الباحث القرآني

(فلما جاءها) أي النار التي أبصرها (نودي) من جانب الطور (أن بورك من في النار ومن حولها) (أن) هي المفسرة لما في النداء من معنى القول، أي قيل له: بورك أو هي المصدرية أي بأن بورك، أي بارك الله أي ناداه بأنا قدسناك، وطهرناك، واخترناك للرسالة. وقيل: هي المخففة من المثقلة، وتقديره بأنه بورك، واسمها ضمير الشأن، وبورك خبرها، وجاز ذلك من غير عوض، وإن منعه الزمخشري، أي لم يحتج هنا إلى فاصل. لأن قوله بورك دعاء والدعاء يخالف غيره في أحكام كثيرة. وقرئ أن بوركت النار. وحكى الكسائي عن العرب باركك الله وبارك فيك وعليك ولك. وكذلك حكى هذا الفراء. قال ابن جرير: قال بورك من في النار، ولم يقل بورك على من في النار، على لغة من يقول: باركك الله، أي بورك، وقدس، وطهر من النار، وهو موسى، وليس هو فيها حقيقة، بل في المكان القريب منها وهذا تحية من الله تعالى لموسى وتكرمة له، كما حي إبراهيم على ألسنة الملائكة حين دخلوا عليه فقالوا: (رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت) قاله القرطبي. ْوقال السدي: كان في النار ملائكة، والنار هنا هي مجرد النور، ولكنه ظن موسى أنها نار، فلما وصل إليها وجدها نوراً، وعن الحسن، وسعيد بن جبير أن المراد بمن في النار هو الله سبحانه أي نوره أو قدرته وسلطانه. وقيل: بورك ما في النار من أمر الله سبحانه الذي جعلها على تلك الصفة. قال الواحدي: ومذهب المفسرين أن المراد بالنار هنا النور، وعن ابن عباس قال: يعني تبارك وتعالى نفسه، كان نور رب العالمين في الشجرة ومن حولها يعني الملائكة؛ وعنه قال: كان الله في النور، نودي من النور ومن حولها. قال الملائكة، وعنه قال: ناداه الله وهو في النور وعنه قرئ بوركت النار، وفي مصحف أُبي بن كعب. بوركت النار أما النار فيزعمون أنها نور رب العالمين. وعن ابن عباس، بورك قال: قدس، وقيل: المراد (من) غير العقلاء وهو النور والأمكنة التي حولها. وأخرج عبد بن حميد، وابن ماجة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والبيهقي عن أبي موسى الأشعري قال: قام فينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: " إن الله لا ينام، ولا ينبغي له أن ينام، يخفض القسط ويرفع إليه عمل الليل قبل النهار، وعمل النهار قبل الليل، حجابه النور، لو رفع لأحرقت سبحات وجهه كل شيء أدركه بصره ". ثم قرأ أبو عبيدة (أن بورك من في النار ومن حولها وسبحان الله رب العالمين) والحديث أصله مخرج في صحيح مسلم من حديث عمرو بن مرة. وفي التوراة: جاء الله من سيناء، وأشرف من ساعير واستعلى من جبال فاران. والمراد بعثة موسى من سيناء، وبعثة عيسى من ساعير، وبعثة محمد - صلى الله عليه وسلم - من فاران، وهو اسم مكة، ثم نزه سبحانه نفسه من السوء فقال: (وسبحان الله رب العالمين) فيه تعجيب لموسى من ذلك هو من جملة ما نودي به، وإنما وقع التعرض للتنزيه في هذا المقام لدفع ما رب أن يتوهمه موسى بحسب الطبع البشري، الجاري على العادة الخلقية أن الكلام الذي يسمعه في ذلك المكان بحرف وصوت حادث، ككلام الخلق، أو المتكلم به في مكان أو جهة قاله الحفناوي.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب