الباحث القرآني

(يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء) لا حاجة لكم بالسؤال عنها ولا هي مما يعنيكم في أمر دينكم، وفي أشياء مذاهب للنحاة. (أحدها) أنه اسم جمع من لفظ شيء فهو مفرد لفظاً جمع معنى، وهو رأي الخليل وسيبويه. (الثاني) وبه قال الفراء أنها جمع شيء كهين. (الثالث) وبه قال الأخفش أنهما جمع شيء بِزِنَة فلس. (الرابع) وهو قول الكسائي وأبى حاتم أنه جمع شيء كبيت، واعترض الناس عليه. (الخامس) أن وزنه أفعلاء أيضاً جمع لشيء بزنة ظريف. (إن تبد) أي إذا بدت وظهرت (لكم) وكلفتم بها (تسؤكم) أي ساءتكم لما فيها من المشقة، نهاهم الله تعالى عن كثرة مسائلهم لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإن السؤال عما لا يعني ولا تدعو إليه حاجة قد يكون سبباً لإيجابه على السائل وعلى غيره. وقد أخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن أنس قال: خطب النبي صلى الله عليه وسلم خطبة ما سمعت مثلها قط فقال رجل: من أبي! فقال: فلان فنزلت هذه الآية لا تسألوا عن أشياء، وأخرج البخاري وغيره نحوه عن ابن عباس. وقد بين هذا السائل في روايات أخر أنه عبد الله بن حذافة، وأنه قال: من أبي؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - أبوك حذافة. وأخرج ابن حبان عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خطب فقال: " يا أيها الناس إن الله قد افترض عليكم الحج، فقام رجل فقال أكل عام يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسكت عنه فأعادها ثلاث مرات فقال لو قلت نعم لوجبت ولو وجبت ما قمتم بها، ذروني ما تركتكم فإنما هلك الذين قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم فإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه وإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم " [[الترمذي كتاب التفسير سورة 5 - 15 - النسائي كتاب المناسك الجزء1.]] وذلك أن هذه الآية أعني لا تسألوا عن أشياء نزلت في ذلك، وأخرجه أيضاً جماعة من أهل الحديث، وكل هؤلاء صرحوا في أحاديثهم أن الآية نزلت في ذلك. وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن سعد بن أبي وقاص قال: كانوا يسألون عن الشيء وهو لهم حلال فما زالوا يسألون حتى يحرم عليهم وإذا حرم عليهم وقعوا فيه. وأخرج ابن المنذر وهو في مسلم عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " أعظم المسلمين في المسلمين جرماً من سأل عن شيء لم يحرم فيحرم من أجل مسألته " [[البخاري كتاب الاعتصام الباب 2 - مسلم كتاب الفضائل 132 - 133.]]. وأخرج ابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه عن أبي ثعلبة الخشني قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " إن الله حد حدوداً فلا تعتدوها. وفرض لكم فرائض فلا تضيعوها، وحرم أشياء فلا تنتهكوها، وترك أشياء في غير نسيان ولكن رحمة لكم فاقبلوها ولا تبحثوا عنها " [[المستدرك كتاب الأطعمة 4/ 115.]]، وعن ابن عباس قال: لا تسألوا عن أشياء قال البحيرة والسائبة والوصيلة والحام. (وإن تسألوا عنها) الضمير يعود على نوع الأشياء المنهيّ عنها لا عليها أنفسها قاله ابن عطية ونقله الواحدي عن صاحب النظم ويحتمل أن يعود عليها أنفسها قاله الزمخشري بمعناه (حين ينزل القرآن) أي مع وجود رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين أظهركم ونزول الوحي عليه (تبد) أي تظهر (لكم) بما يجيب به عليكم النبي - صلى الله عليه وسلم - أو ينزل به الوحي فيكون ذلك سبباً للتكاليف الشاقة، وإيجاب ما لم يكن واجباً، وتحريم ما لم يكن محرماً بخلاف السؤال عنها بعد انقطاع الوحي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإنه لا إيجاب ولا تحريم يتسبب عن السؤال. وقد ظن بعض أهل التفسير أن الشرطية الثانية فيها إباحة السؤال مع وجود رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونزول الوحي عليه فقال: إن الشرطية الأولى أفادت عدم جوازه فقال إن المعنى وإن تسألوا عن غيرها مما مست إليه الحاجة تبدو لكم بجواب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عنها وجعل الضمير في عنها راجعاً إلى أشياء غير الأشياء المذكورة، وجعل ذلك كقوله: (ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين) وهو آدم ثم قال: (ثم جعلناه نطفة) أي ابن آدم، وقد أطال سليمان الجمل الكلام على هذه الآية بذكر أقوال الكرخي والخازن والقرطبي والجرجاني لا نطول بذكرها. (عفا الله عنها) أي عن ما سلف من مسألتكم فلا تعودوا إلى ذلك، وقيل المعنى أن تلك الأشياء التي سألتم عنها هي مما عفا عنه ولم يوجبه عليكم فكيف تتسببون بالسؤال لإيجاب ما هو عفو من الله غير لازم، وضمير عنها عائد إلى المسألة على الأول وإلى أشياء على الثاني، على أن تكون جملة عفا الله عنها صفة ثالثة لأشياء والأول أولى، لأن الثاني يستلزم أن يكون ذلك المسؤول عنه قد شرعه الله ثم عفا عنه. وممكن أن يقال: إن العفو بمعنى الترك أي تركها الله ولم يذكرها بشيء فلا تبحثوا عنها، وهذا معنى صحيح لا يستلزم ذلك اللازم الباطل (والله غفور حليم) جاء سبحانه بصيغة المبالغة ليدل ذلك على أنه لا يعاجل من عصاه بالعقوبة لكثرة مغفرته وسعة حلمه. قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِهَا كَافِرِينَ (102) مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (103)
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب