرياسة وملكوه، وكانت الأنبياء إذا حضروا قتالاً قدموا التابوت بين أيديهم ويقولون إن آدم نزل بذلك التابوت وبالركن وبعصا موسى من الجنة، وبلغني أن التابوت وعصا موسى في بحيرة طبرية وأنهما يخرجان قبل يوم القيامة. وقال قتادة: كان التابوت في التيه خلفه موسى عند يوشع بن نون فبقي هناك فأقبلت الملائكة تحمله حتى وضعته في دار طالوت فأصبح في داره فأقروا بملكه، وقد ورد هذا المعنى مختصراً ومطولاً عن جماعة من السلف فلا يأتي التطويل بذكر ذلك بفائدة يعتد بها. وعن ابن عباس أيضاً كان طالوت عظيماً جسيماً يفضل بني إسرائيل بعنقه ولم يأته وحي وكانت سعة تابوت موسى نحواً من ثلاثة أذرع من ذراعين. والسكينة الرحمة والطمأنينة أو الدابة قدر الهرة لها عينان لهما شعاع وكان إذا التقى الجمعان أخرجت يديها ونظرت إليهم فيهزم الجيش من الرعب، وعن علي السكينة ريح خجوج هفافة ولها رأسان ووجه كوجه الإنسان، وقال مجاهد: السكينة شيء يشبه الهرة له رأس كرأس الهرة ووجه كوجه الهرة وجناحان وذنب مثل ذنب الهرة، وعن ابن عباس: السكينة طشت من ذهب من الجنة كان يغسل فيه قلوب الأنبياء ألقى الألواح فيه. وعن وهب بن منبه أنه قال: هي روح من الله تتكلم إذا اختلفوا في شيء تكلم فتخبرهم ببيان ما يريدون، وعن الحسن قال: هي شيء تسكن إليه قلوبهم، وعن عطاء بن أبي رباح: هي ما يعرفون من الآيات التي يسكنون إليها. وأقول هذه التفاسير المتناقضة لعلها وصلت إلى هؤلاء الأعلام من جهة اليهود أقمأَهم الله فجاؤا بهذه الأمور لقصد التلاعب بالمسلمين والتشكيك عليهم، وانظر إلى جعلهم لها تارة حيواناً وتارة جماداً وتارة شيئاً لا يعقل وهكذا كل منقول عن بني اسرائيل يتناقض ويشتمل على ما لا يعقل في الغالب ولا يصح أن يكون مثل هذه التفاسير التناقضة مروياً عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولا رأياً رآه قائله، فهم أجلّ قدراً عن التفسير بالرأي وبما لا مجال للاجتهاد فيه [[وقد ذكر الشوكاني رحمه الله في تفسيره - عبارة " وأقول هذه التفاسير .... " فلا أدري هل نسي المؤلف رحمه الله نسبتها للشوكاني أم قد سقطت في الطبع ".]]. إذا تقرر لك هذا عرفت أن الواجب الرجوع في مثل ذلك إلى معنى السكينة لغة وهو معروف ولا حاجة إلى ركوب هذه الأمور المتعسفة المتناقضة فقد جعل الله عنها سعة، ولو ثبت لنا في السكينة تفسير عن النبي - صلى الله عليه وسلم - لوجب علينا المصير إليه والقول به، ولكنه لم يثبت من وجه صحيح بل ثبت أنها تنزلت على بعض الصحابة عند تلاوته للقرآن كما في صحيح مسلم عن البراء قال: كان رجل يقرأ سورة الكهف وعنده فرس مربوط فتغشته سحابة فجعلت تدور وتدنو وجعل فرسه ينفر منها فلما أصبح أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكر ذلك له فقال: تلك السكينة نزلت للقرآن [[قال ابن جرير الطبري: فأولى هذه الأقوال بالحق في معنى السكينة ما قاله عطاء بن أبي رباح أنها الشيء تسكن إليه النفوس من الآيات التي يعرفونها.]]. وليس في هذا إلا أن هذه التي سماها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سكينة سحابة دارت على ذلك القارىء فالله أعلم. وعن أبي صالح قال: كان في التابوت عصا موسى وعصا هرون وثياب موسى وثياب هرون ولوحان من التوراة والمن، وكلمة الفرج " لا إله إلا الله الحليم الكريم سبحان الله رب السموات ورب العرش العظيم، والحمد لله رب العالمين "، وقال قتادة والكلبي: السكينة الطمأنينة ففي أي مكان كان التابوت اطمأنوا وسكنوا إليه [[قال القرطبي 3/ 249: قلت: وفى صحيح مسلم عن البَراء قال: كان رجل يقرأ سورة " الكهف " وعنده فرس مربوط بشَطَنَيْن فتغشته سحابة فجعلت تدور وتدنو وجعل فرسه ينفر منها، فلما أصبح أتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له فقال: " تلك السكينة تنزلت للقرآن ". وفي حديث أبي سعيد الخدري: أن أسيد بن الحضَير بينما هو ليلة يقرأ في مربده الحديث. وفيه: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " تلك الملائكة كانت تستمع لك ولو قرأت لأصبحت يراها الناس ما تستتر منهم " أخرجه البخاري ومسلم. فأخبر صلى الله عليه وسلم عن نزول السكينة مرة، ومرة عن نزول الملائكة؛ فدل على أن السكينة كانت في تلك الظُّلة، وأنها تنزل ابداً مع الملائكة. وفي هذا حجة لمن قال أن السكينة روح؛ لأنه لا يصح استماع القرآن إلا لمن يعقل، والله أعلم.]]. وهذا القول أولى بالصحة، فعلى هذا كل شيء كانوا يسكنون إليه فهو سكينة فيحمل على جميع ما قيل فيه لأن كل شيء يسكن إليه القلب فهو سكينة، ولم يرد فيه نص صريح فلا يجوز تصويب قول وتضعيف آخر، والمرجع فيه إلى اللغة كما تقدم والله أعلم. (إن في ذلك) أي في مجيء التابوت (لآية لكم) أي علامة ودلالة على صدقي ما أخبرتكم به (إن كنتم مؤمنين) يعني مصدقين، قال المفسرون: فلما جاءهم التابوت وأقروا بالملك لطالوت تأهبوا للخروج إلى الجهاد فأسرعوا لطاعته وخرجوا معه وذلك وقوله:
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب