الباحث القرآني

وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (18) (وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه) أثبتت اليهود لأنفسها ما أثبتته لعزير حيث قالوا عزير ابن الله، وأثبتت النصارى لأنفسها ما أثبتته للمسيح حيث قالوا المسيح ابن الله، وقيل هو على حذف مضاف أي نحن أتباع أبناء الله، وقيل أبناء أنبياء الله، ونظيره (إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله) قاله الكرخي. وهكذا أثبتوا لأنفسهم أنهم أحباء الله بمجرد الدعاوى الباطلة والأماني العاطلة، فأمر الله سبحانه رسوله صلى الله عليه وسلم أن يرد عليهم فقال: (قل فلم يعذبكم بذنوبكم) أي إن كنتم كما تزعمون فما باله يعذبكم بما تقترفونه من الذنوب بالقتل والمسخ، وبالنار في يوم القيامة كما تعترفون بذلك بقولكم: (لن تمسّنا النار إلا أياماً معدودة) فإن الابن من جنس أبيه لا يصدر عنه ما يستحيل على الأب، وأنتم تذنبون والحبيب لا يعذب حبيبه وأنتم تعذبون، فهذا يدل على أنكم كاذبون في هذه الدعوى، وهذا البرهان هو المسمى عند الجدليين ببرهان الخلف. وأخرج أحمد في مسنده عن أنس قال: مر النبي صلى الله عليه وآله وسلم في نفر من أصحابه وصبي في الطريق، فلما رأت أمه القوم خشيت على ولدها أن يوطأ فأقبلت تسعى وتقول: ابني ابني، فسعت فأخذته فقال القوم: يا رسول الله ما كانت هذه لتلقي ابنها في النار، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: لا، والله لا يلقي حبيبه في النار، وإسناده في المسند هكذا: حدثنا ابن عدي عن حميد عن أنس فذكره [[روى ابن ماجة نظيره في الزهد/35. ورد ورواه الإمام أحمد بن حنبل في المسند 3/ 104.]]. ومعنى الآية يشير إلى معنى هذا الحديث، ولهذا قال بعض مشايخ الصوفية لبعض الفقهاء أين تجد في القرآن أن الحبيب لا يعذب حبيبه، فلم يرد عليه فتلا الصوفي هذه الآية. وأخرج أحمد في الزهد عن الحسن أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: لا والله لا يعذب الله حبيبه ولكن الله قد يبتليه في الدنيا. (بل أنتم بشر ممن خلق) عطف على مقدر يدل عليه الكلام أي فلستم حينئذ كذلك بل أنتم بشر من جنس من خلقه الله تعالى يحاسبهم على الخير والشر، ويجازي كل عامل بعمله. (يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء) قال السدي: أي يهدي منكم من يشاء في الدنيا فيغفر له ويميت من يشاء منكم على كفره فيعذبه لا اعتراض عليه لأنه القادر الفعال بالإختيار. (ولله ملك السموات والأرض وما بينهما) من الموجودات لا شريك له في ذلك فيعارضه، وفيه دليل على أنه تعالى لا ولد له، لأن من يملك السموات والأرض يستحيل أن يكون له شبيه من خلقه أو شريك في ملكه (وإليه المصير) أي تصيرون إليه وحده: عند انتقالكم من دار الدنيا إلى دار الآخرة.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب