الباحث القرآني

بسم الله الرحمن الرحيم سورة النساء مدنية كلها وهي مائة وخمس وسبعون آية قال القرطبي: إلا آية واحدة نزلت بمكة عام الفتح في عثمان بن طلحة الحجبي وهي قوله: (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها) قال النقاش: وقيل نزلت عند هجرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من مكة إلى المدينة. وقال علقمة وغيرة: صدرها مكية. وقال النحاس هذة الآية مكية. قال القرطبي: والصحيح الأول فإن في صحيح البخاري عن عائشة أنها قالت: ما نزلت سورة النساء إلا وأنا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعني قد بنى بها ولا خلاف بين العلماء أن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما بنى بعائشة بالمدينة. ومن تبين أحكامها علم أنها مدنية لا شك فيها. وقد ورد في فضل هذه السورة أخبار آثار كثيرة ذكرت في محلها. بسم الله الرحمن الرحيم يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (1) (يا أيها الناس) المراد بهم الموجودون عند الخطاب من بني آدم وهم أهل مكة، ويدخل فيه من سيوجد بدليل خارجي وهو الإجماع على أنهم مكلفون بما كلف به الموجودون. وعند الحنابلة خطاب المشافهة يتناول القاصرين عن درجة التكليف فينتظم في سلكهم من الحادثين بعد ذلك إلى يوم القيامة أو هو بطريق تغليب الموجودين على من لم يوجد كما غلب المذكور على الإناث في قوله (اتقوا ربكم) لاختصاص ذلك وبجمع المذكر وعدم تناوله حقيقة للإناث عند غير الحنابلة، وقد تقدم في البقرة معنى التقوى والرب. (الذي خلقكم) فإن خلقه تعالى لهم على هذا النمط البديع من أقوى الدواعي إلى الاتقاء من موجبات نقمته، ومن أتم الزواجر عن كفران نعمته، وذلك لأنه ينبىء عن قدرة شاملة لجميع المقدورات التي من جملتها عقابهم، وعن نعمة كاملة لا يقادر قدرها. (من نفس واحدة) آدم عليه السلام (خلق منها زوجها) حواء هذا أيضاً من موجبات الاحتراز عن الإخلال بمراعاة ما بينهم من حقوق الأخوة، و (مِن) لابتداء الغاية في الموضعين وخلقها منه لم يكن بتوليد كخلق الأولاد من الآباء فلا يلزم منه ثبوت حكم البنتية والأختية فيها. قال كعب ووهب وابن اسحق: خلقت قبل دخول الجنة، وقال ابن مسعود وابن عباس: إنما خلقت في الجنة بعد دخوله إياها. (وبثّ) فرق ونشر (منهما) الضمير راجع إلى آدم وحواء المعبّر عنهما بالنفس والزوج (رجالاً كثيراً) وصف مؤكد لما تفيده صيغة الجمع لكونها من جموع الكثرة وقيل هو نعت لمصدر محذوف أي بثاً كثيراً (ونساء) كثيرة، وترك التصريح به استغناء واكتفاء بالوصف الأول. (واتقوا الله الذي تساءلون به) أي تعاطون به، قاله ابن عباس، وقال الربيع تعاقدون وتعاهدون، وقيل تتحالفون به، وقيل تعظمونه، والمعاني متقاربة، وقال البيضاوي: أي يسأل بعضكم بعضاً بالله. (والأرحام) بالنصب عطفاً على محل الجار والمجرور، كقولك مررت بزيد وعمرا، وينصره قراءة (وبالأرحام) فإنهم كانوا يقرنون بينهما في السؤال والمناشدة فيقولون أسألك بالله وبالرحم، وأنشدك الله والرحم أو عطفاً على الاسم الجليل أي اتقوا الله والأرحام فلا تقطعوها فإنها مما أمر الله به أن يوصل، وهي الأولى. وقرىء والأرحام بالجر وأنكره البصريون والكوفيون وسيبويه والزجاج، وحكى أبو علي الفارسي أن المبرد قال: لو صليت خلف إمام يقرأ (واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام) بالجر لأخذت نعلي ومضيت. وقد رد الإمام أبو نصر القشيري ما قاله القادحون في قراءة الجر فقال: ومثل هذا الكلام مردود عند أئمة الدين لأن القراآت التي قرأ بها أئمة القرآن ثبت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم تواتراً، ولا يخفى أن دعوى التواتر باطلة، يعرف ذلك من يعرف الأسانيد التي رووها بها، ولكن ينبغي أن يحتج للجواز بورود ذلك في أشعار العرب، ومنه قوله تعالى (وجعلنا لكم فيها معايش ومن لستم له برازقين). وقيل التقدير: واتقوا قطع مودّة الأرحام فإنّ قطع الرحم من أكبر الكبائر، وصلة الأرحام باب لكل خير فتزيد في العمر وتبارك في الرزق، وقطعها سبب لكل شر، ولذلك وصل تقوى الرحم بتقوى الله. وصلة الرحم تختلف باختلاف الناس فتارة يكون عادته مع رحمه الصلة بالإحسان، وتارة بالخدمة وقضاء الحاجة، وتارة بالمكاتبة، وتارة بحسن العبارة وغير ذلك. وقرىء بالرفع على الإبتداء والخبر مقدر أي والأرحام صلوها أو والأرحام أهل أن توصل، أو والأرحام كذلك أي مما يتقى أو يتساءل به، وقيل إن الرفع على الإغراء عند من يرفع به، وجوّز الواحدى نصبه على الإغراء. والأرحام اسم لجميع الأقارب من غير فرق بين المحرم وغيره، لا خلاف في هذا بين أهل الشرع واللغة، وقد خصص الإمام أبو حنيفة الرحم بالحرم في منع الرجوع في الهبة مع موافقته على أن معناها أعم، ولا وجه لهذا التخصيص. قال القرطبي: اتفقت الملة على أن صلة الرحم واجبة وأن قطيعتها محرّمة انتهى، وقد وردت بذلك الأحاديث الكثيرة الصحيحة، روى الشيخان عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " الرحم معلقة بالعرش تقول من وصلني وصله الله، ومن قطعني قطعه الله " [[صحيح مسلم 2555 - البخاري 2045.]] وإنما استعير اسم الرحم للقرابة لأن الأقارب يتراحمون ويعطف بعضهم على بعض. (إن الله كان عليكم رقيباً) حافظاً يعلم السر وأخفى، والرقيب المراقب، وهي صيغة مبالغة من رقب يرقب رقباً ورقوباً ورقباناً إذا أحدّ النظر لأمر يريد تحقيقه. وَآَتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا (2) وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا (3)
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب