الباحث القرآني

(وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمراً) أي ساقتهم الملائكة سوق إعزاز وتشريف وتكريم، والمراد بذلك السوق إسراعهم إلى دار الكرامة والرضوان، كما يفعل بمن يكرم من الوافدين على بعض الملوك والمراد بالسوق المتقدم طردهم إلى العذاب بالهوان كما يفعل بالأسير إذا سيق إلى الحبس أو القتل، فشتان ما بين السوقين. وهذا من بدائع أنواع البديع، وهو أن يأتي سبحانه وتعالى بكلمة في حق الكفار فتدل على هوانهم وعقابهم، ويأتى بتلك الكلمة بعينها وهيئتها في حق المؤمنين فتدل على إكرامهم بحسن ثوابهم، فسبحان من أنزله معجز المباني، متمكن المعاني، عذب الموارد والمثاني قيل الكلام على حذف مضاف، أي: سيقت مراكبهم إذ لا يذهب بهم إلا راكبين وقد سبق معنى الزمر أي جماعات أهل الصلاة على حدة، وأهل الصوم كذلك إلى غير ذلك. (حتى إذا جاؤها وفتحت أبوابها) جواب إذا محذوف، قال المبرد: تقديره سعدوا وفتحت، وقال الزجاج: القول عندي أن الجواب محذوف على تقدير حتى إذا جاؤها كانت هذه الأشياء التي ذكرت دخلوها فالجواب دخلوها وحذف لأن في الكلام دليلاً عليه. وقال الأخفش والكوفيون: الجواب فتحت والواو زائدة وهو خطأ عند البصريين لأن الواو من حروف المعاني فلا تزاد. وقيل إن زيادة الواو دليل على أن الأبواب فتحت لهم قبل أن يأتوا لكرامتهم على الله والتقدير حتى إذا جاءوها وأبوابها مفتحة بدليل قوله (جنات عدن مفتحة لهم الأبواب) وحذفت الواو في قصة أهل النار لأنهم وقفوا على النار، وفتحت بعد وقوفهم إذلالاً وترويعاً. ذكر معناه النحاس منسوباً إلى بعض أهل العلم قال: ولا أعلم أنه سبقه إليه أحد، وعلى هذا القول تكون الواو واو الحال بتقدير قد، أي: جاؤوها وقد فتحت لهم الأبواب. وقيل: إنها واو الثمانية، وذلك أن من عادة العرب أنهم كانوا يقولون في العدد خمسة ستة سبعة وثمانية، وقد مضى القول في هذا في سورة براءة مستوفى، وفي سورة الكهف أيضاًً. وقد أخرج البخاري ومسلم وغيرهما من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " أول زمرة يدخلون الجنة على صورة القمر ليلة البدر، والذين يلونهم على ضوء أشد كوكب دري في السماء إضاءة " [[صحيح الجامع الصغير/2562.]] وأخرج الشيخان وغيرهما عن سهل بن سعد أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: " في الجنة ثمانية أبواب منها باب يسمى باب الريان، لا يدخله إلا الصائمون "، وقد ورد في كون أبواب الجنة ثمانية أحاديث في الصحيحين وغيرهما، وكتابنا (مثير ساكن الغرام، إلى روضات دار السلام) هو أحسن ما جمع في أحوال الجنة فليرجع إليه وليعول عليه، ثم أخبر سبحانه أن خزنة الجنة يسلمون على المؤمنين فقال: (وقال لهم خزنتها سلام عليكم) أي سلامة لكم من كل آفة، لا يعتريكم بعده مكروه (طبتم) وطهرتم في الدنيا، فلم تتدنسوا بالشرك والمعاصي. قال مجاهد طبتم بطاعة الله، وقيل بالعمل الصالح، والمعنى واحد وقيل طاب لكم المقام وقيل طابت حالكم وحسنت وجعل دخول الجنة مسبباً عن الطيب والطهارة لأنها دار الطيبين، ومثوى الطاهرين، وقد طهرها الله من كل دنس وطيبها من كل قذر، فلا يدخلها إلا مناسب لها، موصوف بصفتها. قال مقاتل إذا قطعوا جسر جهنم حبسوا على قنطرة بين الجنة والنار، فتقتص لبعضهم من بعض مظالم كانت بينهم، حتى إذا هذبوا وطيبوا قال لهم رضوان وأصحابه سلام عليكم الآية، وقد أخرج البخاري حديث القنطرة هذا في جامعه من حديث أبي سعيد الخدري وهو طويل جداً (فادخلوها) أي الجنة (خالدين) أي مقدرين الخلود.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب