الباحث القرآني

(ولما ورد ماء مدين) أي: وصل إليه وهو الماء الذي يستقون منه، والمراد بالماء هنا بئر فيها، صرح به الخازن والمحلي، فهو من باب ذكر الحال وإرادة المحل، ولفظ الورود قد يطلق على الدخول في المورد، وقد يطلق على البلوغ إليه وإن لم يدخل فيه وهو المراد هنا؛ وقد تقدم تحقيق معنى الورود في قوله: وإن منكم إلا واردها، وقيل: مدين اسم للقبيلة لا للقرية، وهي غير منصرفة على كلا التقديرين. (وجد عليه أمة) أي: وجد على الماء جماعة كثيرة لأن التنكير للتكثير (من الناس) أي من أناس مختلفين (يسقون) مواشيهم (ووجد من دونهم) أي: من دون الناس الذين يسقون ما بينهم وبين الجهة التي جاء منها وقيل: معناه في موضع أسفل منهم قاله أبو السعود، وفي الخازن: في موضع بعيد منهم. (امرأتين تذودان) أي تحبسان أغنامهما من الماء، حتى يفرغ الناس، ويخلو بينهما وبين الماء، وبه قال ابن عباس، وورد الذود بمعنى الطرد، أي تطردان، وقيل: تكفان الغنم عن أن تختلط بأغنام الناس، وقيل: تمنعان أغنامهما عن أن تند، وتذهب، والأول أولى لقوله: (قال) موسى للمرأتين (ما خطبكما)؟ أي: ما شأنكما لا تسقيان غنمكما مع الناس؟ والخطب الشأن، قيل: وإنما يقال ما خطبك لمصاب أو لمضطهد أو لمن يأتي بمنكر. (قالتا) عادتنا التأني (لا نسقي حتى يصدر الرعاء) عن الماء، وينصرفوا منه حذراً من مخالطتهم، أو عجزاً عن السقي معهم، قرئ نسقي بفتح النون، وبضمها من أسقى، وقرئ يصدر من أصدر. ومن صدر يصدر لازماً: أي: يرجعون مواشيهم، والرعاء جمع راع على غير قياس؛ لأن فاعلا الوصف المعتل اللام كقاض قياسه فعله نحو قضاة ورماة خلافاً للزمخشري في أن جمعه على فعال قياس، كصيام وقيام قاله الكرخي. قرأ الجمهور: الرعاء بكسر الراء وقرئ بفتحها قال أبو الفضل: هو مصدر أقيم مقام الصفة فلذلك استوى فيه الواحد والجمع، وقرئ الرعاء بالضم اسم جمع. (وأبونا شيخ كبير) عالي السن، وهذا من تمام كلامهما إبداء منهما للعذر في مباشرة السقي أنفسهما أي: لا يقدر أن يسقي ماشيته من الكبر؛ فلذلك احتجنا ونحن امرأتان ضعيفتان مستورتان؛ لا نقدر على مزاحمة الرجال وعلى أن نسقي الغنم لعدم وجود رجل يقوم لنا بذلك، قيل: أبوهما شعيب وقيل: هو ثيرون ابن أخي شعيب، وقيل: هو رجل ممن آمن بشعيب؛ والأول أولى. وإنما رضي شعيب لابنتيه بسقي الماشية، لأن هذا الأمر في نفسه ليس بمحظور، والدين لا يأباه. وأما المروءة فعادات الناس في ذلك متباينة، وأحوال العرب فيه خلاف أحوال العجم، ومذهب أهل البدو فيه غير مذهب أهل الحضر، خصوصاً إذا كانت الحالة حالة الضرورة، فلما سمع موسى كلامهما رق لهما ورحمهما.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب