الباحث القرآني

(اتل ما أوحي إليك من الكتاب) أي القرآن وفيه الأمر بالتلاوة للقرآن، والمحافظة على قراءته تقرباً إليه مع التدبر لآياته، والتفكر في معانيه من الأوامر والنواهي. (وأقم الصلاة) أي دم على إقامتها وجملة (إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر) تعليل لما قبلها، كأنه قيل: صل بهم إن الصلاة الخ والفحشاء ما قبح من العمل، كالزنا مثلاً؛ والمنكر ما لا يعرف في الشريعة أي تمنعه عن معاصي الله، وتبعده منها، ومعنى نهيها عن ذلك أن فعلها يكون سبباً للانتهاء عنهما، والمراد هنا الصلوات المفروضة المكتوبة، المؤداة بالجماعة قال ابن عباس وابن مسعودة في الصلاة منتهى ومزدجر عن المعاصي. أخرج ابن مردويه، وابن أبي حاتم عن عمران بن حصين قال: سئل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن قول الله هذا فقال: " من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر فلا صلاة له ". وأخرج الطبراني، وغيره عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد بها من الله إلا بعداً ". وعن الحسن قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر فلا صلاة له ". أخرجه عبد بن حميده، وابن جرير، والبيهقي، وأخرج الخطب عن ابن عمر مرفوعاً نحوه. وأخرج عبد بن حميد، وغيره عن ابن مسعود مرفوعاً نحوه. قال السيوطي: وسنده ضعيف. قال ابن كثير في تفسيره: والأصح في هذا كله الموقوفات عن ابن مسعود، وابن عباس، والحسن، وقتادة، والأعمش، وغيرهم. وقيل: من داوم على الصلاة جره ذلك إلى ترك المعاصي والسيئات كما روي عن أنس قال: كان فتى من الأنصار يصلي الصلوات مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم لم يدع من الفواحش شيئاًً إلا ركبه فذكر ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: إن صلاته ستنهاه يوماً، فلم يلبث أن تاب وحسنت حاله. وقيل: معنى الآية أنه ما دام في صلاته فإنها تنهاه عن الفحشاء والمنكر، ومنه قوله: إن في الصلاة لشغلاً، وقيل: تنهى عنهما مطلقاً في سائر الأوقات لأن الصلاة تشغل جميع بدن المصلي، فإذا دخل في المحراب خشع، وأخبت لربه، وتذكر أنه واقف بين يدي مولاه، وأنه تعالى مطلع عليه، وأنه يراه فصلحت لذلك نفسه، وتذللت، وخامرها ارتقاب الله تعالى، وظهرت على جوارحه هيئتها، ولو بعد خروجه منها، ولم يكد يفتر عن ذلك حتى تظله صلاة أخرى، يرجع بها إلى أفضل حاله، فهذا معنى هذه الآية، لأن صلاة المؤمن هكذا ينبغي أن تكون. لا سيما وإن أشعر نفسه أن هذا ربما يكون آخر عمله، فهو أبلغ في المقصود، وأتم في المراد، فإن الموت ليس له سن محدود، ولا زمن مخصوص، ولا مرد معلوم، وهذا مما لا خلاف فيه. روي عن بعض السلف أنه كان إذا قام إلى الصلاة ارتعد واصفر لونه، فكلم في ذلك فقال: إني واقف بين يدي الله، وحق لي هذا مع ملوك الدنيا، فكيف مع ملك الملوك، فهذه صلاة تنهى ولا بد عن الفحشاء والمنكر، ومن صلاته قاصرة على الإجزاء، أي إسقاط الطلب عن المكلف، ولا خشوع فيها، ولا تذكر، ولا فضائل كصلاتنا، فتلك تنزل صاحبها من منزلته حيث كان. فإن كان مرتكباً للمعاصي قد بعد من الله بسببها، فتلك الصلاة تتركه يتمادى على بعده. وقيل لابن مسعود: إن فلاناً كثير الصلاة، فقال: إنها لا تنفع إلا من أطاعها، ذكره القرطبي. ويل: أراد بالصلاة القرآن، وفيه ضعف، لتقدم ذكر القرآن، والأول أولى، وعلى كل حال فإن المراعي للصلاة لا بد وأن يكون أبعد عن الفحشاء والمنكر ممن لا يراعيها. (ولذكر الله) بسائر أنواعه من تحميد، وتهليل، وتسبيح، وغير ذلك (أكبر) من كل شيء أي: أفضل من العبادات كلها بغير ذكر، وقد نقل القرطبي هذا التقييد عن ابن زيد وقتادة. قال ابن عطية: وعندي أن المعنى ولذكر الله أكبر على الإطلاق، أي هو الذي ينهى عن الفحشاء والمنكر، فالجزء الذي منه في الصلاة يفعل ذلك، وكذلك يفعل ما لم يكن منه في الصلاة لأن الانتهاء لا يكون إلا ممن ذكر الله مراقباً له وقيل: ذكر الله أكبر من الصلاة في النهي عن الفحشاء والمنكر، مع المداومة عليه، قال الفراء وابن قتيبة: المرد بالذكر هنا الصلاة، والصلاة أكبر من سائر الطاعات وعبر عنها بالذكر كما في قوله فاسعوا إلى ذكر الله للدلالة على أن ما فيها من الذكر هو العمدة في تفضيلها على سائر الطاعات، وكونها ناهية عن السيئات وقيل: عبر عنها بالذكر ليستقل بالتعليل كأنه قال: والصلاة أكبر لأنها ذكر الله. وقيل: المعنى ولذكر الله لكم بالثواب والثناء عليكم منه أكبر من ذكركم له في عبادتكم وصلواتكم، واختار هذا ابن جرير، ويؤيده حديث من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم. وقال ابن عباس: يقول ولذكر الله لعباده إذ ذكروه أكبر من ذكرهم إياه. وعن عبد الله بن ربيعة قال: سألني ابن عباس عن قول الله ولذكر الله أكبر فقلت: ذكر الله بالتسبيح، والتهليل، والتكبير، قال: ولذكر الله إياكم أكبر من ذكركم إياه، ثم قال اذكروني اذكركم. وعن ابن مسعود قال: ذكر الله العبد أكبر من ذكر العبد لله، وعن ابن عمر نحوه، وعن ابن عباس أيضاً قال لها وجهان ذكر الله أكبر مما سواه، (وفي لفظ ذكر الله عندما حرمه)، وذكر الله إياكم أعظم من ذكركم إياه. وعن معاذ بن جبل قال: ما عمل آدمي عملاً أنجى له من عذاب الله من ذكر الله، قالوا: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال لا، إلا أن يضرب بسيفه حتى ينقطع لأن الله يقول في كتابه العزيز (ولذكر الله أكبر). وعن عنترة قال: قلت لابن عباس أي العمل أفضل؟ قال ذكر الله. وعن أبي الدرداء قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " ألا أنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم؟ وأرفعها في درجاتكم؟ وخير لكم من إعطاء الذهب والورق، وخير لكم من أن تلقوا أعداءكم، فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم؟ قالوا: بلى يا رسول الله قال: ذكر الله " أخرجه الترمذي. وله عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سئل أي العباد أفضل درجة عند الله يوم القيامة؟ قال: " الذاكرون الله كثيراً، قالوا: يا رسول الله ومن الغازي في سبيل الله؟ فقال: لو ضرب بسيفه الكفار والمشركين حتى ينكسر، ويختضب دماً لكان الذاكرون الله كثيراً أفضل منه درجة ". وأخرج مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " سبق المفردون، قالوا: وما المفردون يا رسول الله؟ قال: الذاكرون الله كثيراً والذاكرات ". وأخرج البخاري عن أبي هريرة وأبي سعيد أنهما شهدا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " لا يقعد قوم يذكرون الله، إلا حفتهم الملائكة، وغشيتهم الرحمة، ونزلت عليهم السكينة، وذكرهم الله فيمن عنده ". وروي أن أعرابياً قال: يا رسول الله أي الأعمال أفضل؟ قال: " تفارق الدنيا ولسانك رطب بذكر الله " وفي الباب أحاديث كثيرة لا نطول بذكرها. قال ابن عطاء: أكبر أي أن تبقى معه معصية، وقيل: ذكر الله إياكم برحمته أكبر من ذكركم إياه بطاعته. وقيل: لأن ذكره بلا علة وذكركم مشوب بالعلل والأماني، ولأن ذكره لا يفنى وذكركم لا يبقى أو ذكره أكبر من أن تحويه أفهامكم وعنولكم، والذكر النافع هو الذي يكون مع العلم، وإقبال القلب وتفرغه مما سوى الله تعالى، وأما ما لا يتجاوز اللسان ففي رتبة أخرى. (والله يعلم ما تصنعون) من الذكر ومن سائر الطاعات لا يخفى عليه من ذلك خافية فهو مجازيكم بالخير خيراً وبالشر شراً، ثم شرع سبحانه في بيان إرشاد أهل الكتاب بعد بيان إرشاد أهل الشرك فقال: وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (46) وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ فَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الْكَافِرُونَ (47)
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب