الباحث القرآني

(ولقد علمتم) أي عرفتم فيتعدى لواحد فقط والفرق بينهما أن العلم يستدعي معرفة الذات وما هي عليه من الاحوال، والمعرفة تستدعي معرفة الذات أو الفرق أن المعرفة يسبقها جهل بخلاف العلم ولذلك لا يجوز إطلاقها عليه سبحانه. (الذين اعتدوا منكم) أي جاوزوا الحد (في السبت) يقال سبت اليهود لأنهم يعظمونه ويقطعون فيه أعمالهم، وأصل السبت في اللغة القطع لأن الأشياء تمت فيه وانقطع العمل، وقيل هو مأخوذ من السبوت وهو الراحة والدعة، وقال في الكشاف السبت مصدر سبتت اليهود إذا عظمت يوم السبت انتهى، وفيه نظر، فإن هذا اللفظ موجود واشتقاقه مذكور في لسان العرب قبل فعل اليهود ذلك. وقد ذكر جماعة من المفسرين أن اليهود افترقت فرقتين، ففرقة اعتدت في السبت أي جاوزت ما أمر الله به من العمل فيه فصادوا السمك الذي نهاهم الله عن صيده فيه، والفرقة الأخرى انقسمت إلى فرقتين: ففرقة جاهرت بالنهي واعتزلت، وفرقة لم توافق المعتدين ولا صادوا معهم لكنهم جالسوهم ولم يجاهروهم بالنهي، ولا اعتزلوا عنهم، فمسخهم الله جميعاً ولم ينج إلا الفرقة الأولى فقط. وهذه من جملة المحن التي امتحن الله بها هؤلاء الذين بالغوا في العجرفة وعاندوا أنبياءهم وما زالوا في كل موطن يظهرون من حماقاتهم وسخف عقولهم وتعنتهم نوعاً من أنواع التعسف، وشعبة من شعب التكلف، فإن الحيتان كانت في يوم السبت كما وصف الله سبحانه بقوله: (إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعاً ويوم لا يسبتون لا تأتيهم كذلك نبلوهم) فاحتالوا لصيدها وحفروا الحفائر وشقوا الجداول، فكانت الحيتان تدخلها يوم السبت فيصيدونها يوم الأحد، فلم ينتفعوا بهذه الحيلة الباطلة وكانت هذه القصة في زمن داود بأرض أيلة. (فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين) أمر تحويل وتسخير وتكوين وهو عبارة عن تعلق القدرة بنقلهم عن الحقيقة البشرية إلى حقيقة القردة أي كونوا مبعدين عن الرحمة مطرودين عن الشرف، وقيل فيه تقديم وتأخير معناه كونوا خاسئين قردة ولهذا لم يقل خاسئات، والخاسيء المبعد، ومنه قوله تعالى (ينقلب إليك البصر خاسئاً) أي مبعداً وقوله (اخسئوا فيها) أي تباعدوا تباعد سخط ويكون الخاسيء بمعنى الصاغر، والمراد هنا كونوا بين المصير إلى أشكال القردة مع كونهم مطرودين صاغرين، فقردة خبر الكون، وخاسئين خبر آخر، وقيل أنه صفة لقردة، والاول أظهر. وعن ابن عباس قال مسخهم الله قردة بمعصيتهم ولم يعش مسيخ قط فوق ثلاثة أيام ولم يأكل ولم يشرب ولم ينسل، قال الحسن انقطع ذلك النسل، وقال مجاهد مسخت قلوبهم ولم يمسخوا قردة، إنما هو مثل ضربه الله لهم كقوله (مثل الحمار يحمل أسفاراً) وقال ابن عباس صار شباب القوم قردة، والمشيخة صاروا خنازير [[روى عثمان بن عطاء عن أبيه قال: نودي الذين اعتدوا في السبت ثلاثة أصوات. نودوا: يا أهل القرية، فانتبهت طائفة أكثر من الأولى، ثم نودوا: يا أهل القرية، فانتبه الرجال والنساء والصبيان، فقال الله لهم: (كونوا قردة خاسئين) فجعل الذين نهوهم يدخلون عليهم فيقولون: يا فلان ألم ننهكم؟ فيقولون برؤوسهم: بلى. قال قتادة: فصار القوم قردة تعاوي، لها أذناب بعدما كانوا رجالاً ونساء. وفي رواية عن قتادة: صار الشبان قردة، والشيوخ خنازير، وما نجا إلا الذين نهوا، وهلك سائرهم. وقال غيره: كانوا نحواً من سبعين ألفاً وعلى هذا القول العلماء، غير ما روي عن مجاهد أنه قال: مسخت قلوبهم ولم تمسخ أبدانهم، وهو قول بعيد، قال ابن عباس: لم يحيوا على الأرض إلا ثلاثة أيام، ولم يحيا مسخ في الأرض فوق ثلاثة أيام، ولم يأكل ولم يشرب ولم ينسل. وزعم مقاتل أنهم عاشوا سبعة أيام، وماتوا في اليوم الثامن، وهذا كان في زمان داود عليه السلام.]]. واختلف في مرجع الضمير في قوله
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب