الباحث القرآني

(قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ) أي أتتبعون آباءكم وتقلدونهم؟ ولو جئتكم بدين أهدى من دين آبائكم؟ قال الزجاج المعنى قل لهم أتتبعون ما وجدتم عليه آباءكم من الضلالة التي ليست من الهداية في شيء وإن جئتكم بأهدى منه؟ قرأ الجمهور قل وقرىء قال: وهو حكاية لما جرى بين المنذرين وقومهم، أي قال كل منذر من أولئك المنذرين لأمته، وقيل إن كلتا القراءتين حكاية لما جرى بين المنذرين وقومهم أي قال كل منذر من أولئك المنذرين لأمته المقلدين، كأنه قال لكل نبي قل بدليل قوله: (قالوا إنا بما أرسلتم به كافرون) قال الشوكاني وهذا من أعظم الأدلة الدالة على بطلان التقليد وقبحه، فإن هؤلاء المقلدة في الإسلام إنما يعملون بقول أسلافهم، ويتبعون آثارهم، ويقتدون بهم فإذا رام الداعي إلى الحق أن يخرجهم من ضلالة أو يدفعهم عن بدعة قد تمسكوا بها، وورثوها عن أسلافهم بغير دليل نير، ولا حجة واضحة، بل لمجرد قيل وقال، لشبهة داحضة، وحجة زائفة، ومقالة باطلة، قالوا بما قاله المترفون من هذه الملل (إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ) أو بما يلاقي معناه معنى ذلك. فإن قال لهم الداعي إلى الحق قد جمعتنا الملة الإسلامية وشملنا هذا الدين المحمدي، ولم يتعبدنا الله ولا تعبدكم ولا آباءكم من قبلكم إلا بكتابة الذي أنزله على رسوله، وبما صح عن رسوله صلى الله عليه وسلم، فإنه المبين لكتاب الله، الموضح لمعانيه، الفارق بين محكمه ومتشابهه، فتعالوا نرد ما تنازعنا فيه إلى كتاب الله وسنة رسوله، كما أمرنا الله بذلك في كتابه بقوله: (فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول) فإن الرد إليهما أهدى لنا ولكم من الرد إلى ما قاله أسلافكم ودرج عليه آباؤكم، نفروا نفور الوحش، ورموا الداعي لهم إلى ذلك بكل حجر ومدر، كأنهم لم يسمعوا قول الله سبحانه (إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا) ولا قوله (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا). فإن قال لهم القائل: هذا العالم الذي تقتدون به وتتبعون أقواله هو مثلكم في كونه متعبداً بكتاب الله وسنة رسوله، مطلوباً منه ما هو مطلوب منكم، وإذا عمل برأيه عند عدم وجدانه للدليل، فذلك رخصة له، لا يحل أن يتبعه غيره عليها، ولا يجوز له العمل بها، وقد وجد الدليل الذي لم يجده، وها أنا أوجدكموه في كتاب الله، أو فيما صح من سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وذلك أهدى لكم مما وجدتم عليه آباءكم، قالوا: لا نعمل بهذا، ولا سمع لك ولا طاعة، ووجدوا في صدورهم أعظم الحرج من حكم الكتاب والسنة، ولم يسلموا لذلك ولا أذعنوا له. وقد وهب لهم الشيطان عصا يتوكأون عليها عند أن يستمعوا من يدعوهم إلى الكتاب والسنة، وهي أنهم يقولون: إن إمامنا الذي قلدناه واقتدينا به أعلم منك بكتاب الله وسنة رسوله، وذلك لأن أذهانهم قد تصورت من يقتدون به تصوراً عظيماً بسبب تقدم العصر وكثرة الأتباع، وما علموا أن هذا منقوض عليهم مدفوع به في وجوههم. فإنه لو قيل لهم: إن في التابعين من هو أعظم قدراً وأقدم عصراً من صاحبكم، فإن كان لتقدم العصر وجلالة القدر مزية توجب الاقتداء فتعالوا حتى أريكم من هو أقدم عصراً وأجل قدراً، فإن أبيتم ذلك ففي الصحابة رضي الله عنهم من هو أعظم قدراً من صاحبكم علماً وفضلاً وجلالة قدر، فإن أبيتم ذلك فها أنا أدلكم على من هو أعظم قدراً وأجل خطراً، وأكثر أتباعاً، وأقدم عصراً، وهو محمد بن عبد الله نبينا ونبيكم صلى الله عليه وسلم، ورسول الله إلينا وإليكم، فتعالوا فهذه سنته موجودة في دفاتر الإسلام ودواوينه التي تلقتها جميع هذه الأمة قرناً بعد قرن، وعصراً بعد عصر، وهذا كتاب ربنا خالق الكل، ورازق الكل، وموجد الكل، بين أظهرنا، موجود في كل بيت، وبيد كل مسلم، لم يلحقه تغيير ولا تبديل، ولا زيادة ولا نقص، ولا تحريف ولا تصحيف، ونحن وأنتم ممن يفهم ألفاظه، ويتعقل معانيه، فتعالوا لنأخذ الحق من معدنه، ونشرب صفو الماء من منبعه، فهو مما وجدتم عليه آباءكم. قالوا: لا سمع ولا طاعة، إما بلسان القال أو بلسان الحال، فتدبر هذا وتأمله إن بقي فيك بقية من إنصاف وشعبة من خير، ومزعة من حياء، وحصة من دين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وقد أوضحت هذا غاية الإيضاح في كتابي الذي سميته أدب الطلب ومنتهى الأرب انتهى. وقد أوضحه الحافظ ابن القيم في إعلام الموقعين عن رب العالمين فأرجع إليهما إن رمت أن تنجلي عنك ظلمات التعصب، وتنقشع لك سحائب التقليد.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب