الباحث القرآني

وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا (157) (وقولهم إنّا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم) هو من جملة جناياتهم، وذنوبهم لأنهم كذبوا بأنهم قتلوه وافتخروا بقتله، قال أبو حيان: لم نعلم كيفية القتل ولا من ألقي عليه الشَّبه ولم يصح بذلك حديث. (رسول الله) ذكروه بالرسالة استهزاء لأنهم ينكرونها ولا يعترفون بأنه نبي، أو هذا من كلامه تعالى لمدحه وتنزيهه عن مغالاتهم فيه، وما ادعوه من أنهم قتلوه قد اشتمل على بيان صفته وإيضاح حقيقته الإنجيل وما فيه هو من تحريف النصارى أبعدهم الله فقد كذبوا وصدق الله القائل في كتابه العزيز: (وما قتلوه وما صلبوه) جملة حالية (ولكن شبّه لهم) أي ألقي شبه عيسى على غيره حتى قتل وصلب وقيل لم يكونوا يعرفون شخصه وقتلوا الذي قتلوه وهم شاكون فيه. أخرج سعيد بن منصور والنسائي وابن أبي حاتم وابن مردوية عن ابن عباس قال: لما أراد الله أن يرفع عيسى إلى السماء خرج إلى أصحابه وفي البيت اثنا عشر رجلاً من الحواريين فخرج عليهم من عين في النبت ورأسه يقطر ماء فقال: إن منكم من يكفر بي إثنتي عشرة مرة بعد أن آمن بي، ثم قال: أيّكم يلقى عليه شبهي فيقتل مكاني ويكون معي في درجتي فقام شاب من أحدثهم سِنّاً فقال له: اجلس ثم أعاد عليهم فقام الشاب فقال: اجلس، ثم أعاد عليهم فقام الشاب فقال: أنا فقال: أنت ذاك فألقي عليه شبه عيسى ورفع عيسى من روزنة في البيت إلى السماء. قال: وجاء الطلب من يهود فأخذوا الشبه فقتلوه ثم صلبوه فكفر به بعضهم اثنتي عشرة مرة بعد أن آمن به. وافترقوا ثلاث فرق فقالت طائفة كان الله فينا ما شاء ثم صعد إلى السماء فهؤلاء اليعقوبية، وقالت فرقة: كان فينا ابن الله ما شاء ثم رفعه الله إليه وهؤلاء النسطورية، وقالت فرقة: كان فينا عبد الله ورسوله وهؤلاء المسلمون، فتظاهرت الكافرتان على المسلمة فقتلوها فلم يزل الإسلام طامساً حتى بعث الله محمداً صلى الله عليه وآله وسلم فأنزل الله عليه (فآمنت طائفة من بني إسرائيل) يعني الطائفة التي آمنت في زمن عيسى (وكفرت طائفة) يعني التي كفرت في زمن عيسى (فأيّدنا الذين آمنوا) في زمن عيسى بإظهار محمد دينهم على دين الكافرين. قال ابن كثير بعد أن ساقه بهذا اللفظ عند ابن أبي حاتم قال حدثنا أحمد ابن سنان حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن المنهال بن عمرو عن سعيد بن جبير عن ابن عباس فذكره، وهذا إسناد صحيح إلى ابن عباس [[تفسير ابن كثير/574.]]. وصدق ابن كثير فهؤلاء كلهم من رجال الصحيح، وأخرجه النسائي من حديث أبي كريب عن أبي معاوية بنحوه، وقد رويت قصته عليه السلام من طرق بألفاظ مختلفة، وساقها عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر على صفة قريبة مما في الإنجيل. (وإن الذين اختلفوا فيه) أي في شأن عيسى وهم النصارى فقال بعضهم قتلناه، وقال من عاين رفعه إلى السماء ما قتلناه. وقيل إن الاختلاف بينهم هو أن النسطورية من النصارى قالوا: صلب عيسى من جهة ناسوته لا من جهة لاهوته، وقالت الملكانية وقع القتل والصلب على المسيح بكمال ناسوته ولاهوته، ولهم من جنس هذا الأختلاف كلام طويل لا أصل له ولهذا قال الله (وإن الذين اختلفوا فيه لفي شكّ منه) أيَ في تردد من قتله لا يخرج إلى حيّز الصحة ولا إلى حيز البطلان في اعتقادهم، بل هم مترددون مرتابون في شكهم يعمهون وفي جهلهم يتحيرون. (ما لهم به من علم) من زائدة لتوكيد نفي العلم (إلا اتباع الظن) الاستثناء منقطع وهو الصحيح الذي لم يذكر الجمهور غيره، وهي لغة الحجاز أي لكنهم يتبعون الظن في قتله ولم يعرفوا حقيقة ذلك المقتول هل هو عيسى أو غيره، لأن الظن واتباعه ليس من جنس العلم الذي هو اليقين، إذ الظن الطرف الراجح، وقيل استثناء مما قبله والأول أولى. قال أبو البقاء إنه متصل لأن العلم والظن يجمعهما مطلق الإدراك انتهى، لا يقال إن اتباع الظن ينافي الشك الذي أخبر الله عنهم بأنهم فيه لأن المراد هنا بالشك التردد كما قدمنا، والظن نوع منه، وليس المراد به هنا ترجح أحد الجانبين. (وما قتلوه يقيناً) أي قتلاً يقيناً، وهذا على أن الضمير في قتلوه لعيسى، وقيل: إنه يعود إلى الظن، قاله ابن عباس، والمعنى ما قتلوا ظنهم يقيناً، قال أبو عبيدة: ولو كان المعنى وما قتلوا عيسى يقيناً لقال وما قتلوه فقط، وقيل إن المعنى وما قتلوا الذي شبه لهم، وقيل المعنى بل رفعه الله إليه يقيناً، وهو خطأ لأنه لا يعمل ما بعدى بل فيما قبلها. وذكر السمين فيه خمسة أوجه ولا وجه لهذه الأقوال، والضمائر قبل قتلوه وبعده لعيسى، وذكر اليقين هنا لقصد التهكم بهم لإشعاره بعلمهم في الجملة. بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (158) وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا (159)
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب