الباحث القرآني

(ألم تر أن الله أنزل من السماء ماءً) أي من السحاب مطراً (فسلكه) أي فأدخله وأسكنه (ينابيع) أي عيونا ومسالك ومجاري وركايا (في الأرض) كالعروق في الجسد، والينابيع جمع ينبوع من نبع الماء ينبع، والينبوع عين الماء والأمكنة التي ينبع منها الماء من خلال الأرض أو نفس الماء الجاري والمعنى: أدخل الماء النازل من السماء في الأرض، وجعله فيها عيوناً جارية أو جعله في ينابيع أي في أمكنة ينبع منها الماء فهو على الوجه الثاني منصوب بنزع الخافض، قال مقاتل: فجعله ركايا وعيوناً في الأرض، وقال ابن عباس ما في الأرض ماء إلا نزل من السماء، ولكن عروق في الأرض تغيره، فذلك قوله (فسلكه ينابيع في الأرض) فمن سره أن يعوده الملح عذباً فليصعده. (ثم يخرج به) أي بذلك الماء من الأرض، وصيغة المضارع لاستحضار الصورة (زرعاً مختلفاً ألوانه) من أصفر وأخضر وأبيض وأحمر؛ أو من بر وشعير وغيرهما إذا كان المراد بالألوان الأصناف، وشمل لفظ الزرع جميع ما يستنبت حتى المقات. (ثم يهيج) أي يجف وييبس يقال: هاج النبت يهيج هيجاً إذا تم جفافه وحان له أن ينتشر عن منبته، قال الجوهري: يقال: هاج النبت هياجاً إذا يبس، وأرض هايجة يبس بقلها، أو اصفر، وأهاجت الريح النبت أيبسته، قال المبرد قال الأصمعي يقال: هاجت الأرض تهيج إذا أدبر نبتها وولى قال وكذلك هاج النبت (فتراه) بعد خضرته ونضارته، وحسن رونقه (مصفراً) قد ذهبت خضرته وزالت نضارته. (ثم يجعله حطاماً) أي متفتتاً متكسراً، من تحطم العود إذا تفتت من اليبس، ويقال للدابة إذا أسنت حطمة، ويتعدى بالحركة فيقال: حطمته حطماً من باب ضرب فانحطم، وحطمته بالتشديد مبالغة، قرأ الجمهور: ثم يجعله بالرفع عطفاً على ما قبله، وقرىء بالنصب بإضمار أن ولا وجه لذلك. (إن في ذلك) المذكور من الأفعال الخمسة التي أولها أنزل (لذكرى لأولي الألباب) أي لتذكيراً لأهل العقول الصحيحة، فإنهم الذين يتعقلون الأشياء على حقيقتها، فيتفكرون ويعتبرون، ويعلمون بأن الحياة الدنيا حالها كحال هذا الزرع في سرعة التصرم، وقرب التقضي، وذهاب بهجتها، وزوال رونقها ونضارتها، فإذا أنتج لهم التفكر والاعتبار العلم بذلك لم يحصل منهم الاغترار بها، والميل إليها، وإيثارها على دار النعيم الدائم والحياة المستمرة، واللذة الخالصة، ولم يبق معهم شك في أن الله قادر على البعث والحشر، لأن من قدر على هذا قدر على ذلك. وقيل: هو مثل ضربه الله للقرآن ولصدور من في الأرض، والمعنى أنزل من السماء قرآنا فسلكه في قلوب المؤمنين، ثم يخرج به ديناً بعضه أفضل من بعض، فأما المؤمن فيزداد إيماناً ويقيناً، وأما الذي في قلبه مرض فإنه يهيج كما يهيج الزرع، وهذا بالتغيير أشبه منه بالتفسير، ثم لما ذكر سبحانه (إن في ذلك لذكرى لأولي الألباب) ذكر شرح الصدر للإسلام لأن الانتفاع الكامل لا يحصل إلا به فقال: أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (22) اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (23)
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب