الباحث القرآني

(وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة)؟ هذا من جملة اقتراحاتهم وتعنتاتهم، أي: هَلاَّ أنزل الله عليه الكتاب دفعة واحدة غير منجم، كما أنزلت التوراة على موسى، والإنجيل على عيسى، والزبور على داود عليهم السلام. واختلف في قائل هذه المقالة، فقيل كفار قريش، وقيل اليهود قالوا: هَلاَّ أتيتنا بالقرآن جملة واحدة؟ وهذا زعم باطل، ودعوى داحضة، فإن هذه الكتب نزلت مفرقة كما نزل القرآن، ولكنهم معاندون، أو جاهلون لا يدرون بكيفية نزول كتب الله سبحانه على أنبيائه، واعتراض منهم لا طائل تحته، لأن الإعجاز لا يختلف بنزوله جملة أو متفرقاً، مع أن للتفريق فوائد، منها أن نزوله بحسب الوقائع، يوجب مزيد بصيرة وغوص على المعنى ولأنه إذا نزل منجماً وهو يتحدى بكل نجم فيعجزون عن معارضته زاد ذلك في قوة قلبه، ومنها انضمام القرائن الحالية إلى الدلالات اللفظية فإنه يعين على البلاغة ثم رد الله سبحانه عليهم فقال: (كذلك) إشارة إلى ما يفهم من كلامهم أي مثل ذلك التنزيل المفرّق، الذي قدحوا فيه واقترحوا خلافه نزلناه (لنثبت) لنقوي (به) أي بهذا التنزيل على هذه الصفة (فؤادك) فإن إنزاله مفرقاً منجماً، على حسب الحوادث، أقرب إلى حفظك له وفهمك لمعانيه، وذلك من أعظم أسباب التثبيت، وقرأ ليثبت بالتحتية أي الله سبحانه. وقيل قوله: (كذلك) هي من تمام كلام المشركين، والمعنى كذلك أي كالتوراة والإنجيل والزبور فيوقف على قوله: (كذلك) ثم يبتدأ بقوله: (لنثبت به فؤادك) على معنى أنزلناه عليك متفرقاً لهذا الغرض. قال ابن الأنباري: وهذا أجود وأحسن قال النحاس: وكان ذلك أي إنزال القرآن منجماً من إعلام النبوة لأنهم لا يسألونه عن شيء إلا أجيبوا عنه، وهذا لا يكون إلا من نبي، فكان ذلك تثبيتاً لفؤاده وأفئدتهم. قال ابن عباس: أي لنشدد به فؤادك، ونربط على قلبك، والمعنى أنزلناه مفرقاً لتعيه وتحفظه. فإن الكتب المتقدمة نزلت على أنبياء يكتبون ويقرؤون، وأنزل القرآن على نبي إمي لا يكتب ولا يقرأ، ولأن من القرآن الناسخ والنسوخ، ومنه ما هو جواب سؤال عن أمور تحدث في الأوقات المختلفة، ففرقناه ليكون أدعى لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأيسر على العامل به. (ورتلناه ترتيلاً) بديعاً، لا يقادر قدره ومعنى الترتيل أن تكون آية بعد آية، قاله النخعي والحسن وقتادة. وقيل إن المعنى بيناه تبييناً، وقال السدي: فصلناه تفصيلاً، وقال ابن عباس: رسلناه ترسيلاً يقول شيئاًً بعد شيء وقال مجاهد: بعضه في إثر بعض قال ابن الأعرابي: ما أعلم الترتيل إلا التحقيق والتبيين، وقيل قرأناه عليك بلسان جبريل شيئاًً بعد شيء في عشرين أو ثلاث وعشرين سنة على تؤدة وتمهل لتيسر فهمه وحفظه، ثم ذكر سبحانه أنهم محجوجون في كل أوان مدفوع قولهم بكل وجه وعلى كل حالة فقال: وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا (33) الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ إِلَى جَهَنَّمَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ سَبِيلًا (34) وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ وَزِيرًا (35) فَقُلْنَا اذْهَبَا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَدَمَّرْنَاهُمْ تَدْمِيرًا (36) وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ عَذَابًا أَلِيمًا (37) وَعَادًا وَثَمُودَ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا (38)
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب