الباحث القرآني

وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (100) (ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغماً كثيراً) هذه الجملة متضمّنة للترغيب في الهجرة والتنشيط إليها، وفيه دليل على أنّ الهجرة لا بد أن تكون بقصد صحيح، ونية خالصة غير مشوبة بشيء من أمور الدنيا، ومنه الحديث الصحيح " فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه [[جزء من حديث طويل سبق ذكره.]] ". وقد اختلف في معنى الآية فقال ابن عباس وجماعة من التابعين ومن بعدهم المراغم المتحوّل والمذهب من أرض إلى أرض، وقال مجاهد: المراغم المتزحزح عما يكره، وقال ابن زيد: المراغم المهاجر، وبه قال أبو عبيدة: قال النحاس: هذه الأقوال متفقة المعاني، فالمراغم المذهب والمتحوّل وهو الموضع الذي يراغم فيه وهو مشتق من الرغام وهو التراب، ورغم أنف فلان أي لصق بالتراب، وراغمت فلاناً أي هجرته وعاديته، ولم أبال أن رغم أنفه. وهذا من الأمثال التي جرت في كلامهم بأسماء الأعضاء ولا يراد أعيانها بل وضعوها لمعان غير معاني الأسماء الظاهرة، ولاحظ لظاهر الأسماء من طريق الحقيقة، ومنه قولهم: كلامه تحت قدمي، وحاجته خلف ظهري، يريدون الإهمال وعدم الإحتفال. وقيل إنما سمي المهاجر مراغماً لأن الرجل كان إذا أسلم عادى قومه وهجرهم فسمي خروجه مراغماً، وسمي مسيره إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم هجرة، والحاصل في معنى الآية أن المهاجر يجد في الأرض مكاناً يسكن فيه على رغم أنف قومه الذين هاجرهم أي على ذلّهم وهوانهم. (وسعة) أي في البلاد وقيل بالرزق وقال عطاء سعة أي رخاء، وقيل في إظهار الدين أو في تبدل الخوف بالأمن أو من الضلال إلى الهدى، ولا مانع من حمل السعة على ما هو أعم من ذلك. (ومن يخرج من بيته مهاجراً إلى الله ورسوله) أي إلى حيث أمر الله ورسوله، قالوا كل هجرة في غرض ديني من طلب علم أو حج أو جهاد أو نحو ذلك فهي هجرة إلى الله ورسوله (ثمّ يدركه الموت) قبل أن يصل إلى مطلوبه وهو المكان الذي قصد الهجرة إليه أو الأمر الذي قصد الهجرة له. (فقد وقع أجره على الله) أي ثبت ذلك عنده ثبوتاً لا يتخلف، يعني وجب أجر هجرته عليه بإيجابه على نفسه بحكم الوعد والتفضل والكرم، لا وجوب استحقاق، قيل ويدخل فيه من قصد فعل طاعة ثم عجز عن إتمامها كتب الله له ثواب تلك الطاعة كاملاً (وكان الله غفوراً رحيما) أي كثير المغفرة كثير الرحمة. وقد استدل بهذه الآية على أن الهجرة واجبة على كل من كان بدار الشرك أو بدار يعمل فيها بمعاصي الله جهاراً إذا كان قادراً على الهجرة، ولم يكن من المستضعفين لما في هذه الآية الكريمة من العموم وإن كان السبب خاصاً كما تقدم، وظاهرها عدم الفرق بين مكان ومكان وزمان وزمان. وقد ورد في الهجرة أحاديث، وورد ما يدل على أن لا هجرة بعد الفتح، وقد أوضح الشوكاني ما هو الحق في شرحه على المنتقى. عن ابن عباس بسند رجاله ثقات قال: خرج ضمرة بن جندب من بيته مهاجراً فقال لقومه: احملوني فأخرجوني من أرض الشرك إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فمات في الطريق قبل أن يصل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فنزل الوحي أي هذه الآية [[زاد السير/180]]. وأخرج ابن سعد وأحمد والحاكم وصححه عن عبد الله بن عتيك قال سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول " من خرج من بيته مجاهداً في سبيل الله وأين المجاهدون في سبيل الله، فخر عن دابته فمات فقد وقع أجره على الله، أو لدغته دابة فمات فقد وقع أجره على الله، أو مات حتف أنفه فقد وقع أجره على الله، يعني بحتف أنفه على فراشه، والله إنها لكلمة ما سمعتها من أحد من العرب قبل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ومن قتل قعصا فقد استوجب الجنة [[المستدرك 2/ 88.]]. وأخرج أبو يعلى والبيهقي في شعب الإيمان عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من خرج حاجّاً فمات كتب له أجر الحاج إلى يوم القيامة، ومن خرج معتمراً فمات كتب له أجر المعتمر إلى يوم القيامة، ومن خرج غازياً في سبيل الله فمات كتب له أجر الغازي إلى يوم القيامة، قال ابن كثير وهذا حديث غريب من هذا الوجه [[مشكاة المصابيح 2539.]].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب